مركز الجزيرة للّدّراسات
" طوفان الأقصى " والحرب على غزة ت اعيات متع دة الأبعاد
التقرير الإستراتيجي 2024-2023
٢٠٢٤ مارس/آذار
7 .......................................................................................................................................... مقدمة 11 . .................................................... إلهاء مضاعف: اإلستراتيجية األميركية وحرب غزة الحواس تقية 17 ....... تداعيات الحرب على الوضع الفلسطيني: المقاومة والتسوية ومصير السلطة شفيق شقير 23 ..................................................................... الحرب على غزة وتداعياتها على إسرائيل شفيق شقير 31 ........................................................... تحوالت الموقف العربي من القضية الفلسطينية لقاء مكي 39 .. النفوذ اإليراني في المنطقة: إستراتيجية دفاعية ومظلة لتعدد ساحات المواجهة فاطمة الصمادي 45 ...................................................... أزمات عربية وإقليمية في سياق الحرب على غزة سيدي أحمد ولد األمير 51 .......................................... توسيع الشروخ: تداعيات الحرب على الداخل األميركي الحواس تقية المـســـار القضائــي رافعــة أخــرى للفلســطينيين فــي صراعهم ضــد االحتالل 59 ............................................................................................................................... اإلسرائيلي عزالدين عبد المولى
5
65 ............................. في الحروب غير المتناظرة انتصار الجيوش النظامية ليس حتميًا محمد عبد العاطي صـــراع السرديات وإشكاليات اإلعالم وشــبكات التواصل االجتماعي في الحرب 71 .................................................................................................................................. على غزة محمد الراجي
6
مقدمة ، 2023 كان هجوم المقاومة الفلســطينية في الســابع من أكتوبر/تشــرين األول ، مفاجئا وغير مسبوق في حجمه وآثاره المباشرة " طوفان األقصى " تحت اســم والالحقة. ردت إســرائيل بشــن عدوان واســع وشــامل على قطاع غزة بهدف االنتقام وإعادة بناء أمنها ووجودها على أســس جديدة خالفا لنظام الردع الذي صاغت على ضوئه اســتراتيجيتها السابقة. وقد تقاطع هذا الحدث مع منازالت اســتراتيجية وأجندات متنافسة على المستوى الدولي واإلقليمي في سياق عربي متهالك وأزمات متعددة ومفتوحة وضع فلسطيني هش. على المســتوى الدولي، أسهم حدث الســابع من أكتوبر في إضعاف مرتكزات االستراتيجية الكبرى للواليات المتحدة األميركية في الشرق األوسط، التي تهدف إلى تطبيع وضع إســرائيل ودمجها في نســيج المنطقة أمنيا واقتصاديا وسياسيا، مع ضمان تفوقها المطلق على الصعيد العســكري، ما يجعل من دول المنطقة تابعة لها وليســت مكافئة أو شــريكة. في المقابل تتخفف أميركا تدريجيا من عبء إســرائيل لتتفرغ لمواجهة أو احتواء القوى المناوئة لها، مثل إيران إقليميا والصين وروســيا عالميا. لكن الحرب على غزة وصمود المقاومة خلخل هذه المرتكزات وأكد عدم جاهزية إســرائيل لهذا الدور وحاجتها الحيوية المستمرة للدعم األميركي والغربي بشكل عام. داخل الواليات المتحدة وعموم البلدان الغربية، كشفت الحرب عن اتجاه شعبي متزايد في أوســاط الشباب خاصة، لمســاندة القضية الفلسطينية ودعم المقاومة ومناهضــة االحتالل. كمــا أطلقت الحــرب دينامية داخلية أفســحت المجال لشــخصيات عامة وقيادات سياســية في تلك البلدان لمساءلة مؤسسات الحكم والتشــريع على دعمها غير المشروط إلسرائيل. من جهة أخرى، تتزايد األهمية السياسية لكتلة الناخبين من العرب والمسلمين في الواليات المتحدة على وجه الخصــوص، ولتحالفاتهم مع فئات أخرى مــن المجتمع األميركي. وهذه كلها تطورات غير مسبوقة ستكون لها آثار مهمّة خاصة على المديين المتوسط والبعيد. على المســتوى اإلقليمي، تتجه األحداث لتجعل من إيران أكبر المستفيدين من
7
هــذه الحــرب، بما تملكه من نفوذ في المنطقة وقدرة على إدارة قوتها الردعية، وتوزيع منســوب الضغط عبر أذرعها وحلفائهــا بكلفة منخفضة. فقد أدى هذا الضغط على جبهات متعددة إلى تقييد حركة الواليات المتحدة وإسرائيل وضيّق خياراتهما، وسيجعل من طهران طرفا مهمّا في أي ترتيبات أمنية في المنطقة، مع استمرار تعزيز نفوذها اإلقليمي. عربيــا، أربكــت الحرب مســار التطبيع وأضعفــت حجة الــدول التي ربطت رهانهــا عليه بقوة إســرائيل الردعيــة وقدرتها على ملء الفراغ الذي ســيتركه تراجــع اهتمام الواليات المتحدة بالمنطقة. فقد كشــفت األحداث عن مواطن ضعف أساســية في هذه القوة، وبيّنت عجز إســرائيل عن حماية أمنها بمفردها وحاجتهــا الحيوية الدائمة للدعم والحماية من قبــل الواليات المتحدة. ورغم هذه الحقائق، يُســتبعد أن يتوقف مســار التطبيع نهائيا، ولكن الدول المنخرطة فيه ســتضطر لمراجعة مرتكزات أمنها القومي واإلقليمي واالســتعداد للتعايش مــع النفوذ اإليراني المتزايد. في ذات الســياق، وفي ظل تراجع الدعم العربي الرســمي للقضية الفلســطينية، باتت الجماعات المسلحة من غير الدول تلعب دورا رئيسيا في شؤون الحرب والسالم مع إسرائيل. وستفرض هذه الجماعات على جميع األطراف نمطا جديدا في التعامل معها ومع اســتراتيجياتها وقدراتها العسكرية المتنامية. تزداد أهمية هذا المتغير بترابط عناصره وتشكيله بيئة مشتركة تتعدد فيها جبهات المواجهة. وســيحتّم ذلك على إسرائيل والواليات المتحدة والغرب عموما إعادة حســاباتهم في المســتقبل قبل أي عدوان جديد على غزة والفلسطينيين. فلســطينيا، وجّــه العدوان اإلســرائيلي على غزة وصمــود المقاومة وإنجازاتها الميدانية ضربة للقوى الفلسطينية المراهنة على اتفاق أوسلو وتسوياته السياسية واألمنيــة، وكذلك لمن راهن على صفقة القرن وترتيباتها على األرض. وزادت اعتداءات االحتالل المتكررة على ســكان الضفة، في غياب أي دور للســلطة الفلســطينية، من شعبية المقاومة هناك. وســتكون لهذا التحول آثار سلبية على مستقبل السلطة ودورها وموقعها في ترتيبات ما بعد الحرب، وستتوالى الجهود والمبــادرات العربية والدوليــة إلصالحها وإعادة هيكلتها بما يضفي عليها قدرا من الفاعلية ويجعلها بالفعل إطارا جامعا لكل الفصائل والتوجهات الفلسطينية.
8
إعالميا، أسهمت شبكات التواصل االجتماعي، إلى جانب بعض وسائل اإلعالم العربية، في مقدمتها شــبكة الجزيرة، بدور فعّال في نقل وتوثيق حقيقة العدوان اإلسرائيلي وآثاره المدمّرة. وكشفت زيف الرواية اإلسرائيلية التي تهاوت وفقدت مرتكزاتها األخالقية والسياسية والتاريخية لدى قطاع واسع من مستخدمي تلك الوســائط، ال ســيما من جيل الشباب. وســيكون هذا المجال ساحة أخرى في المســتقبل لمنافســة حادة ومعارك ضارية بين مختلف القوى المعنية بالصراع العربي اإلسرائيلي للتحكم في السرديات وتوجيهها. خالصات: - أطلقت الحرب على غزة جملة من المســارات بعضها غير قابل للعودة إلى الوراء. ومن المحتمل أن تتحول تلك المســارات إلى ديناميات مســتقلة بذاتها تســتمر في االشــتغال حتى بعد نهاية الحرب الراهنة. مثال ذلك، االنقســامات المتزايدة في صلب المجتمع اإلســرائيلي، مــع تحوله نحو المزيد من التطرف اليميني، واتســاع الشــرخ بين إســرائيل وعدد من الدول الغربية بما في ذلك الواليات المتحدة األميركية، والتحوالت الجارية على صعيد الرأي العام العالمي باتجاه مناهضة االحتالل ومناصرة القضية الفلسطينية، والمسار القضائي وما يعنيه من مالحقة قادة االحتالل أمام المحاكم الدولية والوطنية. القضية الفلســطينية من متاهات اتفاق أوســلو منتهي " طوفان األقصى " - أخرج الصالحيــة، ووضعهــا مجــددا على طاولــة النقاش العالمــي، وأكد على حق الفلســطينيين في مقاومة االحتالل وحقهم في بناء دولتهم المســتقلة. وسيكون إعادة النظر بجدية أكبر في طبيعة المشروع الوطني " الطوفان " من تداعيات هذا الفلسطيني وأفقه السياسي. - كشفت الحرب اإلسرائيلية على غزة ضعف استجابة السلطة الفلسطينية لهذا الحدث الكبير، وأكدت على ضرورة إصالح المؤسســات الفلســطينية وإعادة هيكلتها على أســس جديدة، وعلى رأسها مؤسســات السلطة ومنظمة التحرير الفلســطينية، من أجل توحيد الصف الفلســطيني تحــت مظلة جامعة لمختلف الساحات.
9
- فــي هــذه الحرب، تبين كذلك مدى الضعف الــذي يعاني منه النظام العربي الرسمي. فقد عجزت مختلف الدول العربية عن مد يد العون لسكان غزة حتى على صعيد اإلغاثة اإلنســانية. فقد اســتمر تراجع الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية منذ بدأ بالتصدع حين لجأت مصر لتطبيع عالقاتها مع دولة االحتالل في نهاية سبعينات القرن الماضي. وانتقل الموقف العربي من مرحلة كانت فيها الجيوش العربية طرفا مباشــرا في الصراع مع إســرائيل، إلى مرحلة غاب فيها أي دور مؤثر، باســتثناء الوســاطة التي تجريها قطر ومصر، إلى جانب الواليات المتحدة، بين المقاومة وإسرائيل. - رغم اســتمرار الدعم الغربي واألميركي تحديدا إلسرائيل، إال أن العالقة بين الواليات المتحدة والحكومة اإلســرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو شــهدت تراجعا حــادا خالل هــذه الحرب. فقــد تعددت محاور الخالف حــول حجم العملية العســكرية، وعمليات اإلغاثة اإلنســانية، ومصير حل الدولتيــن، ودور اليمين المتطرف في الحكومة. وال يبدو أن هذه الخالفات التي فجرتها الحرب الراهنة ســتنتهي مع نهاية العمليات العسكرية. فعمق الشرخ يتجاوز المواقف السياسية اآلنية، وهو مرشــح لالســتمرار كونه يعبر عن تغيير جيلي في عالقة السياسيين األميركيين بالمشروع الصهيوني واالحتالل اإلسرائيلي لفلسطين بشكل عام. - تراجع مسار التطبيع نسبيا، ولكنه قد يستعيد زخمه الذي فقده بسبب الحرب على غزة والحرج الذي سبّبته فظاعة الجرائم اإلسرائيلية التي ال يمكن تبريريها. وقد تجد بعض الدول العربية الراغبة في التطبيع مسوغا للمضي في هذا المسار مقابل بعض المنافع التي يمكن أن تحصل عليها ضمن ترتيبات ما بعد الحرب. - بينت الحرب أهمية شــبكات التواصل االجتماعي بما تملكه من حرية نسبية مقارنة بوسائل اإلعالم التقليدية التي أسهمت تاريخيا في دعم السردية اإلسرائيلية وترســيخها في الغرب. فقد أسهمت هذه الشــبكات في كشف الحقائق وإنارة الرأي العام العالمي والغربي تحديدا، وخاصة في أوساط الفئات الشبابية األكثر قابلية للتحرر من قيود سردية االحتالل وتقبل السردية الفلسطينية.
10
إلهاء مضاعف: اإلستراتيجية األميركية وحرب غزة
الحواس تقية
مقدمة أحدثت الحرب اإلسرائيلية على غزة هزة جديدة في النظام الدولي، وكشفت عن عجز الواليات المتحدة المتزايد عن فرض ما تريد ومنع ما ال تريد على صعيد السياســة الدولية. فقد ألهت هذه الحرب القيادة األميركية عن الحرب الروســية على أوكرانيا، التي كانت قد ألهتها بدورها عن هدفها اإلستراتيجي الرئيسي في احتــواء الصعــود الصيني. في األثناء، دفع هذا االضطراب بعض القوى الدولية الكبــرى أو الصاعدة لمنازعة الواليــات المتحدة والقوى الغربية التي تدور في فلكها بشأن قيادتها للنظام الدولي واإلصرار على مشاركتها أو الحلول محلها. يظهر العجز األميركي في الدوائر الثالث التي تشــكل اإلســتراتيجية األميركية الكبرى؛ وهي دائرة الشــرق األوســط التي تســتمد أهميتها من مخزون الطاقة والمسالك البحرية والبرية. والدائرة األوروبية التي تستمد أهميتها من قربها من قوة كبرى هي روسيا، التي تمثل خطرًا على ريادة الواليات المتحدة األميركية. ودائرة جنوب شــرق آســيا التي تســتمد أهميتها من صعودها اإلقليمي ووجود الصين، القوة الكبرى التي تنازع الواليات المتحدة الريادة العالمية. قصور إسرائيل الدائم تجري الحرب اإلســرائيلية على غزة في قلب دائرة الشــرق األوســط. وكانت تتجه نحو التخفف من " طوفان األقصــى " إســتراتيجية الواليــات المتحدة قبل شــؤون هذه المنطقة والتركيز على منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، الحتواء القوة الصينية الصاعدة. وصاغت لذلك خطة تقضي بأن توكِل إســرائيل بشؤون أمن الشــرق األوســط في مواجهة إيران عبر تطبيع عالقاتها مع الدول العربية . في هذا اإلطار، جرى تســويق التطبيع باعتباره إطارًا " اتفاقيات أبراهام " وفــق لدرء الخطر اإليراني وآلية لتشــجيع إســرائيل على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم.
11
، التي شــنَت " طوفان األقصى " وقد قطعت هذه الخطة شــوطًا مُهمًا قبل عملية إســرائيل على إثرها حربًا شــاملة ووحشــية ارتكبت خاللها كل أنواع الجرائم، بما في ذلك اإلبادة الجماعية التي انتصبت محكمة العدل الدولية لبحثها. على المســتوى السياسي، أعلنت حكومة نتنياهو رفضها قيام دولة فلسطينية، ومرَرت قانونًا في الكنيست بهذا الشأن صادق عليه جميع أعضائه، وتفاخر بنيامين نتنياهو وبأنه نجح خالل حكمه الممتد لنحو عشرين عامًا في إفشال قيام " اإلنجاز " بهذا الدولة الفلسطينية، ووعد بمواصلة هذه السياسة إلى نهاية حكمه. بذلك سقطت مبررات التطبيع، فوقعت الدول المطبِعة في إحراج، ولن تقدر الدول الراغبة في التطبيع على تسويغ قبوله في المستقبل المنظور. في المقابل، تحاول الواليات المتحدة إعادة توجيه السياسة اإلسرائيلية والعودة لتنفيذ إستراتيجيتها األصلية، فتلح على تل أبيب كي تسمح بدخول المساعدات اإلنســانية إلى غزة للتخفيف من وقع الكارثة اإلنسانية يما يضر بسمعة إسرائيل ويلقي بظالله على واشــنطن باعتبارها شريكة في الحرب. لكن حكومة نتنياهو ترفض ذلك، وتســتعمل سالح التجويع للضغط على المقاومة، كما تســتمر في رفض حل الدولتين باعتباره يشــكل خطرًا على أمن إســرائيل. وبين مناشدات واشــنطن وتمنُع تل أبيب، تبدو اإلدارة األميركية عاجزة عن فرض إرادتها على حليفتها المقربة إسرائيل. هذا الرفض اإلسرائيلي يضع واشنطن في مأزق إستراتيجي ويفسد خطتها في دفع مسار التطبيع ليشمل دوًلا عربية أخرى ويعزز بالتالي مكانة تل أبيب اإلقليمية. فهي إما أن تظل منخرطة بشكل نشط في شؤون المنطقة لحماية حلفائها ومنع الدول المناهضة لسياســاتها، مثل إيران، من التمدد وتوســيع نفوذها، فتضعف قدرتهــا على احتواء الصين. وإما أن تختار االلتفات نحو جنوب شــرق آســيا فتزداد االضطرابات في الشــرق األوســط وتتأثر أسواق الطاقة وحركة المالحة. وقد تحدث، نتيجة لذلك، رجّات في عدة دول هشة تدفع بعضها لالنهيار. وفي الحالتين ستخسر الواليات المتحدة من رصيدها ومن قدرتها على االستمرار في قيادة النظام الدولي بشكل منفرد. أما الدول العربية المطبّعة، فســتتراجع ثقتها في قدرة إسرائيل على حمايتها من المخاطر الخارجية والداخلية. فإسرائيل التي طالما صوَرت نفسها على أنها القوة
12
القاهرة في منطقة الشــرق األوســط، تبين أنها عاجزة عن تحقيق انتصار حاسم في مواجهة فصائل مســلحة تقاتل بأعداد قليلة وبأســلحة بســيطة، وأنها تحتاج إلى الواليات المتحدة لحمايتها وتزويدها باألسلحة والذخائر والمعلومات. فقد تُراجع تلك الدول تقديرها لحدود القوة اإلسرائيلية ولمدى قدرتها على ضمان حمايتها بدي ًلا عن الواليات المتحدة، فتنهار بذلك محاوالت واشنطن إقامة نظام أمني شرق أوسطي تقوده إسرائيل وتنخرط فيه الدول العربية من موقع التبعية. ضغط على الجبهة األوروبية على صعيد الدائرة األوروبية، أســهمت الحرب اإلســرائيلية على غزة في إعاقة الواليات المتحدة عن إلحاق الهزيمة بروســيا في غزوها ألوكرانيا. وقد اعترف الرئيس األوكراني، فولودومير زيلنسكي، بأن حرب غزة صرفت نظر الرأي العام العالمــي عمومًا والغربي تحديدًا عــن الوضع في أوكرانيا. فتراجع ذلك الزخم العاطفي الذي كان يوظفه لكســب الدعم للدفاع عن بالده، وانخفض مســتوى االهتمام الجماهيري في الدول الغربية التي كانت تتدافع لمساعدته. فقد كانت بالده تستفيد من ذلك الزخم للضغط على الحكومات األوروبية التي كانت تتلكأ في مساعدته مثل المجر. مــن جهة أخرى، كان ذلك الزخم يشــكل قيــدًا على الحكومات المتعاطفة مع روســيا، فقد كانــت محرَجة فــي إعالن دعمها لبوتين الــذي ظهر في صورة المعتدي على دولة مســتقلة، وبلغت عزلة روســيا مســتوى غير مسبوق. لكن، بعــد أن توجهــت األنظار إلى الحرب اإلســرائيلية على غزة وما لقيته من دعم غربي غير محدود، تحولت صورة بوتين، المعارض لها، إلى مدافع عن شــعب مضطهــد يتعرض الحتالل ممتد برعاية غربيــة كاملة. كما ضاعفت حرب غزة الضغط على الموارد العســكرية والمالية الغربية، التي لم تكن أص ًلا قادرة على ، على 2023 توفير الدعم الالزم للقوات األوكرانية. ففي أكتوبر/تشــرين األول ) أنها صارت General Dynamics سبيل المثال، أعلنت شركة جنرال ديناميكس ( ألفًا فقط. وتعتزم 14 ألف قذيفة مدفعية شهريًا، وقد كانت تنتج قبل ذلك 20 تنتج ألف قذيفة 100 هذه الشــركة األميركية العمالقة رفع إنتاجها في المســتقبل إلى شهريًا، وال شك أن حرب غزة ستدفعها إلى رفع إنتاجها بوتيرة أسرع.
13
وقــد أدى التراجــع الملموس في الدعم الغربــي ألوكرانيا إلى إخفاق هجومها على القوات الروسية، وأفسح المجال لروسيا كي تستعيد توازنها في " المضاد " هجومًا 2023 الصناعات العســكرية وتحشــد قوات قتالية إضافية، وتشن بنهاية جديدًا اخترقت به ثالث مدن إستراتيجية: باخموت وأفدييفكا وكوبيانسك. عقبات في وجه الممر االقتصادي بين الهند والشرق األوسط وأوروبا أما عن دائرة جنوب آسيا التي توجد الصين في مركزها؛ فقد وجَهت حرب غزة ضربة، قد تكون قاصمة، لمشروع الممر االقتصادي بين الهند والشرق األوسط . فالواليات المتحدة، التي ترعى هذا المشروع، " الكوريدور " وأوروبا المعروف بـ تسعى من خالله لتحقيق هدفين: األول: إفشال مشروع الحزام والطريق الصيني، الذي تستخدمه الصين لبسط نفوذها في مختلف االتجاهات، وربط عدد كبير من . والثاني: إدماج إسرائيل " المنفعة المشتركة " دول العالم باقتصادها على أساس في اقتصادات المنطقة ودفع عجلة التطبيع ليشمل المزيد الدول. من الهند ويمر عبر اإلمارات والســعودية واألردن " الكوريدور " ينطلق مشــروع وإسرائيل، ومن ثمة إلى موانئ اليونان، لينتهي إلى باقي الدول األوروبية. ويُتوقع أن تربــط بيــن هذه الدول بنية تحتية تتكون من شــبكة من الســكك الحديدية واأللياف البصرية وأنابيب الهيدروجين النظيف. وقد رُصدت لتنفيذ هذا الممر، % وتكلفتها 40 الــذي يُتوقَع أن يختصر وقت الرحلة من الهند إلى أوروبا بنحو مليار دوالر. ويبدو أن اإلمارات قدَمت إســهامًا 20 %، ميزانية تُقدَر بـ 30 بنحو ماليًا استثنائيًا إلنجاح هذا المشروع ألن الرئيس بايدن خص رئيسها، محمد بن إن هذا المشــروع مــا كان ليرى النور لوال " زايــد، بالشــكر حين خاطبه قائ ًلا : . " جهودك يتضح من خريطة هذا المشروع أن إسرائيل حلقة رئيسية؛ فهي من جهة، سترتبط باقتصادات الدول الخليجية التي ظلت تتطلع إليها منذ مشروع شمعون بيريز عن الشــرق األوســط الجديد، فتكون بذلك كيانًا طبيعيًا في المنطقة العربية يستمد أســباب بقائه منها، بل من أكثر مناطقها ثراء. ومن جانب آخر، تكون إســرائيل حلقــة الوصل التي تربط بين قاطرتين اقتصاديتين هائلتين، هما: جنوب شــرق
14
آســيا وأوروبا. فتتغذى بذلك من االقتصــادات العربية الغنية ومن االقتصادات اآلســيوية الصاعدة واألوروبية المتطورة. عالوة على هذه المكاســب، ستكون إســرائيل جزءًا من اإلســتراتيجية األميركية إلفشال إســتراتيجية الصين، الطريق والحزام، التي تعتمد عليها بكين لإلفالت من قبضة الواليات المتحدة وإنشــاء شبكة من الدول التابعة لنفوذها المتزايد. قد تخلط حرب غزة كل هذه الخطط، ألن إسرائيل تكاد تتحول إلى دولة مارقة. فهي تواجه دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية، كمــا تواجه عددًا مــن القضايا األخرى بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد اإلنســانية أمام محكمة الجنايات الدولية. وقد أعلنت القيادة اإلسرائيلية رفضها حل الدولتين المجمع عليه دوليًا، وتعهدت بإعادة احتالل غزة وتوسيع النشاط االستيطاني في الضفة الغربية. وإذا نجحت في تنفيذ ما تصرح به، ستتحول على األغلب إلى دولة تمييز عنصري (أبارتايد)، شــبيهة بدولة جنوب إفريقيا تحت حكم األقلية البيضاء. إذا ســارت األمور في هذا االتجاه، سينهار مشروع الممر االقتصادي، ألن بقية الدول لن تحرص على الشراكة مع إسرائيل واالرتباط معها عبر هذا المشروع، وستزداد عزلتها في حال أدانتها محكمة العدل الدولية بارتكاب اإلبادة الجماعية، وعندها ســتكون أميركا قد أخفقت مرتين. األولى: في تكريس إســرائيل حلقة رئيســية وقوة مهيمنة في المنطقة، إذ إنها ســتبقى كيانًا منبوذًا. والثانية: تشكيل بديل ينافس أو يُفشل مشروع الصين اإلستراتيجي، الحزام والطريق. تقارب الطامحين للقيادة لم ترج حرب غزة وضع الواليات المتحدة في الدوائر اإلستراتيجية الثالث فقط، بل ربما تكون قد شــجّعت القوى المركزية المناهضة لها في هذه الدوائر على المزيد من التقارب فيما بينها. فقد أجرت الصين وروســيا وإيران، في مارس/ . " حزام األمن البحري " ، مناورات بحرية في خليج عُمان تحت شعار 2024 آذار وأعلن هذا الثالثي أن المناورات التي تجري في منطقة إســتراتيجية تتوســط ما ، هرمز وباب المندب وملقا، تهدف إلى إنشاء " المضائق الذهبية " يُعرف بثالوث
15
فريق أمني مستقبلي من الدول الثالث. وكانت إيران قد كثفت في وقت سابق من دعمها العســكري لروسيا بتزويدها بالمسيّرات في حربها على أوكرانيا. ويرتبط البلدان باتفاقات تعاون عسكري تشمل التسليح والتدريب والتصنيع المشترك. وقد شهدت العالقات الدبلوماسية بين الصين وروسيا مزيدًا من التقارب، عكسه ، برفض مشــروع 2024 التصويــت الموحَــد في مجلس األمن، في مارس/آذار القــرار األميركي الــذي يطالب بهدنة مؤقتة في غزة، كونه ال يدعو صراحة إلى وقف دائم إلطالق النار، ويشــكل غطاء الســتمرار إســرائيل في حربها على القطاع. من ناحية أخرى، أبرزت الحرب على غزة قطبًا دبلوماســيًا متمردًا على الواليات المتحدة، تتصدره جنوب إفريقيا، التي تقاضي إســرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة اإلبادة الجماعية. وشــن الرئيس البرازيلي، لوال دا ســيلفا، هجومًا حادًا على إسرائيل، كما شرعت نيكاراغوا في مقاضاة ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية بســبب موقفها الداعم لجرائم إلســرائيل. تلتقي هذه القوى على مناهضة الهيمنة الغربية بقيادة الواليات المتحدة، وتشترك في التنافس على تمثيل . وقد وجدت في غزة قضية مناسبة إلدانة الغرب " الجنوب العالمي " ما يســمى والتحريض عليه ومواجهة سياساته وكشف ازدواجية معاييره. خاتمة ســتخرج الواليات المتحدة من حرب غزة وهي تعاني من إخفاقات على أكثر مــن صعيد؛ فقد تعطلت أهدافها مرحليًا في منطقة الشــرق األوســط، وكانت حــرب أوكرانيا قــد ألهتها عن التركيز على احتــواء الصين، ثم اندلعت حرب غزة، فألهتها عن حرب أوكرانيا. وليس واضحًا كيف ستتمكن من السيطرة على كي تعود إلى المنازلة الرئيسية مع الصين. فالمرجَح " الثانويين " هذين الزلزالين أنها ســتظل مشــغولة بهاتين الدائرتين اإلستراتيجيتين، أوروبا والشرق األوسط، لفترة طويلة. في األثناء، ستواصل الصين صعودها ونسج شبكة نفوذها ومنافسة الواليات المتحدة على قيادتها للنظام الدولي، وسيلحق بها عدد متزايد من الدول . " الجنوب العالمي " المناهضة للهيمنة الغربية والمنتمية لفضاء
16
تداعيات الحرب على الوضع الفلسطيني: المقاومة والتسوية ومصير السلطة
شفيق شقير
مقدمة لم يستطع الفلســطينيون، رغم تعدد الوساطات والمبادرات الوطنية واإلقليمية، وكاد يتسبب 2007 توحيد صفوفهم والتغلب على االنقسام الذي حدث في العام في تشــظي ساحات النضال الفلسطيني. فقد باتت الظروف الخاصة بكل ساحة تحدد أولوياتها الذاتية بعيدًا عن أولويات بقية الساحات ومصالحها. وقد حاولت في العام " ســيف القدس " المقاومة في غزة إعادة توحيد الســاحات أثناء معركة من خالل جمع مختلف مكونات الطيف الفلسطيني على محاور مشتركة 2021 " طوفان األقصى " أبرزها المســجد األقصى وملف األســرى. ثم جاءت عملية لتشكل حلقة متقدمة في هذا المسار، خاصة مع تسارع وتيرة التهويد في القدس، وتصاعد االعتداءات على الفلسطينيين في الضفة، وتراجع االهتمام الدولي بقضية األسرى. والحرب اإلسرائيلية على غزة " طوفان األقصى " تركز هذه الورقة على تداعيات على الوضع الفلسطيني، وتسلط الضوء على التحوالت التي تشهدها المقاومة، وعلى مســار التســوية والمأزق الذي انتهى إليه، كما تبحث في مستقبل السلطة ومؤسساتها وما يمكن أن تؤول إليه ترتيبات ما بعد الحرب. المقاومة وتحديات البيئة الفلسطينية واإلقليمية ، 2023 ، في الســابع من أكتوبر/تشــرين األول " طوفان األقصى " أعادت عملية القضية الفلســطينية إلى صدارة األحداث وإلى مســارها الطبيعي، كما أعادت " عملية سالم " إلى قلب المشروع الفلسطيني بعد أن كاد يذوب في " المقاومة " فشــلت بعد ثالثين عامًا في اســتعادة الحد األدنى من الحق الفلسطيني. إال أن اســتمرار االنقسام الفلســطيني الذي لم تُطْو صفحته بعد، وتعقيدات الوضعين،
17
إلى سياقات أخرى، ذلك " الطوفان " العربي واإلقليمي، قد يدفع بتداعيات عملية ليس هو السائد في الوقت الراهن لدى السلطة الفلسطينية " المقاومة " أن مشروع أو منظمة التحرير أو حركة فتح، كما أن البيئة العربية واإلسالمية والدولية، التي تقودها أولويات وتقديرات مختلفة، ال تبدو حاضنة لهذا المشروع. في الســياق الفلســطيني، ورغم توحد فصائل المقاومة في غزة، ال تزال حماس تلقى معارضة من السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، الذي يتولى في الوقت ذاته رئاسة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. فهذه المؤسسات مجتمعة ال تتبنى نهج المقاومة العســكرية وال ترى فيها ســبي ًلا لتحرير األرض وإقامــة الدولة. كما تخشــى أن تؤدي الحرب في غــزة إلى انتفاضة أخرى في الضفــة نظرًا لكلفتها الباهظة أمنيًا وسياســيًا. لذلك، امتنعت الســلطة عن تبني أو توفير غطاء سياسي للمقاومة في غزة أو بناء خطاب " طوفان األقصى " عملية وطني جامع لكل الفلسطينيين. على العكس من ذلك، وضعت مسافة بينها وبين حمــاس والمقاومــة عمومًا، وال يبدو أنها ترى فــي هذه الحرب فرصة لتجاوز االنقسام. من جهة أخرى، يشكل سالح المقاومة نقطة خالف جوهرية وسيظل، على األرجح، عقبة تحول دون المضي في مصالحة وطنية حقيقية. يـ ًا، ورغم التعاطف الشــعبي الواســع مع المقاومة، إال أنهــا تفتقد الدعم � عرب الرســمي ألسباب سياســية وأيديولوجية. حتى وإن حظيت بتفهم بعض الدول العربية، فإن دوًلا أخرى تعتبرها خصمًا ونموذجًا يهدد اســتقرارها، خاصة بعد أحــداث الربيع العربي. فحركة حمــاس، التي تقود المقاومة في غزة، جزء من تيار اإلسالم السياســي ومن حركته التي لعبت دورًا أساسيًا أثناء الربيع العربي، وأي انتصــار لحماس، مهما كان صغيرًا، من شــأنه أن ينعكس نهوضًا آخر في الحالة اإلسالمية. خالفًا للموقف العربي الرسمي، تتلقى المقاومة الفلسطينية، السيما حركتا حماس محور " والجهاد اإلسالمي، دعمًا ماديًا وسياســيًا من إيران وإسنادًا عسكريًا من الــذي تقوده. ولم تَحُل بعض الخالفــات بين الطرفين بما في ذلك " المقاومــة الخالف في الموقف من الثورة السورية، دون استمرار هذا الدعم. ورغم تأكيد طهران عدم علمها المسبق بعملية السابع من أكتوبر/تشرين األول، وأنها فوجئت إسنادًا للمقاومة في " المحور " كما فوجئ حزب الله في لبنان، تحركت جبهات
18
وحدة " غزة. وقد أعاد هذا التساند في عمل المقاومة فتح النقاش حول مفهوم الذي يربط بين الساحة الفلسطينية وبقية الساحات في كل من لبنان " الساحات والعراق وسوريا واليمن. بين الخذالن العربي الرســمي واإلســناد المتفاوت الذي تقدمه بقية الجبهات، تبقى أعباء المقاومة في فلسطين ملقاة بشكل شبه كامل على عاتق الفلسطينيين أنفســهم. ولكن الساحات الفلسطينية ذاتها ما زالت تتحرك بانفصال عن بعضها البعض، رغم عدد الضحايا وحجم الدمار والمأســاة اإلنسانية غير المسبوقة في غزة. وقد يتطور الموقف في المستقبل للمزيد من التنسيق بين الساحات وتوحيد جهودها، خاصة أن جميعها بات يميل العتماد الوســائل العســكرية وتطوير ما يملكه من قدرات على هذا الصعيد، كما تشهد على ذلك األحداث المتصاعدة فــي الضفة الغربيــة. ومن الواضح أن تداعيات الحرب اإلســرائيلية على غزة، ستفرض على المقاومة بمختلف فصائلها أن تعيد تعريف نفسها وتجدد أساليب عملها بما ينعكس تغييرًا شامًلا في الوضع الفلسطيني. وما يجري في الضفة الغربية ليس بعيدًا عن هذا التغيير؛ حيث ظهرت مجموعات يـًا للمقاومة � محليــة صغيــرة، مثل كتيبة جنيــن وبالطة وغيرهمــا، بدي ًلا عمل ، بعد أن قيدت الســلطة نشــاط فصائل المقاومة التقليدية وفككت " الفصائلية " البنية التنظيمية والعسكرية ألي عمل ال ينسجم مع توجهاتها. فالحرب اإلســرائيلية على غزة، التي باتت توصف بالنكبة الثانية، بصدد تحويل المقاومة في غزة إلى حالة تحرر وطني تتجاوز كونها حكومة أو سلطة أو حزبًا سياســيًا يحمل أيديولوجيا محددة. بهذا االعتبار، ســيصعب في المستقبل على أي طرف االعتراض على مبدأ المقاومة أو على أساليبها في مواجهة االحتالل، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو غيرها من الساحات. السلطة وما بقي من مسار التسوية رغم المأزق الذي انتهى إليه اتفاق أوســلو وعملية السالم التي انبنت عليه، ما زالت السلطة الفلسطينية تتحرك في إطاره وتنفذ شروطه من طرف واحد، السيما على مستوى التنسيق األمني مع إسرائيل. لذلك ال تزال تحظى نسبيًا بغطاء دولي
19
وعربي ودعم مالي وسياسي باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني في ظل تراجع ملحوظ في االهتمام بالقضية الفلسطينية عمومًا. فعلى الصعيد العربي، تقدمت على الشأن الفلسطيني أولويات محلية، خاصة مع أحداث الربيع العربي التي شــغلت العديد من الدول بقضاياها الداخلية. وعلى الصعيد العالمي، فقد الصراع العربي-اإلســرائيلي أهميته بعد أن دخل مســارًا . ولكن هذا المسار، بد ًلا من أن ينتهي بحل " للتســوية الســلمية " متفاوَضًا عليه الدولتيــن ومعالجة ملفات القدس واالســتيطان والالجئين، خلق على األرض حقائق جديدة أضعفت الجانب الفلســطيني وســلبت الفلســطينيين المزيد من على تلك " الشــرعية " لتضفي 2020 حقوقهم. ثم جاءت صفقة القرن في العام الحقائق وتدفع بعدد آخر من الدول العربية في مسار التطبيع مع إسرائيل تحت ، مع تجاهل كامل للسلطة الفلسطينية وما بقي من مسار " اتفاقات أبراهام " عنوان أوســلو. لقد جاءت صفقة القرن باألســاس لتثبيت مكاسب إسرائيل من عملية السالم، ومعالجة مخاوف النظام العربي الرســمي مــن تداعيات ثورات الربيع العربي ومن تحوالت البيئة الجيوستراتيجية من حولهم. فكان العنوان األبرز في هذه الصفقة تطبيع العالقات مع إســرائيل والتحالف معها لمواجهة خطر النفوذ اإليراني في المنطقة. ، لتفتح 2023 في هذا الســياق، جاءت عملية الســابع من أكتوبر/تشرين األول النقاش مجددًا حول األفق السياســي للقضية الفلســطينية ومصير السلطة بقيادة الرئيس محمود عباس، المتمسك بأوسلو من ناحية والمتحفظ على صفقة القرن مــن ناحية أخرى. فالنظام العربي، ومن ورائه المجتمع الدولي، ال يزال يعترف بالسلطة القائمة وبقيادتها ومؤسساتها، ولكنه يتطلع إلصالحها أو إعادة بنائها على ضوء التطورات الجارية. أما إســرائيل، التي جنحت أكثر باتجاه اليمين، فتزعم أنه لم يعد لها شــريك فلســطيني في عملية السالم، وال تخفي رغبتها في إزاحة عباس وإعادة ترتيب شؤون السلطة بمقاييس جديدة تخدم مصالحها وتكون أكثر اســتعدادًا لالنخراط في صفقة القرن. فحكومة نتنياهو، األكثر تطرفًا في تاريخ إســرائيل، لم تعد تخفي رفضها لحل الدولتين وتنصلها من استحقاقات السالم ومن كل ما يمليه عليها اتفاق أوسلو. لقد باتت كل مناطق السلطة الفلسطينية،
20
عمليًا، تحت االحتالل المباشــر إلى درجة أن إســرائيل أصبحت تزاحم إدارة عباس في تسيير شؤون الفلسطينيين اليومية وتتدخل فيها متى شاءت. ولم تغير الحرب على غزة موقف إســرائيل من الســلطة الفلسطينية، فنتنياهو يرفض مبدأ عودتها لحكم غزة، خالفًا للطرح األميركي، لكنه، في الوقت ذاته، يطالب بإعادة تأهيلها وهيكلتها للتعامل مع الوضع الجديد الذي سينتج عن الحرب. تداعيات الحرب على غزة بكل المقاييس، يُعتبر حجم الدمار الذي تعرض له قطاع غزة أثناء هذه الحرب غير مســبوق. كما أن عدد الضحايا من الشــهداء والمصابين، خاصة من النساء واألطفال، لم تشــهده حرب سابقة بالنظر إلى مساحة العمليات وعدد السكان. وقد اســتخدم االحتالل اإلســرائيلي في هذه الحرب أبشــع أنواع األسلحة من قصف واغتيال وتجويع وحصار وتهجير وإعدام لكل شــروط الحياة في ســعي محموم إلبادة ســكان القطاع. وأيًا كانت النتيجة النهائية للحرب، فإن عودة من بقي من الغزاويين لحياتهم الطبيعية ستتطلب سنوات بل عقودًا. أما على صعيد األهداف السياســية والعســكرية، فقد فشل االحتالل في تحقيق أي منها بعد مرور ستة أشهر على انطالق الحرب. فقد وضعت حكومة نتنياهو على رأس أهدافها القضاء على حركة حماس وتفكيك بنيتها العسكرية والسياسية واإلدارية واســتعادة األســرى عبر العمل العسكري. ولكن أيًا من هذه األهداف لم يتحقق، وما تحقق منها على صعيد تحرير األسرى كان عن طريق التفاوض مع المقاومة. أما القضاء على حماس، فتؤكد كل التقديرات، بما فيها األميركية، أنه هدف غير قابل للتحقيق، على األقل خالل هذه الحرب. مع ذلك، ستســتمر إســرائيل في محاصرة المقاومة عن طريق ضرب حاضنتها الشــعبية في غزة وعزلها عن محيطها الفلســطيني والعربي. وستتركز ترتيبات ما بعد الحرب على إخراج حماس من المعادلة، خاصة أن الواليات المتحدة، ال تختلف مع إسرائيل حول هذا الهدف، الذي يلتقي معها فيه أيضًا بعض الدول العربية. هذا على مستوى األفكار والرغبات، أما معطيات الميدان فتشير إلى إن إدارة غزة في اليوم التالي للحرب لن تكون ممكنة في غياب دور مؤثر لحماس.
21
فالســلطة في شــكلها الحالي عاجزة عن إدارة الضفة وستكون أعجز عن إدارة غــزة قبــل إدخال إصالحات جوهرية على بنيتها وقيادتها. وال يبدو أن الوصاية علــى القطاع، التي يقترحها بعض األطراف، ســتكون ح ّلا لهذا اإلشــكال في ظل رفض الســكان الستبدال وصاية خارجية باالحتالل اإلسرائيلي. ولن يكون بمقدور إســرائيل البقاء طوي ًلا داخل غزة بعد الحرب، فخبرتها التاريخية تجعل عودتها إلدارة شؤون القطاع بشكل مباشر مكلفة وال تقدر على تحمل تبعاتها. خاتمة وما أعقبها من حرب على " طوفان األقصى " دخلت القضية الفلسطينية مع عملية غزة مرحلة جديدة ســواء على صعيد المقاومة وقدراتها أو الســلطة ومؤسساتها أو الحل السياســي وما يتعلق به من مبــادرات. فالمقاومة باتت رقمًا صعبًا في معادلة الصراع مع إسرائيل وال يمكن ألي تسوية أن تتجاوزها سواء على الصعيد الفلســطيني أو العربي أو الدولي. أما الســلطة الفلسطينية فقد تبين عجزها عن مواكبــة هــذه التطورات ولعــب أي دور مؤثر في مواجهــة االحتالل، وأصبح إصالحهــا وإعادة هيكلة منظمة التحرير لتصبح إطــارًا جامعًا يمثل كل الطيف الفلســطيني ضرورة ملحَة. وفي انتظار ما ستسفر عنه الحرب من ترتيبات اليوم التالي، ال يزال سقف التسوية المطروحة والمقبولة دوليًا هو حل الدولتين، مع التي كرَســتها صفقة القرن. في هذا السياق، " الواقعية " اســتمرار بعض اآلليات أبدت عدة دول اســتعدادها لالعتراف بدولة فلسطينية من جانب واحد حتى لو رفضتها إسرائيل. فــي المقابل، لم تعد القضية الفلســطينية قضية عربية وإسالمية فحســب؛ فقد حولتهــا الحرب إلــى قضية عالمية يتعاطــف معها، وينشــط لفائدتها، ويروِج لروايتها، جمهور عالمي متزايد لم يســبق لفلســطين أن حظيت به. ومع مرور الوقت، سيخلق هذا التعاطف وهذه الحركة االحتجاجية العالمية دينامية سياسية ومؤسسية تؤثر في صناعة القرار وتشكل رصيدًا إضافيًا للقضية الفلسطينية.
22
الحرب على غزة وتداعياتها على إسرائيل
شفيق شقير
مقدمة لتدفع بمخاوف إسرائيل 2023 جاءت أحداث الســابع من أكتوبر/تشرين األول علــى أمنهــا ومســتقبل وجودها في المنطقــة إلى ذروتها. فقــد تحولت تلك المخــاوف، مع ما حدث خالل الســنوات الماضية من تطــورات داخلها وفي باتت تؤطِر خطابهــا وتوجهاتها وتؤثر في " تهديــدات وجودية " محيطهــا، إلى سياســاتها وفي عالقاتها الخارجية. من أبرز تلك المخاوف التي كشــفت عنها ، ما أصبحت تملكه المقاومة الفلسطينية من " طوفان األقصى " ورســختها عملية قدرات عســكرية وتصنيعية واستخباراتية وبنية تحتية عملياتية، السيما مع تطور عالقاتها مع إيران، التي تمثل وجهًا آخر لهذا التهديد اإلستراتيجي. على الصعيد الداخلي، تشــهد إسرائيل انقسامًا مجتمعيًا غير مسبوق، زادته الحرب على غزة عمقًا واتســاعًا ســواء على المستوى السياسي أو الديني. أما عسكريًا، فقد تكبد جيش االحتالل خسائر باهظة، وفشل في تحقيق أهدافه المعلنة، وانهارت قوته الردعية التي بناها خالل العقود الماضية. خارجيًا، تعرضت الرواية اإلســرائيلية إلى تشــكيك لم تشــهده من قبــل، وبدأت صورة الضحيــة تنقلب إلى صورة المعتــدي، خاصــة بعد القضية التي رفعتها جنوب إفريقيــا أمام محكمة العدل الدوليــة بتهمة اإلبادة الجماعية. ومع تزايد الخالفات بين قادة إســرائيل وعدد متزايد من الساســة الغربيين، بما في ذلك داخل الواليات المتحدة، بات الدعم الغربي غير المشروط إلسرائيل محل مساءلة. المقاومة الفلسطينية والتمدد اإليراني ترتكز سياسة إسرائيل، وتحديدًا تحت قيادة بنيامين نتنياهو، على تحييد غزة عن الضفة وتعزيز االنقسام بينهما، مع التركيز على الضفة إلخضاعها وقضم أراضيها وإجهاض حل الدولتين. بدت هذه السياســة أكثر انسجامًا مع اليمين الصهيوني
23
والدينــي، وهو االتجاه الذي غلب علــى حكومة نتنياهو األخيرة، التي توصف بكونها الحكومة األكثر تطرفًا في تاريخ إســرائيل. وقد شــهدت غزة المحاصرة جوالت من المواجهات كانت تنتهي بتدخل الوسطاء ثم بتهدئة 2007 منذ العام عـ ًا متزايدًا من األجهزة � تنتهــي بوقف إطالق النار، في حين شــهدت الضفة قم األمنية اإلســرائيلية للقضاء على مجموعات المقاومة الجديدة، مثل كتيبة جنين وعرين األســود وكتيبة بالطة وغيرها. وتهدف هذه السياسة إلى المحافظة على جمود الوضع في المنطقة وتعطيل أي مســعى لتحقيق السالم، كما تســعى إلى إبقاء الوضع الفلسطيني على ما هو عليه من انقسام وضعف. وبعد إعالن ما سُمي بصفقة القرن، سعت إسرائيل إلى توسيع مجالها الجغرافي في أرض فلســطين التاريخية بتكثيف االســتيطان والتضييق على الفلســطينيين، وتوســيع مجالها الجيوسياسي في المنطقة بترسيم حدودها مع جيرانها العرب، كما حصل مع لبنان بخصوص الحدود البحرية وســعيها كذلك لترسيم الحدود البرية. بالتوازي مع ذلك، عملت على توســيع نطاق التطبيع مع الدول العربية وفصل هذا المسار عن عملية السالم وعن القضية الفلسطينية واستحقاقاتها. على صعيد أمنها اإلقليمي، تعتبر إســرائيل أن إيران تشــكل التهديد األساسي، بســبب بلوغ برنامجها النووي مســتويات متقدمة، إضافة إلى دعمها العسكري للمقاومة الفلسطينية في غزة. يضاف إلى ذلك، تمدد النفوذ اإليراني في المنطقة، حتى بات على حدودها الشمالية. وهذا النفوذ المتزايد، ترى فيه إسرائيل خطرًا يتجاوز أمنها الخاص، ليشــكل تهديدًا ألمن جيرانها العرب، الذين تربطهم بها . وقد راكمت خطابها األمني والسياسي لتعزيز " مصلحة مشــتركة " في مواجهته لخدمة هذا المنظور والبناء عليه في " اتفاقات أبراهام " مســار التطبيع في ســياق تجاهل تام للفلسطينيين وألي ترتيبات تخص مستقبل القضية الفلسطينية. إال أن جاءت من خارج هذا الســياق وفي تعارض معه لتعيد " طوفان األقصى " عملية القضية الفلسطينية إلى موقعها المركزي، وتعيد إحياء كل الملفات المرتبطة بها مثل الدولة والقدس واالستيطان والالجئين. لهذا، فإن عملية الســابع من أكتوبر/تشــرين األول، بقدر ما فاجأت إســرائيل، فإنها كانت في بعض وجوهها نتيجة طبيعية لسياسات االحتالل، خاصة في ظل
24
حكومــة نتنياهو الراهنة وتمدد اليمين في المجتمع اإلســرائيلي. ومن الواضح أن هذه العملية ألحقت أضرارًا جســيمة بإســتراتيجية الردع اإلســرائيلية وبثقة اإلسرائيليين في مؤسساتهم األمنية والعسكرية والسياسية. ويمكن أن نفهم حجم العنف اإلسرائيلي واإلصرار على إيقاع أقصى أنواع األذى والدمار بالفلسطينيين الخطر " فــي الحــرب على غزة باعتباره محاولة لترميم هــذه القوة في مواجهة المتزايد. " الفلسطيني وال تقل األضرار التي أصابت قوة الردع اإلسرائيلية على الصعيد اإلقليمي عن تلك التي لحقتها على يد المقاومة الفلسطينية. كما أن مخاوف إسرائيل األمنية من احتمال تكرار ما حصل مع المقاومة في غزة من جهة الحدود اللبنانية ال تأتي من فراغ في ظل تزايد القدرات العسكرية التي يملكها حزب الله المدعوم إيرانيًا. . ) ((( ( بصرامة أشد في جنوب لبنان 1701 لذلك هي تسعى لتطبيق القرار األممي ويأتي هذا السعي في سياق محاولة استعادة قوة الردع على نطاق أوسع، لتكون حربها على غزة في انسجام مع إستراتيجيتها اإلقليمية في مواجهة النفوذ اإليراني. انقسام اجتماعي وارتفاع الكلفة االقتصادية يشهد المجتمع اإلسرائيلي انقسامات حادة حول هوية إسرائيل وتعريفها لنفسها. وقد زادت في األعوام األخيرة نســبة التصريحات الصادرة عن قادة إســرائيليين الحرب " بشــأن تفاقم المخاطــر الداخلية، وصلت إلى حــد التحذير من خطر بســبب عدم االنســجام بين مكونات هذا المجتمع من جهة، وتعاظم " األهلية نفوذ اليمين الديني والصهيوني المتطرف في المجال السياسي من جهة أخرى. يضــاف إلى ذلك الخالف المتصاعد حول ثنائيــة اليهودية والعلمنة وأثره على نمط الحياة وعلى العالقات بين مكونات المجتمع. انعكست تلك االنقسامات على تكوين السلطة السياسية، وبلغت األزمة الحكومية . فقد شــهدت إسرائيل خمس جوالت انتخابية في وقت 2019 ذروتها في العام قياســي، بعد فشــل أي من األحزاب أو التكتالت المتنافســة خالل الجوالت إلى إخالء المنطقة الحدودية من الجنوب اللبناني من المسلحين والمعدات 1701 تدعو بنود القرار ((( الحربية واألسلحة وأن تكون في عهدة الجيش اللبناني.
25
مقعدًا في الكنيســت تمكنها من تشــكيل 61 األربع األولى في الحصول على ، وسبتمبر/أيلول 2019 الحكومة ولو بأغلبية ضئيلة. فبعد انتخابات أبريل/نيسان ، جاءت االنتخابات األخيرة في 2021 ، ومارس/آذار 2020 ، ومارس/آذار 2019 بنتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة. وتسببت هذه 2022 نوفمبر/تشــرين الثاني الحكومــة في إحدى أكبر المواجهات الداخلية في تاريخ إســرائيل قبيل عملية لخدمة " طوفــان األقصى، كان محورها قضية التعديالت القضائية التي صُممت وحماية نتنياهو من المالحقات القضائية بتهم الفســاد. هذا " اليميــن المتطرف االنقســام ال يزال مستمرًا، وقد انعكس على توجهات المجتمع اإلسرائيلي إزاء الحرب على غزة وأهدافها وأولوياتها. ألقــت هــذه الحرب كذلك بظاللها على االقتصاد اإلســرائيلي الذي يعاني من صعوبــات متزايــدة وضغوط مالية بســبب النفقات المباشــرة وغير المباشــرة للمجهود الحربي. فقد أُرهقت خزينة الدولة بسبب تدفق النازحين من المناطق الشــمالية على الحدود اللبنانية والمناطــق الجنوبية على حدود غزة إلى مناطق أخــرى أكثــر أمنًا. وتوقفت جملة من األنشــطة الزراعية لوقوع بعض األراضي في أماكن التوتر. وتعطل الكثير من المشــاريع التجارية ومشــاريع البنية التحتية بسبب سحب العمالة الفلسطينية، إضافة إلى استدعاء عشرات اآلالف من جنود االحتياط إللحاقهم بساحات القتال وإخراجهم من الدورة اإلنتاجية. من المفارقات أن مســاهمة اليمين المتطرف في االقتصاد اإلســرائيلي أقل من سواه، في حين يقوم خطابه على التحريض على استمرار الحرب ورفع كلفتها. فهذا التيار ال يعير أهمية في مواقفه لالنعكاســات الســلبية على اقتصاد إسرائيل وعالقاتها مع الخارج، وال يبدو معنيًا حتى بانعكاســاتها الســلبية على الوضع الداخلي، ودفعه لتغيير نمط الحياة في إسرائيل، يجعلها أقل جذبًا لالستثمارات األجنبية وأقل تشجيعًا لهجرة اليهود إليها. الالفت أيضا أن المتدينين الحريديم يرفضــون التجنيــد ويتمســكون بإعفائهم مــن الخدمة العســكرية رغم حاجة الجيــش إليهم، كما قال زعيم المعارضــة يائير البيد. وقد هدد الحاخام األكبر إسرائيل إذا ما أجبروا على " جميعا " في إســرائيل، إســحاق يوسف، بمغادرتهم ألف مرشح 66 إلى حوالي 2023 التجنيد. وقد وصل عدد هذه الفئة في العام للخدمة العسكرية.
26
إن أهم ما يشــي به هذا االنقســام وما ينتج عنه من كلفة سياسية واقتصادية، أن إسرائيل ستبقى بعيدة عن االستقرار السياسي والحكومي في الفترة المقبلة، ألن الحرب على غزة بغض النظر عن نتيجتها، ورغم وصفها بالوجودية، لم تستطع توحيد الشــارع اإلســرائيلي، بل أضافت مبررات جديدة لينقســم اإلسرائيليون حولها. فكل اســتطالعات الرأي تظهر تطلع غالبية اإلســرائيليين للخالص من حكومة اليمين المتطرف، وتفضيلها لحكومة أكثر اعتداًلا. جدير بالذكر أن ثمة مخاوف غربية متصاعدة من جنوح المجتمع اإلسرائيلي نحو المزيد من التطرف اليميني بما يعمق االنقسام بين مكوناته ويفاقم من عجز إسرائيل عن تحقيق أمنها والمضي في مسار التطبيع. عالقة إسرائيل مع الغرب وصورتها لدى الرأي العام أثــارت الحرب علــى غزة وما تخللها من إبادة وتجويع للفلســطينيين على يد حكومــة يمينيــة متطرفة تســاؤالت عميقة حول مســتقبل العالقــة بين الغرب وإســرائيل. وبدأت الرؤية التي تســود في الغرب، باعتبار إسرائيل الديمقراطية الوحيــدة فــي المنطقــة والدولة التي تمثل امتــدادًا للحضــارة الغربية وقيمها، تتعرض للنقد والمراجعة. ورغم هيمنة الســردية اإلســرائيلية على أروقة الحكم والفكــر والتأثير في الغرب، لقيت غزة تعاطفًا غربيًا شــعبيًا غير معهود، خاصة بين صفوف األجيال الشــابة. فقد شــهدت الواليات المتحــدة األميركية وعدد من البلدان األوروبية مظاهرات حاشــدة مؤيدة للفلسطينيين ولروايتهم ومناهضة للحرب بصورة غير مســبوقة. كما توسعت دائرة االحتجاجات لتشمل سياسيين وبرلمانيين غربيين، ولم تبق األوســاط الفنية بمنأى عن هذا التوجه. وأضافت الدعــوى التــي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إســرائيل بتهمة اإلبادة الجماعية زخمًا انخرط فيه رجال القانون وناشــطو حقوق اإلنسان والكثير من اإلعالميين والمؤثرين على شبكات التواصل االجتماعي. سياسيًا، عكست استطالعات الرأي األميركية تزايد حجم التعاطف مع غزة خاصة في فئة الشباب؛ ما جعل إدارة الرئيس بايدن تشعر بالقلق من احتمال خسارتها ، بســبب دعمها غير المشروط إلسرائيل 2024 انتخابات نوفمبر/تشــرين الثاني
27
رغــم جرائمها وممارســاتها الخارجــة عن القانون. إن الســردية التقليدية التي تتعامل مع إســرائيل على أنها ضحية لم تعد هي المهيمنة، فالسردية الفلسطينية بدأت تزاحمها وتتفوق عليها وتدفع بعدد من القوى الغربية لمراجعة دعمها غير المحدود إلسرائيل. هذا التحول يطرح أســئلة ذات طابع سياسي وأخالقي وإستراتيجي في إسرائيل كما في الغرب عما إذا أصبح االحتالل اإلســرائيلي عبئًا على الغرب، الســيما بعد ما كشــفته الحرب على غزة من وحشــية ال نظير لها ومن دوس على كل القيم والمعايير القانونية واإلنســانية. كما يطرح أســئلة حول قدرة إسرائيل على حفظ أمنها بنفسها وخوض معاركها المستقبلية دون االعتماد على الغرب. فكأن هذه الدولة التي وُظفت لرعاية مصالح الغرب والهيمنة على جوارها اإلقليمي، أصبحــت هــي ذاتها في حاجة إلى حماية دائمة، خاصــة في هذا الوقت الذي تســعى فيه واشنطن إلى تقليص حضورها العسكري في الشرق األوسط وتقليل انخراطها المباشــر في حروبه وأزماته. الجدير بالذكر أن إدارة الرئيس األميركي الســابق، دونالد ترامب، اعتمدت على إســرائيل، وتحديدًا على نتنياهو ليكون وكيلها األساسي في المنطقة. في ذلك السياق جاءت صفقة القرن، ولكن عملية طوفان األقصى كشــفت هشاشــة القوة اإلســرائيلية وأكدت أنه ال يمكن لدولة إسرائيل أن تستمر في أداء وظيفتها دون حضور ودعم مباشر من واشنطن. خاتمة مع عملية طوفان األقصى، بل ســبقتها " الوجودية " لــم تبدأ مخاوف إســرائيل بســنوات وكانت أحد أسباب توســع نفوذ اليمين الديني والصهيوني، بوجهيه، المحافــظ والمتطرف، في المجتمع اإلســرائيلي حتى بلغ ذروته السياســية مع حكومة نتنياهو الراهنة. كما كانت محفزًا إلذكاء طموحات إســرائيل في تعزيز كيان الدولة وتوســيع مجاله، ســواء في الجغرافيا أو مــن الناحية الديمغرافية. تجلى ذلك في توسع االستيطان في الضفة والقدس، وتسريع وتيرة تهويد الحرم القدسي بتقسيمه مكانيًا وزمانيًا، ووقف المفاوضات مع الفلسطينيين إلنهاء عملية السالم وإقصاء حل الدولتين من المجال التداولي.
28
وسواء أحققت إسرائيل أهدافها من الحرب على غزة أم فشلت في ذلك، يبدو أنهــا مقبلة على المزيد من التطرف حتــى بمقاييس حلفائها الغربيين. فالتطرف يزحف على المجتمع اإلسرائيلي بمختلف فئاته، تغذيه التيارات الدينية من ناحية والمخاوف األمنية من ناحية أخرى. وإذا ما استعاد التطبيع زخمه بعد الحرب، ســتعزز صفقة القرن وتحل فعليًا محل عملية السالم. فهذه الصفقة قادرة على استيعاب طموحات إسرائيل التوسعية، وسيمنحها التطبيع مع الدول العربية نظير مــا يمكــن أن تقدمه لها عملية السالم دون أن تقدم هي في المقابل أي شــيء للفلسطينيين. فــي كل األحوال، ســيكون لعملية طوفان األقصى تداعيات إســتراتيجية بعيدة المدى على دولة إســرائيل وعلى وحدة مجتمعها وعلى المشــروع الصهيوني وإعادة تأسيسه على قواعد " الوجود " ومســتقبله في المنطقة. وســيظل ســؤال جديدة يؤرق اإلسرائيليين ساسة وجيشًا ومواطنين. فمخاوفهم األمنية من تطور في الخارج " عدوهم اإلستراتيجي " قدرات المقاومة في الداخل ومن تمدد نفوذ لن تجد ما يهدئها. وســيحتاج الشــرخ الذي أصاب عالقة إسرائيل بالغرب إلى وقت لمعالجته. أما تراجع السردية اإلسرائيلية وما حدث من تحوالت في الرأي العام العالمي لفائدة الســردية الفلســطينية، فيبدو أنها ديناميكية غير قابلة للعودة إلى الوراء، على األقل في المدى المنظور.
29
تحوالت الموقف العربي من القضية الفلسطينية
لقاء مكي
كشــفت الحرب اإلســرائيلية على غزة عن تراجع الفت في الموقف العربي من القضية الفلســطينية. وهذا التراجع ليس مفاجئًا فقد بدأت بوادره منذ ســبعينات القرن الماضي، ثم تالحقت التطورات في ذات االتجاه حتى بات الفلسطينيون يواجهــون االحتالل منفرديــن تمامًا. بعض تلك التطورات حدث داخل البلدان العربية وبعضها يتعلق بالمحيط اإلقليمي والبيئة الجيوسياســية للمنطقة بشــكل عام. وقد مرَت المواقف العربية من القضية الفلســطينية خالل الصراع العربي- عامًا، بثالث مراحل أساسية: 76 اإلسرائيلي، الذي استمر نحو حتى 1948 - مرحلة الصراع الشامل: امتدت تلك المرحلة منذ النكبة في العام ، وشهدت ثالث حروب كبيرة شاركت فيها، إلى جانب الفلسطينيين، 1977 العام عدة جيوش عربية أبرزها جيوش مصر وسوريا والعراق واألردن. وشهدت تلك المرحلة فعالية سياســية شــعبية ورســمية كان من عناوينها تجريم العالقة مع إسرائيل ورفض التفاوض معها ومقاطعة أنشطتها وأنشطة الشركات والمؤسسات الدولية المتعاونة معها. وكانت القضية الفلسطينية تتمتع بحضور مؤثر في السلوك السياســي العربي، وكان الصراع مع االحتالل يُعرف في المجال العام، سياســيًا وإعالميًا، بالصراع العربي-اإلسرائيلي. - مرحلــة التصدع: بــدأت مع زيارة الرئيس المصري الراحل، أنور الســادات، ، وتدشــينه لمســار تطبيع منفرد 1977 إلى القدس، في نوفمبر/تشــرين الثاني . وبذلك خرجت مصر من دائرة الصراع 1979 انتهــى بتوقيع اتفاقية السالم عام العربي-اإلســرائيلي وفقدت عضويتها في الجامعة العربية. في المقابل، أنشأت كل من ليبيا وســوريا والعراق والجزائر واليمن ومنظمة التحرير الفلســطينية ما بهدف 1977 عـ ُرف حينها بجبهة الصمود والتصدي، التي تأسســت فــي العام � مواجهة المخططات اإلسرائيلية في المنطقة. شهدت مرحلة التصدع تراجعًا حادًا
31
في القدرات العربية، مقابل تطور ملموس في القدرات اإلســرائيلية العســكرية واالقتصادية والسياســية. وخالل هذه المرحلة، قامت إســرائيل بغزو لبنان، في ، وتمكنت من طرد منظمة التحرير الفلســطينية منه. وفي 1982 يونيو/حزيــران ذروة تلك األحداث، أقرت قمة فاس العربية، في سبتمبر/أيلول من نفس العام، مبادرة سالم تقدم بها ملك الســعودية الراحل، فهد بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك)، تضمنت اعترافًا بإســرائيل، على أســاس األرض مقابل السالم. رفضت إســرائيل تلك المبادرة وقامت بتصعيد إجراءات القمع ضد الشعب الفلسطيني، التي كان من تداعياتها المباشرة اندالع انتفاضة الحجارة في ديسمبر/كانون األول . 1987 ، 1993 - مرحلة التسوية السلمية: بدأت مع عقد اتفاقية أوسلو، في سبتمبر/أيلول بين إســرائيل ومنظمة التحرير الفلســطينية، وفيها اعتراف متبادل وتغيير جذري ألســس الصراع؛ فقد أعقبت موافقة منظمة التحرير على السالم مع إســرائيل سلســلة مواقف عربية اعتبرت أن طريق التطبيع أصبح ســالكًا دون الحاجة إلى موقف عربي مشــترك، خالفًا لقرارات قمة فــاس. وكان األردن أول بلد عربي بعد مصر يعقد اتفاق سالم مع إسرائيل، جرى توقيعه، في أكتوبر/تشرين األول ، في منطقة وادي عربة الحدودية شــمال إيالت. حدث اتفاق أوســلو في 1994 سياق عربي وفلسطيني بالغ التعقيد؛ فقد جاء عقب حرب الخليج الثانية، وبعد ، وانطلقت منه المفاوضات بين المنظمة 1991 مؤتمر مدريد الذي عُقد في العام وإســرائيل برعاية النرويــج. في الوقت ذاته، أرادت إســرائيل من المفاوضات الوصول إلى تســوية مع الفلسطينيين تنهي انتفاضة الحجارة التي شكلت تحديًا أمنيًا وسياسيًا كبيرًا وأحيت روح المقاومة في مواجهة االحتالل. معادلة األرض مقابل السالم برغم اتفاقيتي أوســلو ووادي عربة، وقبلهما كامب ديفيد، ظلت الدول العربية بشكل عام ملتزمة بالعمل المشترك فيما يتصل بالعالقة مع إسرائيل. لذلك جاءت ، 2002 مبــادرة الملــك عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت، في مارس/آذار لتعرض إنهاء حالة الحرب وإقامة سالم شــامل وعالقات طبيعية مع إســرائيل مقابــل التزامها بمبدأ األرض مقابل السالم. ونصَت المبادرة على أن تنســحب
32
194 ، مع تطبيق قرار األمم المتحدة 1967 يونيو/حزيران 4 إسرائيل إلى حدود الخاص بالالجئين، وإقامة دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية. ، التي تبنَتهــا القمة باإلجماع فــي غياب الرئيس " المبــادرة العربيــة " أُطلقــت الفلســطيني، ياســر عرفات، الذي منعه رئيس الوزراء اإلسرائيلي آنذاك، آرييل شــارون، من مغادرة رام الله. لم ترد إســرائيل على المبادرة، وبد ًلا من ذلك، بدأ الجيش اإلســرائيلي بعد انتهاء القمة بيوم واحد باقتحام مدن الضفة الغربية 2004 ، وحوصر عرفات في مقره حتى نُقل في العام " الدرع الواقي " في عملية إلى باريس للعالج وتوفي هناك في ظل شبهات تعرضه لالغتيال بالسم. مثَل الهجوم اإلسرائيلي على مدن الضفة ومؤسسات السلطة الفلسطينية وزعيمها ردًا واضحًا على المبادرة العربية. لكن مبدأ األرض مقابل السالم ظل قائمًا في الخطاب العربي، فيما كانت إسرائيل تتخذ مواقف وقرارات معاكسة تنسف بشكل كامل هذ المبدأ، وتُنهي فرص إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا. وبعد أقل من ثالثة أشــهر على قمة بيروت، بدأت حكومة شارون ببناء الجدار العازل، الذي قســم أراضي الضفة بشكل عنصري وقضى على التواصل بين المدن والبلدات % من أراضي 60 والقرى العربية. كما تسارعت وتيرة االستيطان الذي شمل نحو الضفة، التي مزَقتها بؤر اســتيطانية صغيرة، لكنها كافية إلخراج الفلسطينيين من أراضيهم. تطبيع بال ثمن شــهد الشــرق األوســط منذ قمة بيروت تطورات خطيرة، كان من أبرزها غزو ، وانفجار الصراع الطائفي، وتنامي ظاهرة اإلرهاب، وعسكرة 2003 العراق عام س ـ َع النفوذ اإليراني بشــكل الفت، قبل أن يبدأ � المنطقة. في ظل هذا المناخ، تو الربيع العربي الذي تحولت بعض حلقاته إلى حروب أهلية رفعت منسوب التوتر اإلقليمي بشــكل كبير. فتحولت الثورة الســورية، على سبيل المثال، إلى حرب مفتوحــة أطلق النظام شــرارتها، وتدخلت إلى جانبه قــوى إقليمية، مثل إيران، ودولية، مثل روسيا، لحمايته ومنعه من السقوط.
33
تســببت هــذه التطورات في تراجــع االهتمام العربي بالقضية الفلســطينية، مع انشــغال دول المنطقة بشــؤونها الداخلية. في األثناء، استمرت خطوط الصدام اإلســتراتيجي بين إيران وجيرانها العرب في التمدد على وقع انقســامات كان ، التي عُرفت بأزمة حصار قطر. 2017 مــن عناوينها األزمة الخليجية في العــام من جهتها، استغلت إسرائيل هذا الوضع اإلقليمي النموذجي كي توسِع نشاطها االســتيطاني، وتواصل إنهاك السلطة الفلسطينية، كما شنّت خمس حروب على ، قبل أن تشــن 2021 ، 2019 ، 2014 ، 2012 ، 2009 - 2008 غــزة خالل األعوام . 2023 حربها األخيرة في أكتوبر/تشرين األول لقد لشهد العقدان األخيران غياب ثالث دول عربية مركزية عن دائرة التأثير في األوضاع العربية، الســيما إزاء القضية الفلسطينية، هي: العراق وسوريا ومصر. وتســبب االستقطاب السياســي واأليديولوجي والطائفي في انقالب األولويات وبروز دعوات للتحالف مع إســرائيل في مواجهة إيران. تجلَى ذلك في مؤتمر نظَمته إدارة الرئيس األميركي الســابق، دونالد ترامــب، في العاصمة البولندية، ، دعا فيه وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، 2019 وارســو، في فبراير/شــباط الذي يعزل إســرائيل، وإقامة " االبتعاد عن التفكير التقليدي " دول المنطقة إلى تعاون بين تلك الدول مجتمعة في مواجهة إيران. كان المؤتمر يهدف إلى تأسيس تحالف يضم دول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب مصر واألردن وإسرائيل. ، لم يتحقق بسبب تضارب " ناتو عربي " سـ ّمِي إعالميًا بـ � لكن المشــروع، الذي مصالح ورؤى الدول المعنية واختالف مواقفها تجاه إيران. لكن المؤتمر حقق في نهاية المطاف هدفًا جزئيًا بإحداثه اختراقًا نفسيًا من خالل التواصل المباشر الذي هيَأ للمزيد من التطورات في العالقات العربية. ، أعلنت أربع دول عربية بشــكل متتابع عن 2020 فــي النصف الثاني من العام تطبيع عالقاتها مع إسرائيل، هي اإلمارات (أغسطس/آب) والبحرين (سبتمبر/ أيلول) والسودان (أكتوبر/تشرين األول) والمغرب (ديسمبر/كانون األول). وقد جرى هذا التتابع السريع للتطبيع دون عقبات تذكر، سواء على الصعيد الوطني اســتفادت من األجواء النفســية العامة في " المطبِعة " أو العربي. وبدا أن البلدان المنطقة، دون أن تولي أي اعتبار للمبادرة العربية ال من حيث الشــكل وال من
34
قد انتهى عمليًا، " األرض مقابل السالم " حيــث المضمون. وبذلك، يكون مبدأ ، دون مكاسب للجانب العربي أو اهتمام " السالم مقابل السالم " ليحل محلّه مبدأ بحقوق الشعب الفلسطيني ومعاناته المستمرة. الموقف العربي من الحرب على غزة كثيــرًا عن تداعيات التطبيع العربي مع إســرائيل، " طوفــان األقصى " ال يبتعــد فمسلســل التطبيع كان يســير بوتيرة متسارعة ليشــمل دو ًلا جديدة، ولينتقل من مراحل التنسيق السياسي واألمني إلى المجالين االقتصادي والعسكري. في هذا الســياق، أعن الرئيس األميركي، جو بايدن، خالل قمة العشــرين في نيودلهي، ، عن مشروع اقتصادي ضخم يربط بين الهند وأوروبا 2023 في ســبتمبر/أيلول بواسطة طرق بحرية وبرية تمر عبر أراضي كل من اإلمارات والسعودية واألردن، وصو ًلا إلى ميناء حيفا في إســرائيل، ومنه بحرًا إلى أوروبا. ترافق اإلعالن عن هذا المشروع مع تقارير تشير إلى مساع لتطبيع العالقات بين السعودية وإسرائيل. وقد كشــف الرئيس بايدن عن المفاوضــات المتصلة بذلك حين اعتبر أن أحد أهداف هجوم الســابع من أكتوبر/تشرين األول كان تقويض مفاوضات التطبيع بين إسرائيل والسعودية التي كانت تجري برعاية أميركية. لم يكن معروفًا المدى الذي بلغته مســاعي التطبيع بين السعودية وإسرائيل، إال ، 2024 أن وزير الخارجية السعودي، األمير فيصل بن فرحان، أكد، مطلع العام ، وشدَد " قريبة من تطبيع العالقات مع إسرائيل " أن بالده كانت، قبل حرب غزة، . وبعد " ضرورة الوصول إلى مســار موثوق به نحو إقامة دولة فلســطينية " على نحو أسبوع من بدء الهجوم اإلسرائيلي على غزة، نقلت وكالة فرانس برس عن مسؤول سعودي قوله إن بالده علّقت محادثات التطبيع مع إسرائيل وإنها أبلغت اإلدارة األميركية بذلك. بغض النظر عن مستقبل هذه المحادثات وما إن كان يمكن استئنافها في مرحلة الحقة، فقد خلق طوفان األقصى والحرب على غزة بيئة إقليمية جديدة ضاغطة بقوة على جميع األطراف، خاصة إسرائيل. لكن مدى االستفادة العربية من هذه ال يبدو واضحًا حتى اآلن. " تحســين شــروط التفاوض أو التطبيع " التطورات لـ
35
Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82Made with FlippingBook Online newsletter