التقرير الاستراتيجي 2023 - 2024

هــذه الحــرب، بما تملكه من نفوذ في المنطقة وقدرة على إدارة قوتها الردعية، وتوزيع منســوب الضغط عبر أذرعها وحلفائهــا بكلفة منخفضة. فقد أدى هذا الضغط على جبهات متعددة إلى تقييد حركة الواليات المتحدة وإسرائيل وضيّق خياراتهما، وسيجعل من طهران طرفا مهمّا في أي ترتيبات أمنية في المنطقة، مع استمرار تعزيز نفوذها اإلقليمي. عربيــا، أربكــت الحرب مســار التطبيع وأضعفــت حجة الــدول التي ربطت رهانهــا عليه بقوة إســرائيل الردعيــة وقدرتها على ملء الفراغ الذي ســيتركه تراجــع اهتمام الواليات المتحدة بالمنطقة. فقد كشــفت األحداث عن مواطن ضعف أساســية في هذه القوة، وبيّنت عجز إســرائيل عن حماية أمنها بمفردها وحاجتهــا الحيوية الدائمة للدعم والحماية من قبــل الواليات المتحدة. ورغم هذه الحقائق، يُســتبعد أن يتوقف مســار التطبيع نهائيا، ولكن الدول المنخرطة فيه ســتضطر لمراجعة مرتكزات أمنها القومي واإلقليمي واالســتعداد للتعايش مــع النفوذ اإليراني المتزايد. في ذات الســياق، وفي ظل تراجع الدعم العربي الرســمي للقضية الفلســطينية، باتت الجماعات المسلحة من غير الدول تلعب دورا رئيسيا في شؤون الحرب والسالم مع إسرائيل. وستفرض هذه الجماعات على جميع األطراف نمطا جديدا في التعامل معها ومع اســتراتيجياتها وقدراتها العسكرية المتنامية. تزداد أهمية هذا المتغير بترابط عناصره وتشكيله بيئة مشتركة تتعدد فيها جبهات المواجهة. وســيحتّم ذلك على إسرائيل والواليات المتحدة والغرب عموما إعادة حســاباتهم في المســتقبل قبل أي عدوان جديد على غزة والفلسطينيين. فلســطينيا، وجّــه العدوان اإلســرائيلي على غزة وصمــود المقاومة وإنجازاتها الميدانية ضربة للقوى الفلسطينية المراهنة على اتفاق أوسلو وتسوياته السياسية واألمنيــة، وكذلك لمن راهن على صفقة القرن وترتيباتها على األرض. وزادت اعتداءات االحتالل المتكررة على ســكان الضفة، في غياب أي دور للســلطة الفلســطينية، من شعبية المقاومة هناك. وســتكون لهذا التحول آثار سلبية على مستقبل السلطة ودورها وموقعها في ترتيبات ما بعد الحرب، وستتوالى الجهود والمبــادرات العربية والدوليــة إلصالحها وإعادة هيكلتها بما يضفي عليها قدرا من الفاعلية ويجعلها بالفعل إطارا جامعا لكل الفصائل والتوجهات الفلسطينية.

8

Made with FlippingBook Online newsletter