العدد 20– نوفمبر تشرين الثاني 2023

37 |

مقدمة لطالما مثَّل التطور التكنولوجي أحد أهم األدوات التمكينية التي تعيد ترتيب شــكل العالقــات الدولية كونها تؤثر في تطوير قدرات الدول على إرغام اآلخرين، وتعطي الــدول صاحبة الريادة األفضلية في إعادة ترتيــب هرمية القوة الدولية وإعادة تنظيم اإلجراءات والتنظيمات والقوانين التي تحكم العالقة بين فواعل البيئة الدولية. األمر الجديد هذه المرة هو عملية تفويض اآلالت والبرمجيات بإنجاز أشياء احتكرها اإلنســان طوال التاريخ المكتوب، الســيما في اتخاذ قرار استخدام القوة؛ إذ تجري بحوث تنافسية بين الدول بطريقة شرسة إلنتاج األنظمة الذكية التي يعتد بها في مجال اســتخدام القوة العسكرية بدءًا من العمليات الميدانية التي يقوم بها الجنود، وصو ًل ألسلحة الدمار الشامل. ويعــد هذا األمــر بتغير في قواعد اللعبة؛ حيث ارتبطت مكانــة الدولة وقوتها بعدة عوامــل أغلبها ذو طابــع جيوبوليتيكي، مثل: المســاحة، والموقع الجغرافي، وعدد السكان، وشكل التضاريس، والموارد الطبيعية، والقوة االقتصادية، والقوة العسكرية، وغيرها. أما اليوم، فإن تطبيقات الذكاء االصطناعي ســتضيف بعدًا جديدًا للمســألة يخرج بنا من األساس الجيوبوليتيكي للقوة إلى األساس الجيوتكنولوجي لها؛ األمر الذي قد يقود نحو تدهور فاعلية وكفاءة المقاييس التي اعتمدنا عليها إلحالل السالم العالمــي، ألنه من البديهي أن يولِّد هذا األمر اتجاهين يضران باالســتقرار الدولي، األول: هو سعي الدول الرائدة في مجال الذكاء االصطناعي لتعزيز قدراتها من خالل دمج أنظمة تسلحها بالذكاء االصطناعي خوفًا من تفوق المنافسين اآلخرين كما هي الحــال اليوم في التنافس بيــن الواليات المتحدة األميركية والصين. واالتجاه اآلخر هو ســعي الدول الطامحة األقل قوة إلى تعويض النقص الحاصل لديها في األنظمة العســكرية الفعالة من خالل االعتماد على تطبيقــات الذكاء االصطناعي خاصة في المجال العسكري واالقتصادي كما هي الحال مع تركيا وإيران وإسرائيل وأمثالها. سيؤثر الذكاء االصطناعي في معظم أنماط القوة التقليدية لكافة الصنوف، كما سيرفع من تأثير القوة الناعمة للدولة من خالل خوارزميات الرصد اإلعالمي وتحسين سمعة

Made with FlippingBook Online newsletter