كتاب عملية فجر ليبيا

كان بعدم وجود نصاب قانوني، أو بتعمد رفض الاتفاق من أساسه، ففي الحالتين الأمر مردود عليه، طالما كان طرفًا في الاتفاق (بأي شــكل من الأشكال) حضورًا وتوقيعًا. هــذا بعيــدًا طبعًا عن كونه مَيْتًا ومنعدمًا من تاريخ الحكم. ومجلس الدولة والمجلس الرئاســي وبالضرورة مجلس النواب الجميع اكتســب شهادة ميلاده بالاتفاق السياسي بعد التوقيع عليه. بالتالــي، انعقــاد مجلس النــواب لتضمين الاتفاق ومهلة عشــرة الأيام لانعقاد مجلس الدولة، حتى لو تمســكنا كثيرًا بســ مة مجلس النــواب، من أي مأخذ، هذا الانعقاد ونتيجته هو إجراء كاشف وليس منشئًا، أي إن مجلس الدولة نشأ في ضاحية الصخيرات وطُلب أن يُكشــف عن هذا الجســم (المنشأ) في مدينة طبرق. بالتالي، لا علاقة لمجلس النواب بميلاد مجلس الدولة إلا في إطار تنظيمي صارم، لا يعطيه أكثر من ذلك وإن كنت أراه تزيّدًا في النصوص ممن قام بصياغة هذا النص في الاتفاق. وبما أن الاتفاق سكت عن حالة عزوف مجلس النواب عن ذلك، فهنا لا مناص من اعتباره متخليًا عن هذه المُكنة التي أُعطيت له، أيّا كانت أسباب الترك لهذه الميزة؛ نصاب منقوص، أو مماحكة سياســية في التوقيت الخاطئ. لا ضير هنا من اســتدعاء القاعدة الفقهية (الســكوت في معرض الحاجة إلى بيان بيان). مجلس النواب تخلّى عن مهامه بأن ينعقد (انعقادًا صحيحًا) ليُضمّن الاتفاق في الإعلان الدســتوري، فلما سكت أو تقاعس فلابد أن يلقى نقيض مقصوده. إذن، جلســة مجلس النواب (لتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري) تلــك مــا هي إلا عمل بروتوكولي تنظيمي انصرفت لــه إرادة من وضع الاتفاق وهو تزيد لا مبرر له. وعلى قاعدة أن النصوص القانونية لذات التشريع عادة يفسّر بعضها بعضًا، فعدم وجــود نــص يرتب وضعًا ما على مجلس الدولة أو ينــزع منه صفةً ما، إذا لم ينعقد مجلــس النــواب لتضمين الاتفاق. هنا، يتضح بمفهــوم المخالفة أن إرادة واضع هذا النــص لــم تنصرف إلى تقييد قيام مجلس الدولة على ذلك الشــرط، بل كما قلت ما هو إلا تزيد، وإلا لاستدرك إمكانية تعذر هذا الانعقاد وعلاجها بنص وقائي. وهذا هو المنطق القانوني المجرد. وبعيدًا عن كل ماســبق من تفاصيل، نــرى لزامًا توضيح حكم القانون فيه؛ فإن القول الفصل والحجة البالغة هي أن قوة الاتفاق السياســي ليست بالمصادقة عليه أو

152

Made with FlippingBook Online newsletter