بذور الثورة المضادة وأطوارها ليس من الســهل الجزم بأن الثورة المضادة في العالم العربي وُلدت مع ســقوط الأنظمة التي أســقطتها انتفاضات الربيع العربي، وما من شــك في أن بذور الثورات المضادة كانت موجودة منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة. ومما يبيّنه تاريخ الثورات عمومًا أن الثورة المضادة مجرد مرحلة من مراحل الثورة وانعطافة من انعطافاتها، وهي في أصلها ردة فعل ممن أضرّت الثورة بمصالحهم المادية والمعنوية، أو مثّلت تهديدًا حقيقيّا لنفوذهم وثرواتهم، وهم في غالبيتهم كانوا مســتفيدين من النظام الذي ســبق الثورة. هذه الفئات المتضررة من الثورة تقوم بما يســمى الثورة المضادة، وهو تعبير . ((( ) أثناء الثورة الفرنسية Nicolas de Condorcet ( ((( صاغه نيكولا دي كوندورسيه والنظر بشــيء من الموضوعية، وبعد مرور ما يكفي من الزمن لتقييم الأحداث والأشــخاص، يُظهر أن نشــوء الثورة المضادة ونجاحها لا يعــود لعوامل ذاتية فيها؛ تخطيطًا وإحاطة وجرأة، بقدر ما يعود إلى كثير من العوامل المتشابكة الأخرى، منها ما ارتكبته الثورات نفسها من أخطاء، وما وقعت فيه من مطبات، نتيجة الخبرة القليلة للثوار، وحجم الفســاد الذي كان ســائدًا في بلدان الربيع العربي، وكانت ليبيا واحدة من هذه الدول التي وُجدت فيها أرضية خصبة للثورة المضادة، زرعتها وسقتها أخطاء من تولوا السلطة بعد الثورة، واستثمرت فيها الأطراف الإقليمية والدولية التي رأت في دولة العدل والحريات المراد إقامتها تهديدًا لمصالحها، وعجّل بحصادها نجاح نموذج الانقلاب في مصر، والتعثر في بقية بلدان الربيع العربي. في المفهوم والسياق يناير/كانون 25 يعــرّف الدكتور رفيق حبيب، وهو واحد من أبرز دارســي ثورة الحركة على الأرض، بالتظاهر أو بإثارة " في مصر، الثورة المضادة بأنها 2011 الثاني الفوضى أو بإثارة الشــغب، من أجل اختراق الثورة، وإعادة النظام الســابق، جزئيًا أو كليّا، أو إعادته بصورة جديدة محسّنة، ولكن، بشبكات المصالح نفسها، وبالسياسات ويُعرف " جان أنطوان نيقولا كاريتا " هو الفيلسوف الفرنسي، الماركيز كوندورسيه، واسمه الأصلى ((( . 1743 ، وُلِد في مدينة بيكاردى شمال فرنسا عام " كوندورسيه " بـ ، 2014 مايو/أيار 12 ، العربي الجديد، "ً آليات الثورة المضادة.. تونس ومصر مثا " حمدي، سمير، ((( https :// bit . ly / 2USqWVg :) 2020 سبتمبر/أيلول 7 (تاريخ الدخول:
22
Made with FlippingBook Online newsletter