رمت الثورة بهذه الفسيفساء في حلبة واحدة، وتركتها تتصارع في حلبة لا يوجد بها حَكَم. لقد كان الأصل أن يكون الشــعب الليبي هو الحكم ولكن شــعبًا كان مغيبًا ، " من تحزّب خان " طيلــة أربعــة عقود، ولم يعرف من الثقافة السياســية إلا مقولات: ومثيلاتهــا ممــا كان رائجًا إبّان عهد القذافي، ليس مؤهً لأن يحكم أو يشــارك في الحُكم في حلبة صراع سياسي معقد الخلفيات متعدد الأبعاد، غير واضح المعالم. لقد أسســت كل مجموعة مــن المجموعات الســابقة أطروحتها على مقولات مرجعية قلّما قبلت التنازل أو النسبية: فمجموعة المنشــقين عن النظام تدعي أنها صاحبة الفضل في إســقاط شرعيته، وأنهــا من تملــك مفاتيح العلاقات بالعالم الخارجي، ومن تملك مفاتيح عمل الدولة الليبية التي خبرت دواليبها خلال حقبة القذافي. ومجموعة السياســيين المعارضين الذين كانوا يقيمون في الداخل يعتقدون أنهم من قاوم النظام حق المقاومة وكانوا نواةً أولى في الثورة من الداخل، وأنهم يجمعون بين الوعي بمتطلبات الداخل الليبي، وشرف المعارضة المبكرة للنظام. وقد دفعوا ثمن الثورة من أعمارهم في سجون النظام السابق. وكانــت مجموعــة المعارضين القادميــن من الخارج تعتقد أنهــا الأولى بقيادة المرحلة لاطلاعها على تجارب الأمم الديمقراطية، ولدفعها ثمن التحرر من أعمارها في المنافي والســجون ومحاولات الاغتيال المادي والمعنوي، وأنهم كانوا المؤسّس الحقيقي لمنطق الثورة على نظام القذافي، وقد حاولوا ذلك فع ً. وكانت مجموعات الشباب بشقيها: المدني، وشبه العسكري (الثوار)، تعتقد أنها الأَوْلى بقيادة المرحلة والأكثر جدارة للاضطلاع بمهمة بناء دولة ليبيا الحديثة. لقد جعلت النشــأة المختلفة لكل هذه المجموعات، والعيش لسنين طويلة دون احتــكاك ميداني في ظروف طبيعية، عملية بناء الثقة بين المجموعات، أو حتى وضع أسس للتفاهم، أمرًا شبه مستحيل، وجعلت كل التفاهمات التي قامت تتسم بطابعين: ؛ فلم تكن الكتل السياســية تتفق إلا على " الحد الأدنى " أولهمــا: أنها تفاهمات الحد الأدنى الذي يسمح لها بالبقاء في مكان واحد، ولم تستطع أن تصل إلى اتفاقات شاملة تنهي الأزمات التي اعترضتها. https :// bit . ly / 3lWo5Xj :) 2020 سبتمبر/أيلول
52
Made with FlippingBook Online newsletter