| 18
تعاظم الحاجة للعمل الصحفي الاســتقصائي بهدف خدمــة التغيرات الهكيلية التي طرأت على بنية المجتمع. واســتدعت هــذه الحاجــة حالة الفوضــى غير المســبوقة التي رافقــت (وتُُرافق) التحولات الاجتماعية والسياســية والاقتصادية والاتصالية (الرقمية) في المنظومات ا عن اهتزاز أخلاقيات المهنة التــي أضحت محكومة بتنافس الإعلاميــة، هــذا فضلًا محموم لاســتمالة الرأي العام، بأي ثمن. فقد راج في معظم الأوســاط الصح يفة، في الكتابة، يُُك َّرَس نمطًًا فرضه ما يمكن تســميته " أســلوب جديد " لابد من الإقرار، ، والذي بات العنوان لمرحلة " القلق الجماعي المشترك " ) أو 4 ( " ديكتاتورية العاجل " بـ صارت فيها السرعة المحدد الرئيسي (وأحيانًًا الوحيد) لأجندة غرف الأخبار والدورة الصحاف يين " الإنتاجية. وطغت على المشهدية الإعلامية صورة مََن يمكن تسميتهم بـ الجانحيــن، بقوة، إلى ركــوب موجة العصر، وبــات هم ُُّهم الأول " الاســتهلاك يين الرقمي. وعليه، " بمعجزة " يفية إرضاء الأجيال الطالعة المبهورة وهاجســهم الأكبر ك صاروا، بمعظمهم، يُُغلِِّبون ما هو سهل وبسيط على ما هو صعب وعميق، ومن دون بـُد أدنى عناء للتنقبي عن المعلومة ومصادرها المختلفة، أو التركيز على البحث � تك الدقيق في طرح الأحداث والمواضيع والقضايا، أو التحليل في طريقة الســرد، من مختلف الزوايا، لإشباع رغبة الجمهور وتقديم الحقيقة كاملة له. ويتوجب التمييز هنا بين العمل الصحفي التقليدي والعمل الصحفي الاســتقصائي؛ إذ لا تخضــع صحافــة الاســتقصاء، كالصحافــة العادية، لمعيار الســرعة في البث السبق الصحفي وحصرية تقديم الخبر والمعلومة، بل تُُعتبر " جاذبية " والنشــر، ولا لـ ا صحفيًًّا يقوم على جهد بشــري مكثف (غالبًًا مســتقل) يطمح ويجهد لتقديم عمل ًا المعلومــات الموثقــة، والتي يصبح التأكد من حقيقتهــا ودقتها ومصداقيتها أهم من ). لذا، تََبرُُز أهمية صحافة الاستقصاء، ليس لكونها تكشف، فقط، 5 المعلومة نفسها( عن الحقائق الغائبة أو المستترة أو المحجوبة (بفعل فاعل غالبًًا)، بل صحافة ترتقي إلى مستوى الحرفة، وتعتمد على معايير الصحافة المتأنية التي يقيس فيها الصحافيون تغطيتهم بالأشــهر والســنوات وليــس بالأيام، تمامًًا كما يفعــل الباحثون العلميون. فالمعايير المعتمََدة لاختيار أي موضوع اســتقصائي لابد أن يسبقها تأكد من جانب " الصحافــي حــول إمكانيته في الوصول إلى المصــادر المعنية بموضوعه، وأن يكون
Made with FlippingBook Online newsletter