كتاب الجزيرة 25

فيضيافة تنظيم الدولة!

لم تكن المعاملة سيئة، أحضروا الطعام والشراب، لكني رفضت تناول شيء مما أحضروه، وهو تصرف مخالف للتوصيات التي تلقيناها في تدريبات «تغطية الحروب»، فما يقدم لك الآن ربما لن تحصل عليه لاحقًا. نسيت كل هذه التعليمات، فالأمر أصبح بالنسبة لي أمراً شخصيًا، كيف يسمحون لنا بالدخول والتصوير ثم يعتقلوننا؟!، أبعد أن أنتجنا ثلاثة تقارير من معاقل التنظيم، في كل من الحويجة وبيجي، هذا جزاؤنا!، لكن حصلت المفاجأة حين حضر شخص ملثم ممتلئ، ومعه حارسان أمنيان، قائ ً: أنت ناصر شديد؟، قبلني، وصرخ في الجميع: «أخلوا المكان أخلوا المكان، القوات الحكومية ستقصف الآن». عرفت أنه جاء لتهريبنا. طلبت منه استعادة الهواتف الخلوية والكاميرا وجهاز اللاب توب، فأمرهم بتنفيذ طلبنا فورًا. وأنا في

فيضيافة تنظيم الدولة! مراسل قناة الجزيرة الإخبارية | ناصر شديد

العرض العسكري، ولإجراء مقابلة مع أحدكم. هز رأسه بالموافقة وربما نطق شيئًا، فطلبت منه رقم هاتفه -حتى لو تم إيقافي من طرفهم عند الرجوع إلى الحويجة يكون واسطتي للمرور دون إعاقة-، كتبت رقم هاتفه، إلا أنه عاد بعد عشر ثوان وأمرني بشطب الرقم، ففعلت بكل ترحاب وأمعنت في شطب الرقم من على دفتر بحوزتي ليطمئن قلبه!، فإذ به يقول لحراسه: «خذوه!» لم أنطق بكلمة، بينما سمعت أحدهم من خلفي يقول: «شكّوا فيك»!، لم ألتفت إليه، نظرت لأبو الحسن وأبو فلاح ليتدخلا، إلا أن رأسيهما كانا مطأطأين إلى الأرض. ركبنا سيارتنا بهدوء، وصعد إليها مسلحان لتأمين وصولنا إلى مركز الحويجة الأمني. على الفور اتصلت بمدير الأخبار حينها، الزميل إبراهيم هلال، الذي أوصاني بالهدوء والروية، إن استجوبوني، وقال: «حاول أن تبعث رسائل نصية عبر الهاتف إن تمكنت، توضح ما يجري ولماذا تم الاعتقال». وصلت إلى المركز الأمني حيث مجموعة من مقاتلي التنظيم، أغلبهم شباب صغار السن. احتجزت والمصور ومرافقنا والسائق إلى جانب آخرين من أبناء المنطقة. أمضينا في الاحتجاز أو الاعتقال (سمه ما شئت)، ست ساعات.

رن هاتفي الساعة السابعة والنصف صباحًا، وإذ بأمير منطقة الحويجة (شمالي العراق) في تنظيم الدولة «أبو الحسن» على الخط، يطلب مني الحضور لتصوير عرض عسكري بمناسبة انضمام تنظيم يدعى أنصار الله أو أنصار الإسلام (لا أذكر الاسم) لتنظيم الدولة. أيقظت زميلي المصور عبد الواحد خان، وهو من جنوب إفريقيا، لننطلق إلى الحويجة التي كانت تبعد عن مكان سكننا نحو عشرة كيلومترات. استقبلنا أبو الحسن بترحاب حذر، طلبت منه أن يصطحبني بسيارته، للتحضير للتقرير ولفهم عقلية التنظيم عن قرب، تحدثنا عن عدة أمور، منها العرض العسكري الذي اختاروا كيلومتر عن الحويجة تقريبًا) لإقامته، بمشاركة 15( منطقة الرياض سبعمئة مقاتل ونحو مئة وخمسين عربة عسكرية، بعضها هامر أمريكية استولوا عليها من الجيش العراقي، وعربات أخرى تحمل مدافع رشاشة مضادة للطائرات. فور نزولنا من السيارة، سلم علينا بجفاء شاب قصير القامة ملثم -كجميع من كانوا في العرض- عرفت فورًا أنه أعلى مرتبة من صاحبنا «أبو الحسن» الذي تراجع قليلاً، فالذي أمامي الأمير العسكري لتنظيم الدولة المكنى بـ «عبد الناصر». سألني: من أنت وماذا تريد؟ أجبته: أنا مراسل الجزيرة ناصر شديد، جئت لتصوير

193

192

Made with FlippingBook Online newsletter