كتاب الجزيرة 25

ما معهم الحق، معهم القوة

في الخارج عند بابه، وهكذا اقتربت من المعنى عندما التقيت للمرة الأولى في حي الشيخ جراح، صاحب الحق وصاحب القوة. بعد عدة أشهر، التقيت مجددًا بالعم أبو السعيد. كان ذلك في مطلع ، موعد انتهاء مهلة إخلاء المنازل وفق قرار صادر عن 2021 أيار مايو محكمة الاحتلال. تجاوزت الساعة حينها الحادية عشرة قبل منتصف الليل عندما اتصل بي الزميل وليد العمري وقال: توجهي الآن إلى حي الشيخ جراح، ثمة مواجهات. كان يوم إجازتي الأسبوعية، لكن خلال وقت قصير وصلت أنا وزميلي المصور مراد سعيد إلى هناك. في الطريق، فوجئت بعدد القوات الخاصة التابعة لشرطة الاحتلال التي كانت تنتشر في محيط الحي، وتحديدًا عند مدخل شارع عثمان بن عفان، حيث تقع المنازل المهددة بالإخلاء. وما إن بدأت مداخلتي على الهواء لوصف ما يجري والحصار المفروض على الحي، حتى تجددت المواجهات بين قوات الاحتلال ومجموعة من الشبان

ما معهم الحق، معهم القوة مراسلة الجزيرة في القدس | نجوان سمري

رقم «أبو السعيد». خلال التصوير معه، كان أبو السعيد يروي لنا تفاصيل استيلاء أحد المستوطنين على المنزل الذي بناه لعائلته بالقرب من منزل والديه، حيث كان يعيش معهم هو وزوجته وأبناؤه الأربعة. كان يتحدث بالتفاصيل الدقيقة، وكلما حاولت أن أقاطعه رغبة مني في الحصول على مقطع لا يزيد عن ثوان معدودة حددتها شروط التقارير التلفزيونية، كان يقول لي بلهجة عتب: «لأ، لازم تسمعي كلشي، ما بزبط أبلش القصة من الآخر». بعدها انتقل للحديث عن أمر الإخلاء من بيته الأول، بيت والديه وطفولته وزواجه وولادة أطفاله. أثناء ذلك، لمحت شخصًا يخرج من البيت. سابقًا كنت أسميه أحد المستوطنين وهو ذاته من بتم تعرفونه بـ: المستوطن يعقوب. قطعت تصوير المقابلة وركضت نحوه لأسأله: ماذا تفعل هنا؟ لماذا سرقت بيته؟ من أين جئت؟ وبمجرد أن بدأ يتحدث فهمت من لكنته أنه مهاجر أمريكي. حينها أيقنت لماذا أصر أبو السعيد أن أسمع بدايات القصة، لست أدري، لكن فجأة أحسست بشعوره وهو يرى سارق بيته يتجول داخله وفي حديقته وفي تفاصيل يومه وليله. انتقل إلي غضبه وقهره وخوفه لو رأيت مستوطنًا يسكن ويتجول في بيتي، بينما أقف أنا

لم تغادر كلماته مسامعي بعد انتهاء اللقاء والتصوير، علقت في ذهني وعادت معي إلى بيتي. فثمة عبارات لا تمر، تلك التي يحدث وقعها فرقًا عندما نروي القصة. استوقفتني عبارته تلك بعد شرح مستفيض عن حقه المسلوب. كان في البداية يروي لنا الحكاية بصوت فلسطيني قوي يخشى أن يلمح أحد حزنه وخوفه. لكن فجأة اختنق صوته بدمعة قال إنها خانته، ورأيت أنه خانها عندما حاول، مع بدء لقائنا، أن يمنعها. «معهمش الحق، معهم القوة». هكذا قالها بنبرة منخفضة ومختلفة عن نبرته الأولى، كمن أنهكه التكرار، أو كمن كان يخشى ألا يحدث كلامه فرقًا. لكن بسبب اختناق الصوت، كانت كلماته تلك هي الأعلى صوتًا والأشد وقعًا في حديثه. كان ذلك لقائي الأول مع السيد نبيل الكرد، الذي أصبح لاحقًا، بالنسبة لي، العم أبو السعيد. ، وقبل أن تنتشر إعلاميًا على نحو 2020 في مطلع ديسمبر من عام واسع قضية منازل حي الشيخ جراح المهددة بالإخلاء، كنت أجري مقابلة مع أحد المحامين في القدس عن قضية أخرى، في ختامها قال: ألا تنوين فعل شيء عن قضية الشيخ جراح؟ فسألته: وما قضية الشيخ جراح؟ فأخبرني حينها بقصة المنازل، وأرسل لي عدة أرقام هواتف للعائلات المهددة. لم أتأخر، وبالصدفة، وقع اختياري على

225

224

Made with FlippingBook Online newsletter