كتاب الجزيرة 25

رحلة شغف

رحلة شغف مدير قناة الجزيرة الإخبارية | أحمد بن سالم اليافعي

في طريقي من بين تفاصيل المشاريع العديدة إلى باب قناة الجزيرة، مررت بالبهو. كان عدد من الزملاء ينتظرونني هناك ليشرحوا لي الشكل الجديد للبهو و»جدار النصر»، حيث سيتم تشييد حائط جائزة 70 بانورامي، تستند عليه عشرات الألواح لتحضن أكثر من دولية، نلناها بكل جدارة في عام واحد. كان ذلك بفضل زميلات وزملاء تملكهم الشغف، فأحرزوا اعترافا عالميا بجدارة المحتوى المقدم، وبفضل جمهور آمن ووثق في «الجزيرة». ساعتها أدركت أن هذه الجزيرة أكبر بكثير من أن تكون مجرد خبر.

والمطالبات بإغلاق مكاتبها خلال خمسة وعشرين عاما، بل تلك الرصاصات الغادرة التي استهدفت زملاءنا، وكنت أسائل نفسي عن الجرم الذي اقترفناه، ومنذ متى أصبحت الصحافة جريمة! في الأسبوع التالي، كنت أجوب مع الفريق أرجاء غرفة الأخبار القديمة، ونحن نقف على المراحل المنجزة من مشروع غرفة الأخبار الجديدة في المقر الرئيس بالدوحة، وذلك بعد أن بدأنا دراسة مشتركة بين غرفة الأخبار والزملاء في الدراسات والبحوث لاستكشاف مدى التغيرّ الحاصل على سلوك الجمهور في التعامل مع المحتوى على مختلف المنصات. كنت أدرك تماما أننا نقود مبادرة جديدة في مفهوم وشكل غرف الأخبار في العالم، أساسه التفاعل مع الجمهور الذي أصبح مرسلا ومستقبلا في عملية الاتصال، بل وناقدا ومشاركا في رجع الصدى، يسأل ويبحث، يطالع ويصوّر، ويعلّق ويعيد توزيع محتوانا على منصاته وحساباته الشخصية. لقد تغّ مفهوم الإعلام، ومعه أصغت الجزيرة، كما في المرة الأولى ، عاما إلى نبض الناس، لتنجح في الحفاظ على تصدرها وكسب 25 قبل مساحات وساحات جديدة في رحلتها القادمة نحو اليوبيل الذهبي بإذن الله.

،2021 ما زلت أذكر تلك الساعة من ظهيرة الخامس عشر من مايو حين خرج الزملاء في غرفة الأخبار بذلك العاجل: «جيش الاحتلال الإسرائيلي يمهل قاطني بناية في غزة تضم مكاتب صحفية عالمية بينها الجزيرة ساعة واحدة لإخلائها». خلال دقائق بدأنا سلسلة من الاتصالات مع المنظمات الحقوقية الدولية والمؤسسات الناشطة في حماية الصحفيين -هذه المرة حماية حياتهم لا حقوقهم. تتالت النداءات، وتعاقبت «العواجل»، وتزاحمت حتى انثنت على بعضها، قبيل انتهاء الساعة، كان الزميل وائل الدحدوح وبقية فريقه يسابقون الصواريخ المنطلقة نحو برج الجلاء، وهم يقطعون عتبات درج البناية للنجاة بحياتهم. ظنّ من أمر بإطلاق الصواريخ لوهلة أنه أسكت الجزيرة. لم يعلم أنها ليست مكاتب من خشب ولا جدرانا من إسمنت، بل هي ذاكرة من لحمٍ ودم، وعدسات من عيون الشاهدين وميكروفونات من صخب الثائرين وهمس المبتلين، وأنهم وإن هدموا مكاتب الجزيرة فقد بنت لها حظوة في قلوب الجماهير. لا أدري ما سرّ الطمأنينة التي حلت عليّ حينئذ. لم يكن يشغلني سوى أمر واحد، هو سلامة الزملاء فقط. لقد تعاقبت على ذاكرتي مشاهد قصف مكاتب الجزيرة في كابل وبغداد، والمداهمات

25

24

Made with FlippingBook Online newsletter