كتاب الجزيرة 25

قرن من المعاناة

شاركت في أربع تغطيات لقناة الجزيرة الإنجليزية للأحداث في الإقليم، ويعكس ذلك التزام شبكة الجزيرة الراسخ بقضايا الناس، وأن الإنسان هو محور اهتمامنا وبوصلة عملنا. لقد كنت شاهدَ عيانٍ، حاضراً أمام الضحايا لأجمع الأدلة وأسلط الضوء على الويلات التي تعرض لها مسلمو الروهينغيا. تعلمت الكثير من هؤلاء اللاجئين، ومن (غول) على وجه الخصوص. ، علمت بحزن شديد أن (غول) توفيت قبل 2020 في ديسمبر عام أشهر، وعادت إلى مخيلتي مشاهد قاتمة من المحن والويلات، وتردد في ذاكرتي صدى الألم والمعاناة التي مرت بها (غول) وعائلتها مع أهليهم من مسلمي الروهينغيا. بعد معاناة طويلة مع القهر والاضطهاد عاشتها لنحو قرنٍ من الزمن، ماتت (غول) في مخيم للاجئين، لكن قصتها زادتني عزماً على مواصلة حمل شعلة الجزيرة، والاستمرار في بذل ما بوسعي لأداء رسالتها بأن تكون بحق (منبر من لا منبر لهم).

وتابع بقوله: «كنا سنلقى ذات المصير، لولا أن كُتبت لنا النجاة ووصلنا إلى هنا.» روى لنا كيف أن الروهينغيا محرومون من أبسط الحقوق ناهيك عن الحريات. «ممنوعون من الخروج بسبب حظر التجوال المفروض من غروب الشمس حتى شروقها. ويُحظر علينا التجمع، حتى ممارسة شعائرنا الدينية ممنوعون منها. وأي شخص يخالف تعليمات العسكر إما أن يُقتل أو يختفي قسرياً. نعيش في خوف دائم بلا سكينة.» رغم كل هذه المآسي والصعاب، تخرج من فم (غول) عبارات الامتنان لأنها تمكنت هي وذووها من النجاة، علماً بأنها تدرك تماماً أن أجلها قد دنا. قالت بهدوء: «كل ما أحلم به هو أن أموت بسلام. أتمنى أن أُدفن بجوار والديّ». تركت المقابلة التي أجريتها مع (غول) أثراً عميقاً في نفسي، أثرٌ تعجز عن وصفه الكلمات. أدبٌ جم، وطيب خاطر، وسكينة وامتنان، هو كل ما شهدناه وعلق بأذهاننا من (غول) وأفراد عائلتها. حاولت التواصل معهم رغم بُعد المسافات، ولكن اللغة وصعوبة الحياة في مخيمات اللاجئين حالتا دون ذلك. كنت أتمنى أن أرى (غول) مجددا حين عودتي مع فريق العمل لمتابعة الأحداث في الإقليم.

صمتت (غول) من جديد، وزاغ بصرها، تنهدت بمرارة قبل أن تطفو تعابير الحزن والألم على قسمات وجهها. بمضي الوقت، وتقاطر الكلمات من فم (غول)، تكشف لي حجم معاناتها وأفراد عائلتها، حالهم حال الآلاف من الروهينغيا الذين ذاقوا ويذوقون صنوفاً من الظلم والقهر والاضطهاد. روى لنا ابنها، أولي أحمد، الفظائع التي ارتكبها بحقهم عسكر ميانمار ، قائلاً: «أحرقوا كل 2017 على مدى عقود طويلة، لاسيما في عام البيوت بالقرية، وأطلقوا علينا النار بصورة عشوائية. قاموا بتقطيع أجساد من تقع أعينهم عليه من أهل القرية. كانت مجزرة بما تحمله الكلمة من معنى. هربنا من هول ما رأيناه.»

297

296

Made with FlippingBook Online newsletter