كتاب الجزيرة 25

الجزيرة وفن رواية المسكوت عنه

شخصاً في ظروف صعبة كهذه قد يتكبد كل هذا العناء بل وينفق ما لديه من أموال ضئيلة للاعتناء ببعض الغرباء. إن من أسعد اللحظات التي تمر بالصحفي خلال التغطية الميدانية حين يرى الامتنان في وجوه الناس حتى في أحلك الظروف التي يمرون بها. وفي عملنا كصحفيين، من السهل جداً أن نُواجه بالتشكيك أو حتى السخرية، ولكن لا تخلو الأرض من أناس طيبين، وهؤلاء من يُقدّرون من يهتم بنقل صوتهم.

الجزيرة وفن رواية المسكوت عنه مراسلة قناة الجزيرة الإنجليزية في الهند | إليزابيث ديفيا بورانام

بعد شهور من الحَرّ الشديد الذي ضرب أرجاء الهند خلال صيف ، بات مؤكداً تعرض أجزاء واسعة من البلاد للجفاف الذي بلغ 2019 في بعض المناطق مستويات لم تشهدها البلاد منذ نحو نصف قرن. تأخر سقوط الأمطار ويبست الأرض بشكل واضح. لهذا قررت إدارة التحرير بقناة الجزيرة الإنجليزية تغطية هذا الملف. كنتُ وقتها أعمل مذيعة أخبار في مقر القناة بالدوحة. وتقرر إرسالي إلى الهند لتغطية آثار الجفاف من خلال سلسلة تقارير إخبارية للنشرات، إضافةً إلى حلقة خاصة مدتها ثلاثون دقيقة من برنامج (تحدّث ) لتوثيق روايات المتضررين Talk To Al Jazeera – للجزيرة بأنفسهم. عزا خبراء البيئة هذا الجفاف الشديد إلى التغير المناخي، إضافةً إلى عقود من الممارسات الزراعية الخاطئة التي فاقمت من أثره. وتظل قضية التغير المناخي واحدة من أكبر القضايا في عصرنا، وواحدة من القضايا التي تغطيها الجزيرة باهتمام، تغطية لا تقتصر على نقل مؤتمرات الأمم المتحدة للتغير المناخي، بل ترسل القناة طواقم العمل الميدانية لمقابلة المتضررين وإسماع معاناتهم.

لقد كانت مهمتنا هذه صعبة، فقد توجهنا إلى المنطقة الأكثر تضررا من الجفاف في الهند، وهي مقاطعة (بيد) في ولاية (مهاراشترا). درجة مئوية، 40 واصلنا التصوير لأسبوع كامل تحت حرارة تجاوزت وسرنا على الأقدام مع سكان القرية إلى أقرب بئر، كانت مياهها ناضبة ولم يتبق سوى الوحل في قاعها. استمعنا لروايات العائلات وكيف يقوم أفرادها يومياً بتقنين استخدام المياه التي باتت شحيحة. ورأينا الفرحة على وجوه أهل المنطقة عند وصول صهاريج المياه، وكيف يتدافعون للحصول على نصيب منها. تحدثنا إلى المزارعين الذين قضوا شهورا في مخيمات الإغاثة مع ماشيتهم، حيث تقدم هذه المخيمات العلف والمياه للماشية التي تعد المصدر الرئيسي لرزقهم. ويعكف الفلاحون طوال اليوم على ترطيب أجساد ماشيتهم بقطع قماش كي تقوى على الصمود في هذا الحر الشديد. وخلال التصوير داخل أحد مخيمات الإغاثة، ونحن نتصبب عرقا خلال النهار، طلب منا أحد المزارعين أن نأخذ قسطاً من الراحة لتناول الماء وبعض المرطبات التي اشتراها بنفسه بعد أن قطع عدة كيلومترات سيراً على الأقدام تحت هذا القيظ. لم أتخيل مطلقاً أن

307

306

Made with FlippingBook Online newsletter