كتاب الجزيرة 25

الجزيرة: ضرورة إعلامية

وعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، شرعت الولايات المتحدة في حربها على القاعدة، وكانت الجزيرة المنصة الوحيدة لمشاهدة رسائل زعيم التنظيم أسامة بن لادن الذي كان يبعث مقاطعه الصوتية وفيديوهاته المسجلة إلى الجزيرة لتبثها إلى العالم. إن تغطية أي قضية ذات بُعد عالمي أو إقليمي من جميع زواياها وطرح الرأي والرأي الآخر هو بلا شك عنوان الصحافة النزيهة والموضوعية. لقد تغير العالم بشكل جذري خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، وأصبح أكثر تقارباً وتأثراً بما يحدث في أرجائه، والدليل على ذلك أننا لم نتخيل أبداً أن فيروسا ضئيلا برز في ووهان الصينية سيترك أثراً عميقاً واضحاً على كل فرد يعيش على هذه الأرض. هذا هو حال عالمنا اليوم، فأي حدث بسيط يجري في ركن من أركان الأرض يمكن أن يحدث زلزالاً في ركن آخر منه، لهذا فإننا جميعاً، بغض النظر عن الموقع الذي نعيش فيه، نحتاج إلى جسور تربطنا، ونحتاج إلى صحفيين يساعدونا على فهم الأحداث والتوجهات التي يمكن أن تغير ملامح هذا العالم. وهذا ما أفلحت فيه الجزيرة، فهي بحق الجسر الذي يربط العالم ببعضه، ويساعد أهله على فهم أكثر القضايا حساسية، ولهذا ستظل الجزيرة جزءًا مهماً في حياتنا جميعاً. فالجزيرة إذاً -رغم ما تثيره من جدل- أصبحت بلا شك ضرورة للجميع وليست مجرد ترفٍ إعلامي..

الجزيرة: ضرورة إعلامية مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق | فيليب. جيه. كرولي

أي منصب رسمي في الحكومة الأمريكية، فإنني ما زلت حريصاً على المشاركة في مقابلات مع أكاديميين ومسؤولين سابقين في حكومات إيرانية، والتحدث إلى صحفيين من طهران حول العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة وإيران. اليوم يتم إجراء أغلب المقابلات واللقاءات عبر شاشة الجزيرة، التي باتت بحق شبكة إعلامية عالمية رائدة، تقدم نظرةً معمقةً تطرح جميع الآراء من مختلف الزوايا حول أهم القضايا. لقد باتت الجزيرة تحظى باحترام الجميع لأنها مصدر موثوق للخبر، وتتابعها بشغف مختلف شرائح المجتمع وفئاته.وعلى مدى ربع قرن أصبحت الجزيرة منبراً حيوياً ساعدنا في فهم طبيعة أي منطقة من هذا العالم المتغير باستمرار. وتطرح الجزيرة يوميا المعلومة والخبر بكل مصداقية، لتضرب مثالاً يحتذى به للصحافة النزيهة، وتسلط الضوء ليس على القضايا ا مُلّحة في عصرنا فحسب، بل على القضايا المسكوت عنها والتحديات المهملة أيضـاً. تعرض الجزيرة الخبر بكل جرأة لتكسر كل القيود، وفي بعض الأحيان تثير حفيظة بعض الحكومات، ولكن في النهاية فإن الجزيرة تجعلنا جميعاً نتوقف ونعيد النظر في رؤيتنا للأحداث.

وخلال عملي ضمن فريق مجلس الأمن القومي بالبيت 1997 في عام الأبيض، تلقيت اتصالاً من صحفي شاب من طهران، طرح خلاله بعض الأسئلة عن العلاقة المعقدة بين واشنطن وطهران. ورغم أن التعامل مع الصحفيين وصانعي القرار من كل أنحاء العالم هو في صميم عملي، إلا أن هذه الواقعة كانت سابقة، لاسيما أنه لا يوجد تواصل مباشر بين مسؤول أمريكي وآخر إيراني في ظل غياب العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين البلدين. بعد هذه الواقعة بيوم واحد، رن جرس هاتفي مجدداً، حيث قدّم لي ذاك الصحفي الشاب رئيس التحرير الذي كان يشك بأن الصحفي قد تحدث بالفعل إلى مسؤول من البيت الأبيض. ورغم أن محتوى المقابلة التي أجراها الصحفي معيّ كان فريداً، فإن ردة الفعل الرسمية بعد نشرها كانت أكثر إثارة.لقد خشيت الحكومة الإيرانية من ظهور تيار جديد من الإعلام الحر المستقل، ولم يمض وقت طويل حتى أغلقت هذه الجريدة. أضف إلى ذلك أن حكومتي كانت حريصة بشكل مفرط على مراجعة أي مقابلة صحفية مرتجلة لا يتم التنسيق المحكم بشأنها مع صانعي القرار. ومنذ ذلك الوقت لم تتكرر هذه الواقعة. ومع تقلص الأمل بشأن تحسن العلاقات بين الغريمين اللدودين، فإن فكرة إنشاء قناة مفتوحة للتواصل بين الخصمين كانت أمراً مستبعداً، لكن هذا التفاعل حدث بالفعل مع أول سنة من عُمر قناة الجزيرة. عاماً بعد تلك الواقعة، وبعد أن أصبحتُ لا أشغل 25 وبعد مرور نحو

وقبل أن تقوم بعض الدول العربية بإقامة علاقات مع إسرائيل، كانت الجزيرة قد افتتحت لها مكتبا في القدس، يعرض وجهة النظر الإسرائيلية في النزاع الدائر بالمنطقة.لقد كانت تغطية الجزيرة لثورات 2011- الربيع العربي -التي اندلعت في بلدان الشرق الأوسط عام شاملة وعميقة، وهذا ما دفع حكومات تلك الدول إلى ملاحقة الجزيرة وصحفييها. فقد تعرض عدد منهم للاستهداف وسجنوا فترات طويلة، بلا جرم ارتكبوه، ولكن فقط لأنهم كانوا يقدمون مادة صحفيةً نزيهة تعارض رأي تلك الحكومات. وطالبت بعض الدول بإغلاق شبكة الجزيرة بكامل قنواتها كشرط لاستمرار علاقات طبيعية مع الدوحة، وكانت القيادة القطرية على صواب حين رفضت الانصياع لهذا المطلب. وهنا في الولايات المتحدة، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يشعر الجميع هنا بأهمية الجزيرة وقيمة وأثر ما تقدمه من محتوى إعلامي موضوعي رغم أنه لا يروق للكثيرين من الساسة والحكومات.

395

394

Made with FlippingBook Online newsletter