العدد 22– مايو - ايار 2024

129 |

مقدمة تشــكل الهجرة عنصًرًا مح ِّدًِدًا للسياســة الخارجية للمغــرب ولطبيعة عالقاته بدول الجوار، نتيجة اعتبارات جيوســتراتيجية متصلة بموقعه الجغرافي جســًرًا بين إفريقيا وأوروبــا، وبالنظر للثقل الديمغرافي للمهاجرين المغاربــة المقيمين بالخارج الذين في المئة من مجموع الســكان، وما لذلك من 10 أصبحوا يشــكلون نســبة تفوق تداعيــات اقتصاديــة واجتماعية ُتُحتم اتخاذ نهج دبلوماســي متوازن في العالقة مع .) 1 ( " مغاربة العالم " في المئة من 90 دول المصــدر األوروبــي التي يقيم بها حوالي كمــا أصبح المغرب الوجهة األولى للمهاجرين األفارقة في مســارهم نحو أوروبا، بين مراعاة " معادلة حرجة " ومــا يترتــب على ذلك من تهديدات تجعله في صلــب األولويات الداخلية والوفاء بااللتزامات الدولية. شــهد تعاطــي المغرب مــع معضلة الهجرة تحــوالت متتالية عكســت المعطيات الديمغرافية واالقتصادية والجيوسياسية السائدة، وهو ما تجلى في التحسينات المتتالية لألطر التشريعية والمؤسساتية التي رامت االنضباط لمتطلبات الحكامة العالمية لتدبير التنقالت البشرية، مع الحرص على التمكين للمصالح اإلقليمية للمغرب الذي أصبح يلعب دور الوساطة بين الدول اإلفريقية واألوروبية، عبر المشاركة في تنظيم فعاليات نتــج عنها توقيع اتفاقيات واالنخراط في إســتراتيجيات عــدة للتحكم في تدفقات المهاجرين. م َّكَن تنامي هذا الدور المغرب من تحقيق مكاسب إستراتيجية في سعيه إلى أن يكون ا بين الدول المستقبلة والدولة المص ِّدِرة للمهاجرين في التقليص من مخاطر طرًفًا فاعاًل الهجــرة وتأثيراتهــا على األطراف المعنية، ليتحول هــذا التعاون تدريجًّيًا إلى قاعدة لالرتقاء بمســتويات التبادل في مختلف المجاالت األمنية والسياســية واالقتصادية. لكنه من زاوية أخرى ُيُرِّتِب تأثيرات عكســية على مصالحه الداخلية، فالتزامه بتنفيذ بعض البرامج األوروبية للهجرة كان له تداعيات وخيمة جعلت منه في مراحل سابقة للبوابة المتوســطية ألوروبا، كما أن تفعيل تدابير الترحيل واتفاقيات " دركي " مجرد إعادة القبول واإلدماج أَّثَر على موقعه السياسي تجاه شركائه األفارقة، وعلى صدقية أنموذجه في التعامل مع المهاجرين والالجئين الذي ظل مرتهًنًا للمتغيرات اإلقليمية والدولية.

Made with FlippingBook Online newsletter