العدد 22– مايو - ايار 2024

13 |

مقدمة احتل الجدل حول التدهور المستمر للجنيه المصري، أو ما أخذ إعالمًّيّا اسم التعويم، جزًءًا معتبًرًا من النقاشات االقتصادية طوال العقد األخير، بعد أن قامت مصر بخمسة تخفيضات/تعويمات كبيرة، باإلضافة لعدة تخفيضات تدريجية بســيطة، خالل عشرة )، لينخفض الجنيه المصري مقابل الدوالر األميركي من حوالي 2024 - 2014 أعوام ( جنيًهًا للدوالر الواحد، بإجمالي انخفاض جاوز 47 سبعة جنيهات إلى ما يجاوز اليوم % خالل نفس 24 % مــن قيمته مقابل الدوالر، الذي انخفض هو نفســه بحوالي 85 الفترة؛ ليكون إجمالي االنخفاض الحقيقي في ســعر صرف الجنيه بالمقارنة بدوالر .% 90 حوالي 2014 هذا التدهور السريع خالل عقد واحد، والجدير بوصف االنهيار بالنظر لحجمه الكلي وانعكاســاته على دخول ومدخرات ومستويات معيشة المصريين، استقطب كثيًرًا من الجدل حول أخطاء السياسات االقتصادية المصرية طوال العقد األخير، من استدانة ا عن مفرطة وســوء توظيف للموارد واعتماد غير رشــيد على األموال الساخنة، فضاًل )، رغــم كل الخبرات التاريخية 1 اللجــوء المتكــرر لصندوق النقد ضمن كل ذلك( .) 2 السيئة، والقريبة، لمصر نفسها معه( وقد انص َّب أغلب التحليالت على الجانب االقتصادي التقني من إشــكاالت تجارية التدهور " تسارع " ومالية ونقدية، كلها مهم ووجيه وأساســي، لكنها ال تكفي لتفسير خالل العقــد األخيــر بالتحديد، لهذا ال تكتمــل إال بتناول ُبُعد آخر يؤطرها جميًعًا، ويفســر جزًءًا محورًّيّا من خلفية تلك اإلشكاالت نفسها، هو البعد المؤسسي، الذي يتصل بطبيعة النظام السياسي. كذا ال يمكن تفسير خطايا السياسة االقتصادية المصرية طوال العقد األخير وما قبله بمجــرد النزعــات الفردية أو قلة المعرفة والخبرة، أو أخطاء التقدير وســوء التنفيذ؛ فخالًفًا لســذاجة هذا القول الذي يقيس الدول على األفراد، فإنه يخالف حقيقة ِقِدم مشكلة تدهور الجنيه ووجود خبرات فعلية وسوابق تاريخية لمصر مع كل اإلشكاالت المنتجة لها، كما، وهو األهم، ال يفسر مطلًقًا استمرار وتكرار كثير من هذه األخطاء، رغم كل ما سَّبَبته من أزمات.

Made with FlippingBook Online newsletter