العدد 22– مايو - ايار 2024

| 16

من جهة أخرى، أضعفت هذه الموارد الريعية الضغوط ألجل المســاءلة السياســية )، كما شــوهت ممارســات المالية العامة وعززت الميول 9 والديموقراطية التمثيلية( المحاســيبية للنظام السياسي كآلية لتكريس اســتقراره ولتعويض ضعف المشروعية السياســية؛ ما أضعف التطور المؤسســي واإلنتاجي للبلــد عموًمًا، وض َّخَم جيوب الفساد العام والخاص. وحيث تراجع التصنيع منذ االنفتاح، وركد عند مستوى التصنيع االستهالكي األولي دونما تعميق لمســتويات أكثر تقدًمًا؛ تفاقمت االعتمادية العينية على اســتيراد السلع الرأســمالية ومســتلزمات اإلنتاج من الخارج؛ بما أدى إلى إخضاع التوازن الداخلي (العرض والطلب المحليين) للتوازن الخارجي (إمكانات تمويل الحساب الجاري)؛ بحيــث أصبح ميزان المدفوعات ورصيد النقد األجنبي القيد النهائي على كامل نمو )، وبما جعل الدوالر األميركي مقياس القيمة النهائي والحقيقي في االقتصاد 10 البلد( ا كامًنًا للدولرة وأضعف فاعلية السياسة النقدية، في اقتصاد تابع المصري؛ فج َّذَر مياًل محدود االستقاللية أصاًلا. وألن االقتصــاد ال يمتلك احتياطيات غزيرة من الموارد الطبيعية القادرة على تمويل عجــز خارجي مزمن، بل مجرد موارد متقلبة ومتراجعة كاتجاه عام؛ عانى االقتصاد، من جهة، من هشاشــة مالية وضعته على حافة اإلفالس مع كل أزمة خارجية و/أو اختنــاق مالــي من جهة، ومن جهة أخرى، من اقتطــاع حتمي من موارده وانكماش إجباري شــبه دوري لناتجه اإلجمالي لســداد مديونياته المتراكمة؛ يترجم ضمن ما يترجم بخفض في سعر الصرف كل فترة. وقد تساوق ذلك مع، وضمن، اختالل أعمق لكامل الديناميات االقتصادية؛ من تشوه لهياكل األسعار واألرباح واالستثمار وضعف نمو اإلنتاج وتدهور فاعلية السياسات الكلية؛ بما انعكس بمجموعه ســلبًّيًا على مؤشــرات المالية العامة وال َّدَْيْن الحكومي والميزان التجاري والتضخم وسعر الصرف؛ ليخلق حلقة خبيثة من التغذية المتبادلة فيما بينها جميًعًا. وقد عزز من هذه االنحرافات البرامج النيوليبرالية التي اعتمدتها مصر ضمن اتفاقاتها مع صندوق النقد الدولي منذ أواســط الســبعينات، والحقيقة أنها ليست استثناًء بأية حال، فحالها يشبه حال أغلب التجارب االقتصادية العربية غير النفطية، كما رصدها

Made with FlippingBook Online newsletter