العدد 22– مايو - ايار 2024

185 |

يندرج الكتاب الصادر مؤخًرًا للمؤرخ واألنثروبولوجي الفرنسي، إيمانويل تود، والذي )، في سياق تلك األدبيات التي رافقت الحداثة 1 ( " هزيمة الغرب " يحمل عنواًنًا مثيًرًا: منذ بدايتها وقدمت نقًدًا راديكالًّيًا لمســارها وانحرافاتها، والتي ســيطبعها ما اصطلح ). وال غرو Cultural pessimism عليه في تاريخ األفكار الحديثة بالتشــاؤم الثقافي ( أن القارئ المتأني سينتبه إلى عالقة القرابة التي تجمع بين هذه األدبيات على امتداد العصــور، وذلك بغض النظر عن اخــتالف منطلقاتها النظرية والمنهجية، وهي التي قــد تتلخص، فــي أغلبها، في نقد فكرة التقدم التي قامــت عليها الحضارة الحديثة وافتقاد هذه الحضارة إلى الروحانية، وهو ما ســيدفع المؤرخ السويســري، ياكوب بوركهاردت، على ســبيل المثال ال الحصر، وفي توافق مع الرومانســية المحافظة، إلــى أن يديــن الثورة الفرنســية باعتبارها أكبر كارثة في التاريــخ الغربي، بل إنه لن عن نقد كل " تــأمالت في التاريخ الكوني " ، كما في " شــذراته التاريخية " يتورع في تلك المبادئ التي دافع عنها الفالسفة الليبراليون في القرن الثامن عشر، معتبًرًا أنها قادت اإلنســانية إلى نقيض ما وعدت به. أما أوســفالد شبينغلر، والذي يحتل مكانة مهمة في هذه التاريخ الســلبي للحداثة، فإنه ســينتقد أي ًضًا، وبشــكل قاس، ال يخلو من شــعبوية، التفاؤل العقالني ومشــتقاته من تقدم وطوباوية، مؤكًدًا أن اإلنجازات الثقافية الكبرى تنتمي أكثر إلى ماضي اإلنسانية وليس إلى حاضرها، ومعتبًرًا أن العلم ) ، وقد ندمج بهذا التيار حتى بعض أعمال 2 ( " سطحي، يفتقد إلى الروح " الحديث لفالتر بنيامين " أطروحات عن مفهوم التاريخ " النظرية النقدية، وعلى رأسها، ال ريب، لهوركهايمر وأدورنو. " جدل التنوير " أو يفتتح إيمانويل تود كتابه بمناقشــة المفاجآت العشــر للحرب الروســية-األوكرانية. المفاجــأة األولى، هي الريب، اندالع الحرب في أوروبا، في هذه القارة التي كانت تعتقــد بــأن الحرب أضحت جزًءًا من ماض ســحيق، ولربمــا يغفل تود هنا حرب يوغوسالفيــا، التــي كانت حرًبًا أوروبية بامتياز. أما المفاجــأة الثانية فتتمثل في رأيه فــي طرفي الصراع: الواليات المتحدة األميركية وروســيا، في وقت كان يجري فيه الحديث منذ ســنوات خلت عن الصين باعتبارها العدو الرئيس للواليات المتحدة. وتتمثل المفاجأة الثالثة في الصمود األوكراني في وجه الغزو الروسي. في حين تتمثل

Made with FlippingBook Online newsletter