العدد 22– مايو - ايار 2024

187 |

، " موت البروتستانتية " أبرز دليل على غياب هذه الثقافة الجامعة، برأي تود، يتمثل في تأليه " ، والذي، في لغته، سيفرز نوًعًا من " الصفر الديني " أو ما يصطلح عليه بمرحلة ، بل وســينتهي بالسياســات الغربية إلى نوع من العدمية. تلك العدمية التي " الفراغ سيفهمها، ليس فقط باعتبارها نزعة لتدمير البشر واألشياء، بل وأكثر من ذلك لتدمير مفهــوم الحقيقة أو العقل وكل تفســير عقالني للعالــم، وهو ما يربطه تود خصو ًصًا بانهيار للقيم واألخالق. وعلى الرغم من الصورة الوردية التي يرســمها تود لروســيا ونجاحاتها االقتصادية واالجتماعية، والتي يرى، في ســذاجة، أنها حافظت على ســيادتها في نظام معولم، بفضل قدرتها على الحؤول دون تطور فردانية مطلقة، وهي الصورة التي قد يجد فيها ا التهامه بمحاباة البوتينية، فإن ذلك لن ُيُنّسّب في شيء التراجع بعض منتقديه مدخاًل ، وهو المرض " مريض " الكبير الذي يشــهده النموذج الغربي في العالم. إن الغرب الذي ال يمكننا تشخيصه والوقوف عند أسبابه وآثاره إال حين نتوقف، في رأي تود، عــن ربط الهوية الحضارية للغرب حصًرًا بالديمقراطيــة الليبرالية أو حتى بالصناعة أو الســوق، فهو يربط هذه الهوية ويعود بتطور الغرب، شــأن فيبيري كالسيكي، إلى البروتستانتية، كما يقرأ هزيمته من خالل اختفاء البروتستانتية، والتي يرى في تراجعها سبًبًا رئيسًّيّا في أفول حقبة الدولة-األمة داخل السياق الغربي. يتحدث إيمانويل تود عن غربين، في معرض إجابته عن السؤال: ما الغرب؟ الغرب األول يرتبــط باإلقالع التربــوي والتعليمي والتقدم االقتصــادي، وهو أي ًضًا الغرب المرتبط بحلف الناتو والذي يمتد إلى اليابان، هذا البلد الذي يصفه تود، إلى جانب ألمانيــا، بالمحمية األميركية. إن األمر يتعلق هنا بتعريف واســع للغرب، ولكن تود يقدم أي ًضًا تعريًفًا ضيًقًا للغرب، يربطه بالثورات الليبرالية الثالث، البريطانية واألميركية والفرنسية، مؤكًدًا أن الغرب، بالمعنى الواسع، تاريخًّيّا ليس بالليبرالي، فقد أ َّسَس أي ًضًا للفاشية اإليطالية والنازية األلمانية والعسكراتية اليابانية. سيتبنى تود التعريف األوسع للغــرب، ألنه يتوافق أكثر مع نظام الهيمنة األميركي، فما يطلب تفســيره هو صعود وانهيــار هــذه الهيمنة األميركية على العالم، ويــرى أن الغرب عرف تطوًرًا اقتصادًّيّا لــم تعرفه أي منطقــة أخرى من العالم، ويربط هذا التطور بثورتين ثقافيتين: النهضة يربط ماكس فيبر بين البروتستانتية " اإليطالية واإلصالح الديني البروتستانتي. يكتب:

Made with FlippingBook Online newsletter