العدد 22– مايو - ايار 2024

| 192

. وفي هذا الســياق أي ًضًا ســيع ِّرِج على مفهوم " مواطنيــه ومواطنــي البلدان األخرى أساسي وهو العدمية، والذي ظل يرافقه مثل ظله منذ بداية الكتاب، ولكن هذه المرة ، تلك العدمية " العدمية األلمانية " من خالل العودة إلى نص شــهير لليو شــتراوس: التي سيجد تود تمظهرات لها في الفراغ الكبير الذي تعيشه الواليات المتحدة اليوم. إرادٌة لالشــيء، تدميٌر لكل شــيء، وتدميٌر " يعرف ليو شــتراوس العدمية باعتبارها: ). ثم ينصرف 16 ( " سـ ًا، إرادُة تدمير الــذات � للذات نفســها، وعالوًة على ذلك، أسا ليســت عدميًة مطلقة، أي تلك الرغبة " ويكتب أنها " العدمية األلمانية " للحديث عن في تدمير كل شــيء بما في ذلك الذات، ولكنها الرغبة في تدمير شــيء مخصوص وهــو الحضــارة الحديثة. وهذا، إذا جاز لي أن أقــول ذلك، فإن العدمية المحدودة تصبح عدمية شبه مطلقة فقط لهذا السبب: ألن رفض الحضارة الحديثة، ال يسترشد ). وقد عَّبَرت هذه العدمية عن نفســها في 17 ( " أو يرافقــه أي تصــور إيجابي واضح الســياق األلماني من خالل االنتصار لما كان يســميه األلمان بالثقافة ضد الحضارة أو ضــد القيم الليبرالية، كما يؤكد شــتراوس، وفــي تعبير آخر: إنه انتصار للجماعة القبلية ضد قيم المواطنة، ولقيم الحرب ضد السالم. وما لم يقرأه تود عند شتراوس، وما كان يمكنه أن يســاعده أكثر في فهم العدمية الغربية اليوم، هو أن النيوليبرالية، وعلى الرغم من دعاوي الكوسموبوليتية، هي في واقع األمر ثقافة إمبريالية، مغلقة، تقف على النقيض من منجزات الحضارة الحديثة، فلقد عوضت المواطن بالمستهلك، والدولة بالشــركة، وفَّرَقت بين اإلنسان المنتج واإلنسان الزائد، وهي في ذلك، شأن كل ثقافة قبلية أو كل مجتمع مغلق، ســترفض التعددية. إن العدمية ليســت مرتبطة بالتيارات العنصرية والقومية والثقافية، فقط، ولكنها قد تتخذ طابًعًا كونًّيّا، لكن األمر يتعلــق بكونية إمبريالية، غير متضامنة، أو بكونية ضد الكونية، مكتفية بذاتها، عاجزة عن التعلم من اآلخرين، تعتقد، في شكل باثولوجي، بأن سرديتها تقدم كل األجوبة ألسئلة اإلنسانية المعاصرة وقضاياها الُمُل َّحَة. ا مركزًّيًا، يتعلق بانكفاء باقي العالم اليوم عن الغرب، يســأل تود في آخر كتابه ســؤااًل وتضامنــه الُمُعلن وغير الُمُعلن مع روســيا في الحــرب الحالية ضد أكرانيا أو ضد حلف الناتو. إنه يقدم تفسيرين رئيسيين لذلك: األول يرتبط بالعولمة األميركية التي أضحت بالنســبة لبقية العالم مجرد اســتعادة للمشروع االســتعماري أو استمراًرًا له بوســائل أخرى، وثانًيًا: بنية األســرة التقليدية التي تجمع روسيا ببقية العالم، والقيم

Made with FlippingBook Online newsletter