العدد 22– مايو - ايار 2024

| 18

تبنيها، وأبرز النماذج النظرية لتفسير وتجسيد ذلك المسار، غير المتناقضة جوهرًّيّا، بل والمتداخلة مفاهيمًّيّا، هي مداخل األنظمة المحاسيبية واألنظمة المقيدة. ويتميز مدخل األنظمة المقيدة والمفتوحة بمساحة أكبر من التدرج المراعي للتفاصيل، فبينمــا األنظمــة الديمقراطية المفتوحة واضحة ومحــددة كنوع واحد، نجد األنظمة المقيدة تتراوح ما بين ثالث درجات، أســوأها األنظمة المقيدة الهشــة، وأوســطها ا األنظمة المقيدة الناضجة، والتي تتفاوت األنظمة المقيدة األساســية، وأفضلها حااًل من األولى إلى األخيرة بحســب درجة تطور المؤسســات إيجاًبًا والتمايز فيما بينها .) 12 ومدى وحدة القواعد وهامش التأثير الديمقراطي( عامــل إضافي يلعب دوًرًا مه ًّمّا في صياغة واســتمرار األنظمــة المقيدة، هو الطابع ا لتســرب الَطَرفي التابع -ألغلبها- في النظام العالمي؛ حيث يؤدي ذلك الموقع أواًل القيمة من هذه البلدان؛ بما ُيُضعف فوائضها االقتصادية ومعها هوامشها الديمقراطية بدرجــة أكبر، وثانًيًا باتفاق المصالح ما بيــن النخب اإلمبريالية والمحلية على إدامة ))؛ وبما 13 الوضــع التابــع؛ لضرورته لمصالح ك ٍّل منهما (بما فيهــا المتضاربة منها( .) 14 يجعل أي هامش ديمقراطي حقيقي تهديًدًا لمثل هذا الترتيب( والناظر في الحالة المصرية يجدها قد تدهورت خالل العقد األخير من درجة وسطى ما بين األنظمة المقيدة األساسية والناضجة، إلى ما يقرب من قاع األنظمة الناضجة (حتى اآلن)، فبينما كانت قد بدأت تمتلك هامًشًا ديمقراطًّيًا وتعدًدًا في المؤسسات والشــركات، وإن خضعــت جميًعًا لتأثير الســلطة المركزية، فإنهــا قد مالت مؤخًرًا لتراجع هذه التعددية وإخضاع أغلب المؤسسات االقتصادية، عامة وخاصة، للسلطة الحاكمة، والتركز الشديد للقرار وقتل العملية السياسية والقمع الفوري العنيف ألي معارضة. هذا التصاعد في القمع يتماشــى مع توقعات ســامر ســليمان في أطروحته الشهيرة )؛ حيث توقع حتمية اتجاه النظام السياســي 15 ( " النظام القوي والدولة الضعيفة " عن المصري لزيادة حدة قمعه لمواجهة تناقضه الحاد، المتمثل في التأزم المالي المتصاعد مع تراجع الموارد الريعية التي قام عليها نظامه المحاســيبي، أي صيغته الخاصة من األنظمة المقيدة المذكورة.

Made with FlippingBook Online newsletter