العدد 22– مايو - ايار 2024

57 |

مقدمة يعُّد المجتمع اليمني مجتمًعًا محافًظًا ومتدِّيًِنًا، لكَّنَه رغم ذلك لم ينعم باالستقرار إذ غلبت على تاريخه د َّوَامة من النزاعات والصراعات السياسية، ونشأ عن تلك النزاعات والصراعات توظيف األطراف السياسية المتشابكة في معاركها وحروبها مع الخصوم للجماعــات الدينيــة، نظًرًا لما يمتلكه خطابها مــن حضور وتأثير في المجتمع. وقد واإلعالن عن قيام 1962 سبتمبر/أيلول 26 استمَّر هذا التوظيف حَّتَى بعد قيام ثورة ، وفتح 1990 مايو/أيار 22 نظــام جمهوري، بل وحَّتَى بعد قيام الوحــدة اليمنية في األبواب للتع ُّدُدية السياسية والحزبية والتنافس االنتخابي وح ِّرِية التعبير واإلعالم؛ وهو ما عكس أهمَّيَة دراسة هذه الظاهرة في أبعادها المختلفة في المشهد السياسي. ومع بروز الجماعات الدينية، مطلع القرن العشرين، في العالمين العربي واإلسالمي، باتت تلك الجماعات جزًءًا من الحراك المجتمعي والسياســي، بما في ذلك الساحة اليمنيــة التــي امت َّد إليها حضور تلك الجماعات، وفرض انتشــاره وتأثيره. وتوظيف الجماعات الدينية سياسًّيًا في الدولة اليمنية الحديثة فرضته سياقات تاريخية وظروف إلى 1962 واقعية، وطبيعة التحالفات التي حكمت مسارات التحوالت السياسية منذ اليوم. وفي الوقت الذي استفادت األطراف السياسية من هذه الجماعات الدينية في معاركهــا، أفادت تلك الجماعات بدورها -من جهتها- بانخراطها في تلك العالقة، سواء أكان بصيغة تشاركية أم تحالفية أو تعاونية أو من خالل مقايضات متبادلة، وهو ما جعل هذه الظاهرة تتمَّدَد وتبرز. هذه الورقة تســتعرض حاالت التوظيف التي جرت للجماعات الدينية في النزاعات ؛ محاولة رســم مالمح ذلك التوظيف، 2022 وحَّتَى 1962 السياســية في اليمن، منذ وغاياته ونتائجه، ســواء أكان على مســتوى األطراف المتنازعة والمتصارعة أم على المســتوى العــام. كما تتطرق الورقة لمدى التوظيــف الخارجي، من طرف األنظمة اإلقليميــة والدولية، لهذه الجماعات الدينية لصالح أجنداتها وسياســاتها في اليمن، وكيف تم َّكَنت من الوصول إليها وتوظيفها. وســوف تعتمد الورقة على المنهج الوصفي والتحليلي في تناول هذه الظاهرة، من خالل تتُّبُع المعلومات المتوافرة، ورصد مســار األحداث والوقائع تاريخًّيًا، وربطها

Made with FlippingBook Online newsletter