العدد 22– مايو - ايار 2024

59 |

ونظًرًا ألن الدين حاضر بقوة في فطرة ووعي األفراد، ويمِّثِل حافًزًا قوًّيًا لهم، ويعطي قداسة وتأثيًرًا على سلوكهم، " صبغة دينية " اآلراء واألفكار البشــرية إذا ُأُضفي عليها فإ َّن اســتخدام وتوظيف الدين والمتدِّيِنين طاغ في ميدان السياسة، ومنذ القدم. حَّتَى الصراعات السياســية الهادفة للوصول إلى الســلطة أو الحفــاظ عليها كان مثيروها يلجؤون إلى الدين للتوجيه والتعبئة العاَّمَة ضَّد الطرف اآلخر. للجماعات الدينية عند طبيعة واحدة وصورة واحدة، " التوظيف السياسي " ولم يقف بل تن َّوَعت طبيعته وتع َّدَدت صوره، بحيث شــمل التوظيف المباشــر وغير المباشر، والظاهر والخفي، واإليجابي والســلبي، واُألُحــادي الوجهة والمتع ِّدِد؛ خصو ًصًا أ َّن الجماعــات الدينية مختلفة المذاهب والمشــارب واالهتمامات واألدوار، فمنها ذو وجهة سياســية، ومنها ذو وجهة اجتماعية، ومنها ذو وجهة فكرية وثقافية، ومنها ذو ألمر صحيح في ذاته، وإن كانت مقاصد " التوظيف السياسي " وجهة قتالية. وقد يكون الطرف السياسي ترمي لُبُعد آخر. ُتُفضي إلى " التوظيف السياســي " إ َّن هــذا المدلــول الواســع والصور المختلفــة لـ ضرورة التعاطي الحذر مع المصطلح، ومع األمثلة المعروضة للتباحث أو الدراسة، مع اإلفســاح في فضــاءات للتأمل والحوار واالحتماالت. وعليــه، ال ُيُمكن اعتبار المصطلح ذا داللة ســلبية على الدوام، ويبقى أ َّن اســتغالل رجال السياســة لرجال .) 6 الدين، أو للمجال الديني، ظاهرة تستوجب الوقوف عندها وتحليل آثارها( الجماعات الدينية نقصد بالجماعات الدينية في هذه الورقة البحثية تلك التجمعات البشرية القائمة على رابطة وعَّلَة دينية، أو لهدف ووظيفة ورسالة دينية؛ أي إ َّن للدين حضوًرًا في تعريفها لذاتها وهوَّيَتها المغايرة لآلخرين؛ إذ هو المعتبر األَّوَل في تش ُّكُلها وقيامها وترابطها. وبالتالي فالجماعات الدينية عابرة لألنساب واألجناس والعرقَّيَات والوطنَّيَات والدول، كأ ِّي تكُّتُل بشري يقوم على األفكار والقيم والتصورات واأليديولوجيا بعيًدًا عن تلك المعاني. والجماعــات الدينية في المجتمع اإلسالمي يمكن أن تكون فرًقًا عقائدية أو مذاهب فقهيــة، فالخوارج والمعتزلة والشــيعة والصوفية فرق عقائديــة، والحنفية والمالكية

Made with FlippingBook Online newsletter