العدد24

11 |

مقدمة أثمرت الحضارة الصينية العتيقة فكرًًا إستراتيجيًًّا اتسم بالسبق والأصالة والعمق، لأنه تخلََّق من رحم المعاناة، ونضج في لهيب الحروب الدامية في تاريخ الإمبراطوريات الصينيــة المتعاقبــة. وهو فكر يســتحق الاطلاع والمدارســة مــن كل مهتم بالفكر الإســتراتيجي اهتمامًًا نظريًًّا، ومن كل ســاع إلى شحذ حاســته الإستراتيجية شحذًًا يـ ًا. ويمكن القول: إن الفكر الإســتراتيجي في الحضــارة الصينية العتيقة يحمل � عمل بيــن جنبيه بذور كل الأفكار الإســتراتيجية اللاحقــة وجذورها. فجرْْد أمهات الفكر الإستراتيجي يدل على أن أغلب الأفكار الكبرى التي تضمنتها هذه الكتب لها جذور أو بذور -على الأقل- في الفكر الصيني القديم. ولأن هذا التراث الإســتراتيجي العتيق لا يزال ملهمًًا للنخبة السياســية والعســكرية الصينية، فإن هذه الدراســة تطمح إلى الإســهام في الكشــف عن جوانب من العقل الإســتراتيجي الموجه للصين اليوم فــي صعودها الهادئ إلى قمة العالم، من خلال عــرض تحليلي لنصين من أهم النصوص الإســتراتيجية الكلاســيكية التي أنتجتها لصن تزو الذي يعتقد أنه عاش فن الحرب الحضــارة الصينيــة العتيقة، وهما: كتاب لمؤلف " الإســتراتيجيات الست والثلاثون " في القرن الســادس قبل الميلاد، ووثيقة مجهــول، يترجح أنه كتبها في القرن الســادس المــيلادي، وتدل مضامينها على أن مؤلفها تربطه قرابة عقلية وثيقة بصن تزو. تتركز إشكالية البحث على سؤالين محوريين، هما: ما العلاقة بين التراث الإستراتيجي الصيني الضارب الجذور في التاريخ وصعود جمهورية الصين الشعبية المعاصرة؟ ثم ما مدى صلاحية هذا الفكر الإســتراتيجي الصيني العتيق للاستلهام في سياق الثقافة العربية والإسلامية اليوم؟ وقد وجدنا دلائل استلهام النخب الصينية المعاصرة لذلك التراث العتيق ابتداء من حروب التحرير الصينية ضد الاستعمار الياباني مطالع القرن العشرين، وهو أمر تكثف مع الزمن، خصوص ًًا مع مطامح الصين إلى الريادة العالمية في العقود الأخيرة. كما توصلنا إلى إمكانية استلهام التراث الإستراتيجي الصيني في السياق العربي والإسلامي، بعد نقله إلى البيئة الثقافية الخاصة بالمنطقة العربية والعالم

Made with FlippingBook Online newsletter