13 |
الإعصار وتغير المناخ يتركز اهتمام الرحالة المســلمين الأقدمين إلى الصين على براعتها الصناعية، وغرابة ثقافتها عن ثقافتهم، ووضع المسلمين فيها، على نحو ما نجد في رحلة السيرافي في م) في القرن 1377 - 1304 / ـ ه 779 - 703 القــرن الثالث الهجري، ورحلة ابن بطوطة ( . لكن هذه الاهتمامات لم تعد كافية، ونحن في مسيس الحاجة اليوم إلى )2( الثامن النظر إلى الصين بعيون جديدة، والمدارســة الجدية لفكرها، بما يتجاوز اهتمامات أولئــك الرحالة، وعالـــمهم الثقافي، وخيالهم الجغرافــي. فلا مناص اليوم من بذل الجهد لفهم هذه الحضارة العتيقة، المتاخمة لحدود العالم الإسلامي، والمتفاعلة مع المنطقة العربية على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي وإستراتيجي. ومن هنا، تعيََّن استئناف القول في استكشاف الفكر الإستراتيجي الذي نبت من أرض هذه الحضارة، ضاربًًا بجذوره في التاريخ السياسي والعسكري البشري. وممــا يجعــل الاهتمام بالصين وفكرها الإســتراتيجي متعينًًا أنها أصبحت اليوم قوة دولية صاعدة تتمدد بهدوء وصمت، وتتقدم إلى الريادة العالمية بصبر وجلد؛ إذ تنقسم الكتــل الدولية الكبرى اليــوم إلى ثمان: أربع فاعلة وأربع منفعلة. أما الكتل الفاعلة فهي: الولايات المتحدة، والصين، وأوروبا، وروسيا. وأما الكتل المنفعلة فهي: الهند، والعالم الإسلامي، وإفريقيا، وأميركا اللاتينية. ولا يختلف الباحثون الإســتراتيجيون فــي أن الصيــن اليوم هــي القوة الصاعدة التي يجب أن تحســب لها الكتل الدولية -الفاعلة والمنفعلة- ألف حســاب، فهي أوْْلى من غيرها بالفهم والدراسة، نظرًًا لما يترتــب على صعودها من انزياحات في مراكــز ثقل القوى الفاعلة، ومن تأثير على القوى المنفعلة. مدير الأمن السيبراني في وكالة الأمن القومي )Rob Joyce( وقد عبََّر روب جويس الأميركيــة، تعبيــرًًا بليغًًا عن صعود الصين الهادئ إلى الريــادة العالمية، مقارنًًا بينها أنا أعتبر روسيا إعصارًًا، يأتي عاصفًًا وقويًًّا، أما الصين فهي تغير " وبين روسيا فقال: . وهذا مجاز )3(" المناخ الذي هو طويل الأمد، بطيء الأثر، لا مهرب منه، ولا مرد له معبِِّر وعميق الدلالة حقًًا: فالإســتراتيجية الروسية تبدو اليوم عاصفة ومتسرعة، لكن تأثيرها في النظام الدولي تأثير سطحي وموْْضعي رغم عنفه وعنفوانه. أما الإستراتيجية الصينية فهي صبورة وهادئة، لكن تأثيرها في النظام الدولي عميق وشامل وبعيد الأثر.
Made with FlippingBook Online newsletter