| 36
وحــركات التحريــر والتغييــر الديمقراطي في العالــم العربي اليوم هــو أن القوى الاستبدادية تتحكم في بيئة الصراع مسبقًًا، بحكم تحصنها في شعاب الدولة العميقة، وامتلاكها أدوات القوة والســلطة العامة، بينما يهاجم الساعون إلى التغيير من خارج ميــدان المعركة؛ فهم بحاجة إلى تضحيات أكبر، وخيال إســتراتيجي أخ ْْصب، لكي ينتزعوا من المستبدين هذه الميزة الإستراتيجية، أو يعطلوا أثرها على الأقل. ومن أوجه التحكم في بيئة الصراع خارج النطاق العسكري امتلاك سلطة المنبر في الإعلام من خلال تملك وســائل الإعلام، وامتلاك رأس المال ووســائل الإنتاج في المنافســة التجارية، والاســتحواذ على إدارة المؤسسات العلمية والتعليمية والثقافية، من أجل رس ْْم هويتها ورسالتها، وتوجيه خطابها وسرديتها. فالمتحكم في بيئة الصراع في كل هذه الحالات يضمن لنفسه توجيه الأمور الوجهة التي يريد، مع ترك هوامش للآخرين يتحركون فيها، وهم يحســبون أنهــم أهل دور وأثر، لكنهم لا يؤثرون في مآلات الأمور. . لا تنتحر خوف الموت 7 إن مفهوم بيئة الصراع أوســع من مجرد شــكل الأرض التي تخاض عليها المعركة بالمعنى العســكري الضيق، أو العوامل المعنوية والنفســية والجســدية المؤثرة في المتحاربين. فهي تشمل كل ما يلابس الصراع من عوامل وظروف محفزة أو مثبطة، التي تشمل الظروف الإقليمية والدولية، " البيئة الإستراتيجية " ا عم ََّا يُُدْْعى اليوم فضل ًا ســواء كانت معينة أو معيقة. ولأن بيئة الصراع بهذا المعنى ليســت طوع يدك، فقد يتعين عليك الانتظار حتى تتحســن البيئة الإســتراتيجية، تفاديًًا لصراع مهلك في بيئة غيــر مواتية. وقد حذ ََّر صن تزو من تســرع القــادة إلى الهجوم قبل نضج الظروف، إذا عجز القائد عن الســيطرة على تعجله، وأمر جنوده باجتياح الأســوار مثل " فقال: النمل، فسيُُقتل ثلث جنوده دون فتح المدينة. هكذا تكون المصيبة المترتبة على هذه .) 9 ، فق 3 (فص " الهجمات ) 1898 - 1815 ( ) Otto Bismarck ويُُنســب إلى السياسي البروسي أوتو بيســمارك ( . وهو لا يقصد كل )69( " الحرب الاســتباقية انتحار خوف الموت " أنــه كان يقول: حــرب اســتباقية طبعــا، بل تلك التي تخاض في بيئة إســتراتيجية غير مواتية؛ إذ لا
Made with FlippingBook Online newsletter