55 |
نـ ًا باهظــة لا تملك القدرة أو الإرادة لدفعها، فــإن الانتظار حتى تنضج ظروف � أثما التدخل في الصراع ستكون أفضل لك. إن إستراتيجية مراقبة الحريق من ضفة النهر الأخرى تمك ِِّنك من وراثة قوة المتحاربين مــن الطرفين. ولعل مــا ورد في القرآن الكريم من حديث عن الهزائم المتعاقبة بين الروم والفرس في السنوات الأولى من ظهور الإسلام إشارة إلى هذا: ﴿غُُلِِبََت الروم في أدْْنى األْأْرْض وهُُم مِِن بعْْد غََلََبِِهم سيغْْلبون في بض ْْع سنين لله األْأْمْر من قبْْل ومن . ورغم التفسير الشائع لهذه الآية الكريمة، وربطها )97( بعْْد ويوْْمئذ يفْْرح الْْمؤْْمنون﴾ بفرح مشــركي مكة بانتصار الفرس، وفرح المســلمين بانتصار الروم، فإننا نجد فيها معنى أعمق وأكبر من ذلك بكثير. فقــد كانت هاتان الإمبراطوريتان تتوزعــان النفوذ داخل الجزيرة العربية، وكان لكل ؛ فقد كانت مملكة الحيرة )98( " ممالك الأطراف العربية " منهما امتدادها التابع لها من دور الدولة الحاجزة لحماية الحدود وقوافل التجارة " في العراق التابعة للفرس تتولى دولة " ، وكانت مملكة الغساسنة )99( " من شــغب أبناء عمومتهم من بدو الصحاري حاجزة ووسيطة على أطراف بادية الشام، تدين بالولاء لدولة الروم البيزنطية، وتنتفع .) 100 ( " منها، وتعمل باسمها لكن القرآن فتح أعين العرب المسلمين على واجب الخروج من هذه التبعية الذليلة للإمبراطوريــات المجاورة، وأرشــدهم إلى أن هزيمة الــروم ثم هزيمة الفرس تفتح الباب لانتصار المســلمين على الطرفين فيما بعد. وهذا ما لم ََّح إليه ابن عاشــور في حكمة اقتضت هذا التعاقب، وهي تهيئة أسباب انتصار " تفسير الآية، حين أشار إلى .) 101 ( " المسلمين على الفريقين إذا حاربوهم بعد ذلك فلــم يكن العرب المســلمون في أعوام الإسلام الأولــى بحاجة إلى أكثر من مراقبة الصراع الدولي المحتدم على تخوم الجزيرة العربية، وتجنب الانخراط فيه من موقع الإمبراطوريات " التبعية، والانتظار مدة كافية للإنهاك المتبادل الذي ستصل إليه تلك )، كما وصفها ديفيد نيكول، ثم التحرك لحصاد ثمار الحرب بينهما، 102 ( " المرهقة ثــم وراثــة الأرض من بعدهما، وهو ما حدث في بواكيــر الفتوح الإسلامية خارج الجزيرة العربية. وذلك ما قصدته الحكمة الإســتراتيجية الصينية الداعية إلى مراقبة الحريق من ضفة النهر الأخرى.
Made with FlippingBook Online newsletter