61 |
لكنها براعة الانسحاب الآمن في ظروف اختلال موازين القوة، وتلك براعة لا يتقنها إلا عظماء القادة مثل خالد بن الوليد. دلالات الدرس الصيني بعد هذا التطواف الطويل مع الحكمة الإستراتيجية الصينية العتيقة، من خلال تحليل ، ووثيقة الإستراتيجيات الست والثلاثين، نتوقف في الختام فن الحرب كتاب صن تزو عند عدد من الدروس المجملة: ا : إن الفكر الإســتراتيجي الذي أنتجته الحضارة الصينية العتيقة يســتحق مدارسة أول ًا جادة، نظرًًا لما يتسم به من سبق وعمق. ويكفي من سبق هذا الفكر أن أحد النصين الصينيين اللذين تناولتهما هذه الدراسة عمره ثلاثة وعشرون قرنًًا على الأقل، والثاني عمره أربعة عشر قرنًًا على الأقل. أما العمق فلعل تحليلنا للنصين قد كشف ما يكفي من الدلالة عليه. ثانيًًا: يجسد هذان النصان خصائص الفكر الإستراتيجي الصيني العريق، ومن أهمها: الاقتصــاد في القوة، ووض ْْع الجهد في موضعه، وانتهاج الالتفاف المناورة، وتجنب المصادمة المباشــرة، والحرص على تحقيق الغايات المبتغاة بأرخص ثمن وأخصر طريــق. وغير ذلك من مبادئ إســتراتيجية أجملناها بلغــة مكثفة في القواعد الأربع والعشرين التي بسطناها في ثنايا هذه الدراسة. ثالثًًا: لا تعيش الصين اليوم قطيعة مع تراثها الإمبراطوري، رغم تجربتها الشــيوعية المعاصــرة. وهي لا تزال عميقة الاعتزاز بماضيها، ومنه تســتمد الروح الدافعة إلى الصعــود والتفــوق. فلا يمكن فهم القوة الصينية الصاعدة، وما تتســم به من نضج وحصافة، وسعي إلى تحقيق الريادة دون اصطدام بالقوى السائدة، إلا بدراسة التراث الإستراتيجي الصيني. رابعًًا: إن الصين لم تعد حضارة غريبة يســهل تجاهلها، بل هي اليوم دولة عظمى، تستعد للوصول إلى قمة العالم، وتضمه بين ذراعيها الممتدين: جنوبًًا عبر بحر الصين ا عبر المتجمد الشــمالي، وهي تشق وسط آسيا بر ًًّا، متمددة بهدوء الجنوبي، وشــمالًا في قلب العالم الإسلامي، بما فيه المنطقة العربية. فالاهتمام بفكرها الإســتراتيجي ا أكاديميًًّا، بل هو ضرورة عملية. ليس فضولًا
Made with FlippingBook Online newsletter