العدد24

| 74

في المجتمعات الحديثة، والضبط الاجتماعي الذي تمارســه المؤسسات الرسمية لم يعد يرجح إمكانية الانعزال التام للجماعات الدينية. وبناء عليه، سنحاول تناول الحركات السلفية في المغرب من زاوية الثقافة السياسية التي تنتجها وأوجه خدمتها لمصالح السلطة، والموارد التي تحصل عليها السلفية من ذلك، وارتهان كل ذلك بما يعرفه المغرب من حركية في حقلي الدين والسياسة. ا : سياسة مضمرة أول ًا تعد الســلفية من المفاهيم التي يعســر تعريفها لفرط اســتعمالها في سياقات مختلفة ومتباينة، وكيفما كان الأمر، فإننا توصلنا من خلال دراساتنا السابقة إلى ما يرمز إلى مفهوم الســلفية باعتبارها نزعة احتجاجية على التطويرات التي طرأت على مســتويي الدين، نقصد بذلك المستوى الفكري والتعبدي. تهتم بعض هذه النزعات بعملية إعادة تقنين الدين على المســتوى العقائدي، ســعيًًا إلى الترشيد الميتافيزيقي، والأخلاقي للعقائد كما هي موجودة بالفعل، وقد تنصرف نزعات أخرى إلى إعادة تقنين الشعائر الدينية، بتوحيد نماذجها، وكلماتها، وإشاراتها . )3( وإجراءاتها، لكي يحافظ على النشاط الشعائري الأصلي في مواجهة البدع أما من الناحية السوســيولوجية، فتتمظهر هذه النزعة الدينية في الزمن المعاصر، في حركات ذات طابع طائفي، وهي بالتعريف تمثل حركات تحاول ضمان الاســتقلالية تجاه العلاقات الاجتماعية الســائدة. حــركات اجتماعية تتبنى تدينًًا راديكاليًًّا ترفض بموجبه المؤسسات الاجتماعية والسياسية، وتسعى إلى الحفاظ على أقصى حد من الحرية تجاه ما درج عليه المجتمع الرســمي، من عادات وســلوكيات دينية، ساعية بذلك إلى اســتلهام طقوســها الخاصة من مذهبية دينية أخرى، أو من تأويل مختلف . )4( للديانة الرسمية لقــد كان افتقاد الحركات الســلفية إلى الخطاب السياســي -بمــا هو مجموعة من الأفكار، والتصورات السياســية المرتبطة منطقيًًّا، والمتعلقة بتحليل الواقع السياسي، وتحديــد طرق معالجتــه، والتأثير فيه- عائقًًا واضح ًًا يحول دون دراســة العلاقات السياســية للحركات الســلفية. كما أن عدم امتلاكها منبرًًا إعلاميًًّا، يمك ِِّنها من التعبير عن الرأي السياسي، جعل جُُل نشاطها منحصرًًا في حلقات التدريس، ونشر وتأليف . )5( الكتب، وغيرها من المناشط المليئة بالوعظ الديني

Made with FlippingBook Online newsletter