صدر عن مركز الجزيرة للدراسات العدد السادس والعشرون من مجلته الفصلية المحكّمة "لباب" (ربيع 2025). يأتي العدد في ظل نذر حرب تجارية عالمية تلوح في الأفق، وتصاعد التوترات بين ضفتي الأطلسي مع مؤشرات على تباعد أميركي-أوروبي، وإعادة تشكيل خرائط النفوذ في الشرق الأوسط عقب تراجع الحضور الإقليمي الإيراني بفعل الضربات المتكررة التي استهدفت طهران وحلفاءها، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
L U B A B
دورﯾﺔ ﻣﺤﮑﻤﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻣﺮﮐﺰ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻟﻠﺪراﺳﺎت 202٥ - ﻣﺎﯾﻮ/أﯾﺎر 2٦ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ - اﻟﻌﺪد
هﯿﺌﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ . . . . . . . رﺋﯿﺲ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ . ﻧﺎﺋﺐ رﺋﯿﺲ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ .. ﻣﺪﯾﺮ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ
اﳌﺮاﺟﻊ اﻟﻠﻐﻮي
دراسات وأبحاث
Studies and Research
علي باكير سوريا الجديدة: سيناريوهات إعادة تشكل موازين القوى والتحولات الإستراتيجية المحتملة في الشرق الأوسط
Ali Bakir The New Syria: Scenarios for the Reshaping of Power Balances and Potential Strategic Shifts in the Middle East
11
Khalid Alterkawi Economic and Development Challenges in Syria After the Fall of Bashar al-Assad’s Regime
خالد التركاوي التحديات الاقتصادية والتنموية في سوريا بعد انهيار حكم بشار الأسد
43
محمود بُُرهان ع ََط ُُّور تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا: الدواعي والتحديات
Mahmoud Burhan Attour Achieving transitional justice in Syria: Motives and challenges
85
Abdelkader Dendenne Chinese-African Cooperation within the Framework of the Chinese Worldview
عبد القادر دندن التعاون الصيني-الإفريقي في إطار المنظور الصيني للعالم
117
Ibrahim Morchid-Elhabib Stati Zineddine- Elhoucine Chougrani Sharing executive power in the Arab world through the agency theory: The Moroccan experience as a model
إبراهيم المرشيد- الحبيب استاتي زين الدين- الحسين شكراني تقاسم السلطة التنفيذية عربي ًًّا من خلال نظرية الوكالة: التجربة المغربية أنموذج ًًا
149
Abderrafie Zaanoun Book Review: Esclavos del algoritmo: Manual de resistencia en la era de la inteligencia artificial by Laura Garcia de Rivera
عبد الرفيع زعنون عبيد الخوارزميات: دليل للمقاومة في عصر الذكاء الاصطناعي
195
متابعات
Follow-ups
Mohamed Abdelaati The 16th Al Jazeera Forum From the War on Gaza to Change in Syria: Shifting Dynamics in the Middle East
محمد عبد العاطي منتدى الجزيرة السادس عشر من الحرب على غزة إلى التغيير في سوريا: الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة
217
5 |
افتتاحية العدد
الشرق الأوسط في عالم متحول علــى وقع نذر حرب تجاريــة عالمية تلوح في الأفق، وتصاعد التوترات بين ضفتي الأطلســي مع مؤشــرات التباعد الأميركي الأوروبي، وفي ظل إعادة تشكيل خرائط النفوذ في الشــرق الأوســط بعد تراجع الحضور الإقليمي الإيراني بفعل الضربات المتكررة التي اســتهدفت طهران وحلفاءها، وســقوط نظام بشــار الأسد في سوريا، سوريا: فرص " ا دراساته بملف معمق بعنوان مستهل ًّا لباب يصدر هذا العدد من مجلة ، فــي محاولة لفهم لحظة مفصلية من التحول الجيوسياســي الإقليمي، " وتحديــات تتجاوز دلالاتها الإطار الوطني لتستهدف توازنات القوى الإقليمية والدولية بأسرها. في هذا السياق، يسلِِّط الملف الضوء على اثنين من أكثر التحديات إلحاح ًًا في المرحلة الانتقالية الســورية: التحدي الاقتصادي المتمثل في إعادة بناء ما دمرته الحرب من بنى تحتية ومؤسســات، واستعادة دورة الإنتاج والنمو؛ والتحدي السياسي-الحقوقي المرتبط بالعدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا، ومحاســبة من تورطوا في الانتهاكات الجســيمة طيلة عقود من الحكم الاســتبدادي. كما يطرح الملف تساؤلات جوهرية حول مســتقبل الدولة الســورية: هل تمضي نحو اســتقرار تدريجي، أم تواجه خطر التفكك والانهيار، أم تعود إلى إنتاج نسخة جديدة من الحكم الشمولي؟ ســوريا الجديدة: ســيناريوهات إعادة تشكل موازين " يُُفتتح الملف بدراســة بعنوان ، تعتمد مقاربة تحليل " القوى والتحولات الإستراتيجية المحتملة في الشرق الأوسط السيناريوهات لاستشراف المآلات المستقبلية لسوريا، وتطرح ثلاث فرضيات مركزية: مســار الاســتقرار النسبي، أو انزلاق الدولة نحو الفشــل، أو عودة الاستبداد بصيغة جديدة. وتتناول الدراســة التأثيرات المحتملة لكل ســيناريو على معادلات التوازن الإقليمي، والتداخلات المعقدة بين الأدوار التي تؤديها قوى مثل تركيا، وإيران، ودول الخليج، وروسيا، والولايات المتحدة في المشهد السوري. التحديات " ومن التحولات الجيوسياســية إلى الديناميكيات الداخلية، تتناول دراسة سبل التعافي الاقتصادي " الاقتصادية والتنموية في سوريا بعد انهيار حكم بشار الأسد
| 6
فــي بيئة ما بعد النزاعات والصراعات. وتقدم الدراســة تصــورًًا لإعادة البناء، يقوم على إصلاح مؤسسي وهيكلي شامل، وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، واستثمار رأس المال البشري، إضافة إلى تفعيل أدوات التخطيط الإقليمي والعمراني، باعتبارها آليات ضرورية لتحقيق تنمية مســتدامة. كما تســتفيد الدراسة من خبرات مقارنة في دول شــهدت نزاعات مشابهة، لتؤكد أن الاستقرار السياسي لن يتحقق دون معالجة الجذور الاقتصادية للأزمة. غيــر أن الاقتصــاد لا ينهض في فراغ، ولا يُُبنى في ظل مجتمعات مفككة أو غارقة تحقيق العدالة الانتقالية " في مشــاعر الغبن وغياب العدالة. ومن هنا، تتناول دراســة أحد أكثر الملفات حساســية في المرحلة الراهنة، " في ســوريا: الدواعي والتحديات مركــزة على ضرورة بناء منظومة قانونية ومؤسســاتية قــادرة على إنصاف الضحايا، ومحاســبة الجناة، وتحقيق المصالحة المجتمعية. كما تســلط الضوء على مضامين ، وتستحضر التجارب المقارََنة من 2025 الإعلان الدستوري الصادر في مارس/آذار دول أخرى، للتأكيد على أن العدالة الانتقالية ليست مجرد مطلب أخلاقي، بل ضرورة سياسية لضمان استدامة السلام وبناء عقد اجتماعي جديد. دوليًًّا، يتناول العدد تصاعد الحضور الصيني في القارة الإفريقية من منظور إستراتيجي؛ قراءة " التعاون الصيني-الإفريقي في إطار المنظور الصيني للعالم " حيث تقدم دراسة معمقة للأســس التي تقوم عليها رؤية بيجين لإفريقيا، بوصفها ســاحة محورية في مشــروعها العالمي. تُُحلِِّل الدراسة الأدوات التي تستخدمها الصين، من الدبلوماسية الاقتصادية إلى القوة الناعمة الثقافية، وتســتعرض كيف توظف بكين هذه المقاربات لتكريــس نموذجها الخاص في التنمية، وبناء تحالفات جنوب-جنوب تتجاوز منطق الهيمنة التقليدية، وتسعى لإعادة صياغة مفاهيم النفوذ الدولي ضمن سرديات سلمية وتنموية بديلة. تقاسم السلطة التنفيذية عربيًًّا من " ومن مشرق العالم العربي إلى مغربه، تأتي دراسة ، لتناقش العلاقة المركبة بين المؤسسة " خلال نظرية الوكالة: التجربة المغربية أنموذج ًًا ، مبرزة كيف أن " الأصيل والوكيل " الملكية ورئاســة الحكومة، وتُُســقط عليها نظرية ميــزان القــوة يظل راجح ًًا لصالح الملكية، رغم التعديلات الدســتورية التي مََنحت الحكومة صلاحيات موســعة. وتكتسب هذه الدراسة أهمية تتجاوز الحالة المغربية؛
7 |
ا للتحليل عربيًًّا وإقليميًًّا، لفهم آليات إنتاج الســلطة، وتوازن إذ تُُقــد ََّم نموذج ًًــا قابلًا الشرعيات، والتفاعل بين الرمزية السيادية والديناميات الدستورية. عبيد الخوارزميات: " ، يأتي تســليط الضوء على مُُؤلف " قراءة في كتاب " وفي زاوية ، لما له من أهمية تتمثل في تفكيك آليات " دليل للمقاومة في عصر الذكاء الاصطناعي الهيمنة الرقمية، وكشــف تغول أوليغارشــيات التكنولوجيا الكبرى في إعادة صياغة القرار البشــري، وتوجيه الرأي العام، وانتهاك الخصوصية، تحت غطاء تقنيات ذكية ا عمليًًّا للمقاومة الرقمية، تُُدار بخوارزميات لا تخضع للمســاءلة. يُُقدم الكتاب دليلًا ويقترح أدوات تشريعية وأخلاقية وتكنولوجية للتخفيف من سطوة الخوارزميات على خيارات الأفراد والمجتمعات. منتدى " ، يرصد أبرز ما جاء في " متابعــات " ويُُختتــم العــدد بتقرير خاص من زاوية ، تحت عنوان 2025 المنعقد في الدوحة، في فبراير/شباط " الجزيرة الســادس عشــر . " من الحرب على غزة إلى التغيير في سوريا: الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة " يغطي التقرير مداولات المنتدى حول مستقبل المقاومة، والعدالة الانتقالية في سوريا، وموازين القوى في الشــرق الأوسط، وتحولات السياســات الأميركية في المنطقة، ويستعرض التحديات المتشابكة التي تواجه الفضاء العربي في ظل واقع جيوسياسي بالغ التعقيد. ويُُبرز التقرير أهمية المنتدى بوصفه مساحة حوار إستراتيجية تسعى إلى استقراء التحولات الجارية بعمق تحليلي يتجاوز سطح الحدث إلى بنيته ومآلاته. ا دقيقًًا بين الرؤى التحليلية والقراءات التطبيقية، تكامل ًا " لباب " يعكس هذا العدد من يجمع بين التفســير النظري والاســتقراء الميداني، ويُُسهم في فهم تحولات موازين النفــوذ فــي عالم مضطرب. وفي التزامها بتقديم تحليل إســتراتيجي معمق، تواصل نـ ًا، يربط الفكر بالواقع، ويعمل على � المجلــة أداء رســالتها بوصفها منبرًًا نقديًًّا رصي تفكيــك التحولات الكبرى، وفهم أبعادها البنيوية والدينامية، واستشــراف تداعياتها المستقبلية.
دراسات وأبحاث
سوريا الجديدة: سيناريوهات إعادة تشكل موازين القوى والتحولات الإستراتيجية المحتملة في الشرق الأوسط The New Syria: Scenarios for the Reshaping of Power Balances and Potential Strategic Shifts in the Middle East * Ali Bakir – علي باكير ملخص: تبحـث هـذه الورقـة في السـيناريوهات الإسـتراتيجية المحتملـة لمسـتقبل سـوريا ش ـّار الأسـد، مـع التركيـز على كيفيـة � الجديـدة في مرحلـة مـا بعـد الإطاحـة بنظـام ب تأثيــر انهيــار النظــام في إعــادة تشــكيل الديناميــات الجيوسياســية والتحالفــات تحليــل " الإســتراتيجية في منطقــة الشــرق الأوســط. واعتمــادًًا على منظــور ، تناقـش الورقـة ثلاثـة مسـارات رئيسـية محتملـة لمسـتقبل سـوريا: " السـيناريوهات يـّم الورقـة كل سـيناريو � الاسـتقرار النسـبي، أو فشـل الدولـة، أو عـودة الاسـتبداد. وتُُق مـن حيـث تأثيـره المحتمـل على التـوازن الإقليمـي للقـوى، والتحالفـات بيـن الـدول، يـّة بسـوريا، � والمصالـح الجيوسياسـية للأطـراف الإقليميـة والدوليـة الرئيسـية المعن بمـا فيهـا تركيـا وإيـران وإسـرائيل ودول الخليـج وروسـيا والولايـات المتحـدة. ويكشـف التحليـل أن التطـورات الداخليـة في سـوريا لـن تؤثـر فقـط على اسـتقرارها المحلـي، بـل سـتؤثر بشـكل عميـق على التماسـك الإقليمـي وهيـكل التحالفـات وتوزيـع القـوى يـّن الورقـة أن تفاعـل الخيـارات الإسـتراتيجية بيـن � في المنطقـة. إضافـة إلـى ذلـك، تُُب . الأطـراف الإقليميـة والدوليـة سـيحدد بشـكل كبيـر مسـار سـوريا المسـتقبلي Abstract: This paper explores the strategic scenarios for the future of Syria in the post- Bashar al-Assad era, focusing on how the collapse of the regime impacts the geopolitical dynamics and strategic alliances within the Middle East. Using the " scenario analysis " approach, it discusses three potential pathways for Syria: relative stability, state failure or renewed authoritarianism. Each scenario is evaluated in terms of potential implications on regional power balances, interstate alliances and geopolitical interests of key regional and international stakeholders involved in Syria, including Turkey, Iran, Israel, the * د. علي باكير، أستاذ مساعد الشؤون الدولية والأمن والدفاع في مركز ابن خلدون، جامعة قطر. * Dr. Ali Bakir, Assistant Research Professor of International Affairs, Security and Defence at Ibn Khaldon Centre for Humanities and Social Sciences, Qatar University.
Gulf states, Russia and the United States. The analysis reveals that internal developments in Syria will significantly affect not only domestic stability but also regional cohesion, alliance structures and power distribution. Additionally, it demonstrates that the interplay of strategic choices made by regional and international actors will considerably determine Syria’s future trajectory.
13 |
مقدمة ) أطلقت المعارضة السورية المسلّّحة المنضوية 1 (، 2024 نوفمبر/تشرين الثاني 27 في عملية عسكرية ضد نظام بشّّار الأسد تحت شعار " قيادة العمليات العسكرية " تحت 11 هذه العملية العســكرية، واستمرت " هيئة تحرير الشــام " . قادت " ردع العدوان " يوما فقط، اســتطاعت خلالها تحرير كامــل إدلب وحلب وحماة وحمص، ودخول دمشــق والإطاحة بنظام الأسد الذي انهار بشكل سريع ومفاجئ بعد صراع دام أكثر ، منهية بذلك حقبة 2011 عاما منذ انطلاق الثورة الســورية فــي مارس/آذار 13 من امتدت ما يزيد عن نصف قرن منذ الانقلاب العســكري الذي قام به حزب البعث 2000 شـ ّار الأســد الحكم في سوريا عام � وتوريث ابنه ب 1970 وحافظ الأســد عام . 2024 حتى نهاية العام وتشك ّّل إطاحة المعارضة السورية بنظام الأسد واحدة من أبرز التطورات الجيوسياسية . ومن المنتظر أن 1979 في الشرق الأوسط على الإطلاق منذ الثورة الإيرانية في العام يترتب على تغيّّر النظام في سوريا انعكاسات على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية على دول المنطقة، لا ســيما البلدان المحيطة بســوريا في الدائرة الجغرافية الأولــى والثانية على وجه الخصــوص، وتحوّّلات كبرى فيما يتعلق بموازين القوى الإقليميــة وخارطة التحالفات والتوازنات، والتنافس بين الأقطاب الإقليمية والدولية على المصالح والنفوذ في سوريا الجديدة والمنطقة. ولأن الإطاحة بنظام الأســد لا تزال حديثة العهد، فإن المســار الذي ستسلكه سوريا الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع ليس واضحا أو راسخا بعد، وسيستلزم الكثير من الجهد والوقت، علما بأن اتجاه هذا المسار وشكله سيؤثّّر حتما على الوضع الداخلي، كما هو الحال على الوضع الإقليمي. ولأن هناك العديد من المتغيرات أكثر مما يمكن رصده، ولأن العوامل الداخلية والخارجية التي يمكن أن تعيد تشــكيل شكل ومسار سوريا الجديدة ليست واضحة بعد، فإن القطع بالمسار الذي ستسلكه الآن وتداعياته على الداخل وعلى القوى الإقليمية والدولية المعنية بالشأن السوري؛ يعتبر أمرا غير ممكن. وعليه، تبحث هذه الورقة في السيناريوهات الإستراتيجية المحتملة لمستقبل سوريا الجديدة في مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام الأسد، مع التركيز على كيفية تأثير
| 14
انهيار النظام في إعادة تشكيل الديناميات الجيوسياسية والتحالفات الإستراتيجية في . " تحليل السيناريوهات " منطقة الشرق الأوسط، وذلك بالاعتماد على منظور يتكوّّن البحث من ثلاثة أقسام رئيسية، بالإضافة إلى المقدّّمة والخاتمة. تقدم الورقة الذي " بمنظور تحليل السيناريوهات " في القسم الأول الاعتبارات المنهجية المتعلّّقة سيتم اعتماده لتقدير السيناريوهات الأساسيّّة للاتجاهات المستقبلية وانعكاسات كل منها على الداخل السوري والتوازن في ميزان القوى الإقليمي والتحالفات الإقليمية ومصالح ونفوذ القوى المعنيّّة إقليميًّّا ودولياًً. ويمهّّد القســم الثاني للســيناريوهات بتقديم السياق الذي صاحب الإطاحة بنظام الأسد على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، مع التركيز على مواقف الدول التي حاولت دعم النظام. أما القسم الثالث، فيناقش تداعيات سقوط نظام الأسد وصعود سوريا الجديدة فيما يتعلق بإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية والانعكاســات المحتملــة على التحالفات الإقليمية والأمن الإقليمي، في حين يناقش القسم الرابع، ثلاثة سيناريوهات أساسية هي: سوريا مستقرة إلى " سيناريو " تُُرج ِِع بعض المعاجم الشــهيرة تاريخ الاســتخدام المعاصر لمصطلح ) لكــن يُُرج ََّح أن جذور الكلمة تعود إلى اللغة 2 (، 20 أوائل العشــرينيات من القرن ). تطوّّر معنى واستخدام 3 ( 17 الإيطالية المشتقة بدورها من اللاتينية القديمة في القرن عدّّة مرات خلال القرون الماضية، إذ كان يشــير في البداية إلى " ســيناريو " مصطلح معنى المشهد، ثم مشاهد المسرح، ثم مخطط لحبكة عمل درامي، ثم أصبح يشير في .) 4 إلى الحالة المُُتصوّّرة أو المُُتخيّّلة، في إشارة إلى حرب نووية محتملة( 1960 العام بهذه المعاني في مجالات مختلفة، لكن من الواضح إن " سيناريو " استخدم مصطلح أبرز الاســتخدامات كانت في مجال الأعمال الدرامية: المســرح والسينما، ثم انتقل لاحقا إلى المجال العسكري. ، 1988 يقول ويليام هس، في مقال علمي له نشرته المجلة الدوليّّة للتنبؤ/توقّّع عام إن مصطلح السيناريو تم الترويج له لأوّّل مرّّة في المجال العسكري من قبل هيرمان كاهن، عندما كان يعمل في مؤسســة راند للأبحاث في خمســينيات القرن الماضي، نسبيًّّا، سوريا دولة فاشلة، وسوريا دولة دكتاتوريّّة. أو ّّلاًً: اعتبارات منهجيّّة (منظور تحليل السيناريو)
15 |
). لكن 5 حيث كان يتم اســتخدام المصطلح في الدراسات العسكرية والإستراتيجية( تحت عنوان 1967 ورقــة قديمة كتبها المؤرخ العســكري هارفي ديويــرد، في العام ) تشير 6 -يمكن الاطلاع عليها في أرشيف راند-( " ســيناريوهات سياســية عسكرية " يُُستخدم لأوّّل مرّّة في المجال العسكري من قبل " ســيناريو " إلى أنّّه ســمع مصطلح الفعاليّّة العسكرية التي جرت حينها في " سيناريو " الفريق الأوّّل بن ليار، الذي طلب . ويشير ديويرد إلى أنّّه لم يكن يعرف كلمة سيناريو سابقا إلا بمعنى 1944 صيف عام مُُتّّصل بالنصوص المتعلّّقة بالإذاعة أو التلفزيون، لكن عندما يُُستخدم المصطلح في المجتمع الدفاعي فإنّّه على الأغلب يستخدم لوصف أحداث سياسية عسكرية تؤدي .) 7 إلى أزمة، بالإضافة إلى الأزمة نفسها( رواية قصيرة ومتخيّّلة وقابلة للنقاش حول تسلسل " ويُُعرّّف أمروم كاتز، السيناريو بأنّّه . وبشكل مقتضب، يخبرنا السيناريو بما حصل، " الأحداث المؤدية إلى حرب مستقبلية ) يُُمكن 1 ويصف السيناريو البيئة التي حصل فيها، وقد يتم إعداده لأغراض متعددة: النظر إليه على أنّّه بمثابة الخلفيّّة العامّّة أو الســياق للقرارات أو السياســات الدفاعيّّة ) قد يتم تصميمه كمقدّّمة أو عمل افتتاحي أو 2 التــي يُُفتــرض أخذها بعين الاعتبار. ) قد يتم إعداده لتوفير بيئة يمكن من خلالها اختبار 3 الإعداد لتمرين لعبة الحرب. ) قد يتم إعداد السيناريو لغرض محدد، 4 عمل أنظمة الأسلحة أو إستراتيجية عملها. وهو الأكثر خطورة وإشكالية، ويتمثل في اختبار فعالية نظام أسلحة أو إستراتيجيتها ) السيناريو قد يستخدم أيضا للتحضير للتخطيط المتعلّّق 5 بشكل معيّّن في الميدان. .) 8 بحالات طارئة( في ســتينيات القرن الماضي، شــهدت تقنيّّات توقّّع المســتقبل أو محاولات التنبؤ بــه طفرة كبيرة، واعتمدت آنذاك بشــكل متزايد على نماذج إحصائية وعلى معالجة بيانات تاريخية في محاولة لقراءة المستقبل، وغالبا ما كان يتم ذلك في قطاع الأعمال وإدارة الأعمال والتداولات المتعلقة بالأعمال. ومع ذلك، فقد فشلت هذه التقنيات في عدد من الجوانب المهمّّة، لاســيما قدرتها على مراعاة المتغيّّرات النوعية بشكل منهجــي، وتوقّّع نقاط التحوّّل المفصلية، وكذلك جســر الهوّّة بين التخطيط للتوقّّع يحظى حينها باهتمام " تحليل السيناريو " واتخاذ القرار. وفي هذا السياق، بدأ منظور .) 9 أكبر، وعكف باحثون على تطوير هذه التقنية بشكل مستمر(
| 16
عدد ًًا " هارفرد بيزنس ريفيو " ، على سبيل المثال، قارن مقال في مجلة 1971 في عام من أساليب التوقّّع لتوفير بعض الإرشادات للقارئ حول نجاعة التقنيات المعتمدة، ). عرّّف المقال الســيناريوهات على أنها 10 وأيهما أفضل بالنظر إلى حالات معيّّنة( تخمينات ذات طابع شــخصي " . وعرّّف المؤلفون هذا النوع بأنه " توقّّعات رؤيويّّة " وخيال؛ بشكل عام.. الطرق المستخدمة في السيناريوهات غير علميّّة.. (السيناريوهات هي) مجموعة من الصور المحتملة حول المستقبل أعدها عدد قليل من الخبراء في . ورغم كونها غير مكلفة، تم تصنيف هذه التقنيات على أنها " ضــوء أحــداث ماضية ضعيفة من حيث الدقة وتحديد نقاط التحول. " تحليل السيناريوهات " في سبعينيات القرن الماضي، كان قد تم تسريع توظيف نمط في الميدان العســكري والدراســات المســتقبلية، وفي صناعة النفط بشكل خاص. وقد اســتمر اســتخدام منظور تحليل السيناريوهات أيضا في مجال الأعمال والإدارة نتائج منظور تحليل " جنرال إلكتريك " ، نشرت شــركة 1971 بشــكل كبير. ففي عام أربعة ســيناريوهات بديلة عالمية/ " الســيناريوهات لدراســة أجرتها تحت عنــوان المتخصصة في مجال النفط والطاقة " رويال دتش شــل " ). لكن شــركة 11 ( " أميركية كانت قد اشــتهرت بشــكل كبير في مجال اعتمادها لمنظور تحليل الســيناريوهات، خاص ّّة عندما ساعدها ذلك في التحضير للتعامل مع الأزمات النفطية التي جرت في .) 12 ( 1979 و 1974 و 1973 أعوام مقالا مغايرا للاتجاه الذي ساد " هارفرد بيزنس ريفيو " ، نشرت مجلّّة 1986 في العام في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، أشار إلى أن السيناريوهات أداة تحليل نوعيّّة سرديات تتكش ّّف بسلاسة، تصف مستقبلا مفترض ًًا يتم التعبير " مهمّّة، مُُعرّّفة إيّّاها بأنّّها . في الواقع، تم تصنيف فعالية هذه التقنية بشكل " عنه من خلال تسلسل الأطر الزمنية مرتفع جدًًا من قبل المؤلفين لأنها تتطلب الحد الأدنى فقط من الدعم الرياضي أو الحاسوبي، ولا تتطلب بيانات تاريخية واسعة، ويمكن أن تعكس التغييرات الداخلية .) 13 بسهولة، وتتكيف جيدًًا مع التحولات( س ـ َِقَة من العوامل التي �ّّ ويتم تعريف الســيناريو على أنّّه وصف ســردي لمجموعة مُُت تحدد من الناحية الاحتمالية صورا بديلة من المســتقبل أو حالة مســتقبلية محتملة، بما في يشمل التطورات التي تؤدي إلى الحالة المذكورة. ولا تهدف السيناريوهات
17 |
إلى وصف كامل ودقيق للمســتقبل، ولكنها تشــير إلى العناصر الأساسية للمستقبل المحتمل، وتلفت النظر إلى العوامل الرئيســية التي من شــأنها أن تدفع التطورات المستقبلية. وتعتبر السيناريوهات بمثابة افتراضات يتم تصوّّرها، وقد لا تُُمثّّل الواقع يربط الفجوة بين " ) أن السيناريو الجيد 1982 بالضرورة. ويعتبر كاهنمان وتفيرسكي ( الحالة الأولية والحدث المستهدف من خلال سلسلة من الأحداث الوسيطة.. يكون السيناريو مرضيًًا بشكل خاص عندما لا يكون المسار المؤدي من الحالة الأولية إلى الحالة النهائية واضح ًًا على الفور، بحيث ترفع المراحل الوسيطة فعليًًا من الاحتمالية .) 14 ( " الذاتية للحدث المستهدف ويستخدم منظور تحليل السيناريو عندما يتعلق الأمر بمناقشة افتراضات متوسطة إلى بعيدة المدى، وعندما تتّّســم البيئة التي يتم نقاشــها بنقص في البيانات ووجود عدد كبيــر من المتغيّّرات، بالإضافة إلــى عوامل مؤثرة وغير قابلة للقياس، وغموض في التوجهات المستقبلية. وتحليل السيناريوهات ليس طريقة للتنبؤ بالمستقبل، وإنما هو افتراضات لاحتمالات ممكنة لصور متعدّّدة من المســتقبل، ليست بالضرورة حقيقية ولا يتم الادعاء بأنّّها الواقع أو تمثّّله. تختلف فائدة السيناريوهات تمامًًا عن أساليب التنبؤ الأخرى. وتشك ّّل السيناريوهات جسرًًا بين التنبؤ والتخطيط، وبإمكانها أن تكون بمثابة نظام إنذار مبكّّر يهدف إلى نشر الوعي باحتمال حصول بعض الأحداث، بما يسمح بالاستعداد لإمكانية مواجهتها بشكل مبك ّّر والاستجابة لها بسرعة عند حدوثها. وهناك عدّّة تقنيات لمنظور تحليل السيناريوهات، بما فيها المنطق الحدسي، وتحليل الاتجاه العام بناء على معطيات مسبقة، وطريقة ديلفاي، والتحليل النوعي، والتحليل التاريخي الذي يعتمد على بيانات تاريخية، والتحليل الإحصائي.. إلخ. ورغم تطبيق منظور تحليل الســيناريوهات على ســياقات ومحالات مختلفة، فإنّّه لا يوجد إطار محدّّد فيما يتعلق بأفضلية اختيار طريقة معينة أو سيناريو معيّّن. وللسيناريوهات عدّّة اســتخدامات، إذ يمكن اســتخدامها لإنتاج المعرفة حول الحاضر والمستقبل. ثانياًً، يمكن اســتخدامها كوظيفة تواصل مع الآخرين، ويمكن اســتخدامها كأداة تواصل مع العامة لإثارة الانتباه إلى قضايا محددة. وثالثاًً، باســتطاعة السيناريوهات مساعدة صانعــي القرار على تحديــد أهدافهم. علاوة على ذلك، يمكن اســتخدامها لتوفير أدوات لاختبار الفعالية المحتملة لإستراتيجيات مُُعدّّة مسبقا أو لسياسات قد يجري التحضير لها أو اتخاذها.
| 18
في هذه الورقة، سنســتخدم التحليل النوعي البســيط لمنظور تحليل السيناريوهات، وسنناقش ثلاث حالات مفترضة لسوريا المستقبل وتداعيات هذه الصور المستقبلية علــى الوضع الداخلي، وتوازن القوى الإقليمي، والتحالفات الإقليمية والدولية فيما يتعلق بالموقف من ســوريا، وانعكاســات ذلك على الأمن الإقليمي، وعلى خارطة المصالح والنفوذ داخل سوريا. ثانياًً: السياق الإقليمي للإطاحة بنظام الأسد ، أطلقت المعارضة السورية المسلّّحة المتجمّّعة 2024 نوفمبر/تشــرين الثاني 27 في عملية عسكرية ضد نظام بشّّار الأسد تحت شعار " قيادة العمليات العسكرية " تحت . قادت هيئة تحرير الشام هذه العملية العسكرية، واستطاعت خلالها " ردع العدوان " تحريــر كامــل إدلب وحلب وحماة وحمص. حاول حلفاء النظام مســاعدته، إلا أن يوما من إطلاقها بدخول المعارضة السورية المسلّّحة العاصمة 11 العمليّّة انتهت بعد دمشق والإطاحة بنظام الأسد الذي انهار بشكل سريع ومفاجئ، بعد صراع دام أكثر . 2011 عاما منذ انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 13 من جاءت هذه العملية في سياق إقليمي مضطرب للغاية، بينما كانت إسرائيل تستكمل 7 عدوانها على غزة بعد مضي أكثر من عام على إطلاق عملية طوفان الأقصى في بمثابة مفاجأة غير " طوفان الأقصى " . لقد كانت عملية 2023 أكتوبر/تشــرين الأول متوقعة للجميع، بمن فيهم إسرائيل وإيران. استغلت إسرائيل الوضع لمحاولة القضاء على حركة حماس وإضعاف إيران وأذرعها في المنطقة في لبنان وســوريا والعراق واليمن. وعلى المقلب الآخر، وضعت هذه العملية إيران وأذرعها في موقف حرج، بينما كانت تتحض ّّر لمواجهة احتمال ترش ّّح وفوز دونالد ترمب في الرئاسيات الأميركية من موقع قوّّة. لكن طوفان الأقصى ترك إيران بين خيارين صعبين 2024 أواخر العام لم تكن قد تحض ّّرت لهما بشــكل جيّّد، فإمّّا الانضمام إلى معركة غير مســتعدّّة لها تتعرّّض فيها أذرعها لخسائر شديدة، وبالتالي تفقد إيران أوراقها في مواجهة احتمال صعود ترمب مجددا إلى الرئاســة في البيت الأبيض وتعرّّض نفســها للخطر، وإمّّا تجاهل الأمر وتحييد نفسها وأذرعها عن المشهد، وبالتالي اهتزاز الصورة التي سعت ، وهو ما يعرض " محور المقاومة " إيران لتكريســها حول نفســها بوصفها من تقود
19 |
مشــروعها الإقليمي إلى تحديات جدية، لا ســيما إن خسرت هذه المرة جزءا مهم ًًّا . " المقاوم " من المؤمنين بدورها بين هذا وذاك، قرّّرت طهران اختيار موقف وســط لا يجعلها تنخرط بشــكل مباشر فــي المعركة، ولا يحيّّدها عن المشــهد تماما في نفس الوقــت،. كان هدفها البقاء فــي دائــرة صورة قيادة المحور، عقب انخراطها الدموي في ســوريا، والتأكيد أيضا . لكن موقفها الوســطي هذا ســرعان ما انقلب عليها " وحدة الســاحات " على فكرة وعلى أذرعها، فلا هي نأت بنفســها تماماًً، ولا هي انخرطت بشــكل كامل من شأنه أن يؤثر على موقف إســرائيل. فهمت الأخيرة ذلك على أنّّه انعكاس لمأزق تعيشــه إيران، وحالة ضعف لا تستطيع طهران الدفاع عنها. وعليه، قرّّرت إسرائيل استغلال الوضــع للانقضــاض على طهــران وأذرعها منتقلة من الدفاع إلــى الهجوم. دمّّرت إسرائيل إلى حد بعيد قدرات حزب الله العسكرية بشكل غير مسبوق، وذلك للمرّّة الأولى منذ إنشــائه، ودمّّرت هرمه القيــادي، واغتالت جل قيادييه من الصف الأوّّل )، كما شــنّّت هجمات هي الأولى من نوعهــا على جماعة الحوثي في 15 والثانــي( ). ولم يخل 17 )، وهدّّدت المليشــيات الشيعية الموالية لإيران في العراق( 16 اليمن( التصعيد الإسرائيلي من استهداف العمق الإيراني بشكل علني للمرّّة الأولى، فيما بدا واضحا أن طهران لا تريد الانخراط في مواجهة مباشرة، وأن جل ما تريده هو رفع ) والقيام برد يمكن تصويره على أنّّه 18 الحرج عنها أمام تعرّّضها لضربات إسرائيل( أقل من شيء وأكثر من لا شيء، يرفع الحرج عن إيران ولكنه لا يدخلها في حرب .) 19 مع إسرائيل( أمام هذا الواقع، حاول نظام بشّّار الأسد في سوريا عزل نفسه عن التصعيد الحاصل بين إسرائيل وبين إيران والمحور التابع لها، وذلك لأن وضعه لا يسمح له بلعب أي )، لدرجة أن كثيرين شككوا في كونه لا يزال تابعا للمحور 20 دور في هذا المجال( الذي تقوده إيران بسبب غياب أي رد فعل على كل التصعيد الإسرائيلي ضد حماس وحزب الله وإيران. وإن كان موقفه من حماس قد يكون مفهوما بمنظوره، فإن عدم وجود أي تعليق أو موقف حقيقي له من التصعيد ضد حزب الله وإيران أثار الكثير من علامات الاســتفهام. وللتغطية على هذا الوضع، قرر نظام الأســد أن يصعّّد ضد )، وهي 21 المعارضة السورية في إدلب من باب التسويق لمحاربة التطرّّف والإرهاب(
| 20
أجندة لطالما أجمع عليها معظم اللاعبين الإقليميين والدوليين بمن فيهم إســرائيل وإيران والولايات المتحدة وأوروبا وروســيا والصين والســعودية والإمارات. لكن محاولــة توظيف هذه الورقة ســرعان ما انقلبت عليــه أيضا عندما قررّّت المعارضة الســورية المســلّّحة الرد على التصعيد الحاصل من قبل نظام الأســد بإطلاق عملية )، خاص ّّة أن موقف الأسد المحايد من 22 ( " ردع العدوان " عسكرية مضادة تحت شعار التصعيد الإسرائيلي-الإيراني كان قد كشف -بشكل علني- ضعف النظام السوري. من إرباك مختلف القوى الإقليمية والدولية، ولأن العملية " ردع العدوان " زادت عملية جرت دون تدخلات خارجية وبشكل غير متوقع وسريع، فقد كان من شبه المستحيل على أي من الأطراف التدخل لإيقاف سقوط نظام الأسد الذي سرعان ما انهار خلال يوما. في هذه الأثناء، كانت العديد من المصادر قد روّّجت أن سقوط نظام الأسد 11 ). وهناك من ادّّعى أن 23 كان نتيجة لتخلّّي داعميه عنه، أي إيران وروسيا بالتحديد( إســقاط النظام كان بترتيب أميركي-إسرائيلي وتفاهم مع المعارضة السورية وتركيا، ). وهناك أيضا من قال إن 24 كما أوحى بذلك المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي( تركيا كانت تدير العمليّّة، لكن أيّّا من هذه الادعاءات لم يكن صحيحاًً. يمكن تفسير الانهيار السريع لنظام الأسد من خلال مجموعة من العوامل المتداخلة، بعضها آني والبعض الآخر إســتراتيجي، وتتوزع بين عناصر مرتبطة بالمعارضة السورية وأخرى متعلقــة بالنظام نفســه، إضافة إلى عوامل تتعلق بالحلفــاء والبيئة الإقليمية والدولية المحيطة. على المستوى الآني، يمكن القول إن العامل الأبرز تمثّّل في توقيت الهجوم وطبيعته، حيث جاء في لحظة انشغال النظام بمحاولة تجنّّب الانجرار إلى النزاع الإسرائيلي- الإيراني، مما جعله يركّّز على السياســة الخارجية على حســاب الاستعداد الداخلي. ورغم نجاح النظام جزئيًًا في النأي بنفســه عن الصراع الخارجي، فإن هذه السياســة وفّّرت للمعارضة فرصة استثنائية لاستغلال ما رأته ضعفًًا أو حيادًًا من جانب الأسد، واعتبرت ذلك إشــارة إلى هشاشة داخلية يمكن البناء عليها. بالإضافة إلى التوقيت، كان لطبيعة الهجوم دور حاســم، فقد جاء ســريعًًا ومنظمًًا ومعقّّدًًا بشكل فاجأ قوات النظــام. وكان من اللافت أن المعارضة قدمت الهجوم إعلاميًًا باعتباره دفاعيًًا، وهو ما أدى إلى التقليل من شأنه عسكريا وعدم إدراك النظام لمدى خطورته، الأمر الذي
21 |
أبقاه في حالة من الاســترخاء النســبي، معتبرا إياه مجرد مناوشات اعتيادية محدودة. وحينمــا حــاول نظام الأســد التعامل مع تداعيــات الهجوم عبر مبادرات سياســية وعسكرية ودبلوماسية، فشل في تحقيق نتائج ملموسة. 30 على الصعيد السياســي والدبلوماســي، بدأت اتصالات الرئيس بشار الأسد في )، حيــث تمتلك الإمارات 25 مع الإمارات والعراق( 2024 نوفمبر/تشــرين الثانــي علاقات مع إســرائيل والولايــات المتحدة، بينما يرتبط العــراق بعلاقات مع إيران والولايات المتحدة. كان الأســد يأمل من خلال هذه الاتصالات؛ حشد دعم أوسع لنظامه. كما أفادت تقارير متعددة بزيارة مفاجئة قام بها الأسد إلى موسكو في إطار هذه المساعي، تلتها زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إلى سوريا مطلع )، حيث نقل رســالة من القيادة الإيرانية تؤكد دعم 26 ( 2024 ديســمبر/كانون الأول ، واســتعدادها لتقديم كافة أنواع " محاربته للإرهاب " طهران الثابت لنظام الأســد في الدعم للحكومة السورية في هذا السياق. لقد لعبت كل من إيران وروســيا والولايات المتحدة وإســرائيل أدوارًًا مختلفة في دعم نظام الأسد أو في إطالة أمده أو في منع سقوطه منذ بداية الثورة السورية. وفي اتصالاته الأخيرة، كان الأسد يعتمد على إعادة إنتاج سردية الإرهاب كوسيلة لإقناع ديسمبر/كانون الأول، أي 2 هذه الأطراف بتقديم الدعم السريع الذي يحتاجه. وفي بعد يومين من اتصال الأسد بالرئيس الإماراتي، نشرت وكالة رويترز تقريرًًا يفيد بأن الولايــات المتحــدة بحثت مع الإمارات إمكانية رفع العقوبات المفروضة على نظام الأســد. ورغم الإشــارة إلى أن هذه المحادثات كانت قائمة منذ فترة، فإن اللافت كان تأكيد التقرير على أن إســرائيل أيض ًًا ســعت لرفع العقوبات عن الأسد في إطار .) 27 مساعدته( ، أي قبل يومين من انهيار 2024 ديســمبر/كانون الأول 5 وفي خطاب متلفز له في النظام، أكد الأمين العام الجديد لحزب الله اللبناني، نعيم قاسم، أن الحزب سيقف إلى جانب نظام الأســد حتــى النهاية، واصفًًا المعارضة الســورية بأنها مجموعات إرهابية تكفيرية تســعى إلى إســقاط النظام وتخريب سوريا خدمة لمصالح إسرائيل، مؤكــدًًا عــدم قدرتها على تحقيق أهدافها بفضل دعم الحزب للنظام في إحباط هذه أما الجانب الإيراني، فقد اســتمر في إصدار بيانات الدعم لنظام . ) 28 المحاولات(
| 22
الأسد على مختلف الأصعدة، فضلا عن التزامه بتقديم الدعم العسكري للنظام حتى اللحظات الأخيرة من انهياره. وفيما يتعلق بروســيا، فقد أكد وزير خارجيتها خلال على استمرار 2024 ديســمبر/كانون الأول 8 و 7 مشــاركته في منتدى الدوحة يومي .) 29 بلاده في دعم نظام الأسد( على المســتوى العســكري، أدت محاولات النظام لتبرير خسائره السريعة في حلب وحماة باعتبارها انســحابات تكتيكية اســتعدادًًا لمعركة مضادة؛ إلى إرســال رسائل متناقضة أضعفت معنويات قواته وســرّّعت الانهيار العســكري. كما ساهمت سرعة الأحــداث وتعقيداتهــا الإقليمية في منع أي دعم فعّّال من إيران أو روســيا أو حتى من أطراف مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، التي كانت أبدت إشارات إيجابية تجاه ديسمبر/ 5 تخفيف العقوبات عن الأسد. أما القوات الروسية فقد شنّّت مقاتلاتها في كانــون الأول، أي قبــل يومين من انهيار النظام، العديد من الغارات، من بينها ما لا غارات على جســر الرســتن في ريف حمص الشمالي بهدف فصل مدينة 9 يقل عن .) 29 حمص عن ريفها الشمالي المتاخم لمحافظة حماة ومنع تقدم المعارضة( مـ ّا إيران، فقد كانــت ردة فعلها في الدفاع عن النظام مرتبكة وغير حاســمة، ولم � أ ، رغم ورود أنباء عن معارك خاضتها " ردع العدوان " تتناســب مع سرعة تقدم قوات مليشــيات قريبــة من إيران فضلا عن عناصر حزب الله، لكــن انهيار قوات النظام، وربما عدم التنسيق العسكري المناسب مع القوات الروسية، جعل رد فعل المليشيات التابعة لإيران ضعيفة ومحدودة، ولم يتبين بشكل مؤكد سبب عدم دخول المليشيات العراقية، لدعم النظام، رغم أنها كانت قرب الحدود، ويبدو أن الأمر يعود إلى رفض الحكومة العراقية وعدد من القيادات الشــيعية بمن فيها مقتدى الصدر، التورّّط في ، بيانا 2024 ديســمبر/كانون الأول 5 الوضع الســوري. وكان الصدر قد أصدر يوم طالب فيه بمنع أي تدخلات عراقية من الحكومة أو الشعب أو المليشيات أو القوات .) 31 الأمنية في سوريا( إلى جانب ما ســبق، لعبت عمليات التطبيع السياســي والاقتصادي بين نظام الأسد وبعض الدول العربية والأوروبية دورًًا سلبيًًا غير مباشر، إذ أوحت للنظام بأن موقفه قد اســتقر وأنه حقق نصرًًا، مما دفعه إلى التراخي أمنيا والتصلّّب سياســياًً، فرفض تقديــم تنازلات سياســية أو الدخول في عمليات مصالحــة حقيقية. كما أعطى هذا
23 |
التطبيع انطباعًًا زائفًًا لحلفاء الأسد بأن الوضع الداخلي في سوريا مستقر نسبيًًا، مما شجعهم على تقليل اهتمامهم بالوضع السوري والتركيز على ملفات إقليمية ودولية أخرى مثل الأزمة في أوكرانيا والصراع مع إســرائيل. وعليه، يمكن القول إن نجاح المعارضة السورية في استغلال التوقيت الملائم وتنفيذ هجوم سريع وفعّّال أدى إلى انهيار معنوي وعســكري ســريع لقوات النظام، وقََطََع الطريق أمام الدعم الخارجي المحتمل. ثالثا: إعادة تشكيل موازين القوى إقليميًّّا أدى ســقوط نظام الأســد إلى تحوّّل ســريع في موازين القوى في الإقليم، ويمكن تصنيــف وضع الــدول إزاء هذا الحدث إلى أربع فئات علــى الأقل: دول منتصرة ومســتفيدة، دول منهزمة ومتضررة، دول مترقّّبــة، ودول متحوّّلة. برزت تركيا وقطر كدول مستفيدة في هذا الصراع، وكلتاهما دعمت الثورة السورية والمعارضة السورية بأشــكال مختلفة طيلة فترة الصراع، حتى في الوقت الذي ســاد فيه تصوّّر بأن نظام الأسد كاد ينتصر. احتفظت تركيا بعلاقة متعددة المســتويات مع جماعات المعارضة الســورية، ومنها ردع " هيئة تحرير الشــام. وبغض النظر عن طبيعة الدور التركي وحجمه في عملية ، فإن تركيا بدت بوصفها أكبر المســتفيدين، فهي مــن ناحية بلغت بداية " العــدوان الطريق لإنهاء مشــكلة اللاجئين الســوريين، وتخلصت لأول مرة منذ عدة عقود من تهديدات جدية شارك فيها أو دعمها نظام الأسد ضد أمنها القومي المتعلق بسوريا، ومن بين ذلك مشكلة كيان الأمر الواقع الكردي في شمال شرق سوريا. لقد حدث تحول كامل من العداء مع نظام الأسد إلى الشراكة مع الإدارة السورية الجديدة، وقد ترافق ذلك طبعا مع إنهاء النفوذ الإيراني، وإضعاف النفوذ الروسي وربما خروجه من البلاد، بالإضافة إلى التمهيد لخروج القوات الأميركية من ســوريا. إخراج اللاعبين الثلاثة الأكثر ثقلا من الناحية العسكرية في سوريا، يتيح المجال لصعود النفوذ التركي بشــكل غير مســبوق. على أن هذه الاستفادة من التحوّّلات التي رافقت انهيار نظام الأسد موقوفة على استقرار الوضع السوري وتطوّّره باتجاه إيجابي، كما سيتم نقاشه لاحقا ًً.
| 24
وفي المقابل، برزت إيران وروسيا كأكبر الخاسرين في الصراع، ويمكن تصنيف إيران على وجه الخصوص بأنّّها الدولة الأكثر تضرّّرا من الإطاحة بنظام الأســد، إذ أدى انهيار النظام في سوريا إلى تراجع كبير في نفوذ إيران الإقليمي، هو التراجع الأكبر لها منذ الحرب الإيرانية-العراقية. لقد كان النظام الســوري بمثابة حجر الزاوية في مشــروع إيران الإقليمي، والجسر الرئيســي الذي سمح لنفوذها بالوصول إلى لبنان وشرق البحر المتوسط. علاوة على ذلك، فقد شكّّل نظام الأسد شريان حياة لحزب الله الذي تعاظم شأنه وكبر حجمه وازدادت قوته بسبب الدعم الإيراني الذي يأتيه عبر سوريا. لقد استثمرت طهران ماليا وسياسيا ودبلوماسيا وعسكريا في النظام السوري لعقود طويلة، لاسيما خلال العقدين الماضيين، ولذلك فإن سقوطه يعد ضربة قاسية لإستراتيجية إيران الإقليمية في ظل غياب البدائل، ومع السياق الجيوسياسي الصعب الــذي تعانيــه إيران بعد تعرض أبرز أذرعها الإقليمية -وهو حزب الله اللبناني- إلى ضربات إسرائيلية موجعة، رافقها قيام سلطة سياسية لبنانية ترفض اعتبار لبنان جزءا ، ولا تخفي نياتها في منع حزب الله من مشــاركة الدولة في " محور المقاومة " من احتكار السلاح. أما روسيا، فقد شكّّل الإطاحة بنظام الأسد انتكاسة لجهودها في الاحتفاظ بقاعدتها العسكرية شرق المتوسط، وما زالت الخسارة تهديدا واقعيا داهما، إلا أن روسيا بذلت منذ سقوط الأسد، جهودا سياسية متعددة لتخفيف الضرر إلى أدنى حد ممكن، من خلال تواصــل فعال مع الإدارة الجديدة، قد يكون وراء عدم طرح موضوع قاعدتي حميميم وطرطوس الروســيتين على جــدول الأولويات المعلنة للإدارة الجديدة في دمشق. تدرك موسكو أن خروجها الكامل من سوريا سيكون له عواقب إستراتيجية، في سياق دولي معقد، وقد يلي ذلك دفع سوريا الجديدة باتجاه النفوذ الغربي. وفي ظل الاستقطاب الدولي والتنازع الأميركي-الصيني، قد يتم إخراج موسكو وبكين من الحسابات السورية مستقبلا. وبين موقف المعسكرين الداعم والمناهض لنظام الأسد، يمكن المجادلة بأن معسكر التطبيع مع نظام الأســد والذي يتكوّّن بشكل رئيسي من الإمارات ومصر والسعودية قــد تفــكّّك بحكم زوال الســبب، وظهر على الفور تباين واضــح بين أطرافه تجاه الإدارة الجديدة في دمشق، فالمملكة العربية السعودية تبنت بشكل قوي التغيير الذي حصل، على اعتبار أن شكل وطريقة التغيير والنتائج التي نجمت عنه تخدم مصالح
25 |
الرياض، دون أن تكون الأخيرة مضطرة إلى بذل أي مجهود. وعليه، فإن الاستثمار في المكسب المجاني الذي حصل يعتبر أولوية للسعودية، خاصة أنّّه أدى إلى إنهاء نفوذ إيران وأذرعها في ســوريا، مع ما لهذا الأمر من انعكاســات على جوار سوريا المباشــر لاسيما لبنان، وكذلك على الإطار الإقليمي الأوسع. أمّّا مصر والإمارات، فبدا أن موقفهما يشــوبه شــيء من الامتعاض والتشكيك والترقّّب، فالإمارات كانت اللاعب الإقليمي الأكثر اســتثمارا في إعادة تأهيل نظام الأســد سياســيا ودبلوماسيا ومالياًً، كما دعمت مصر محاولات دمج النظام السوري في المنظومة العربية. ولذلك، فقد كان من الطبيعي ألا يكون وقع التحوّّل الذي حصل سهلا على الدولتين، سيما مع ما يعرف عنهما من خصومة مع التيار الإسلامي. لكن من الناحية الشكلية، حصل هناك ترحيب وقام الرئيس الشــرع بزيارة مصر في إطار مشــاركته في القمّّة العربية ، بينما زار وزير الخارجية السوري الإمارات مرتين: 2025 مارس/آذار 4 الطارئة يوم الأولى برفقة وزير الدفاع خلال جولة إقليمية في يناير/كانون الثاني الماضي، شملت أيضا قطر والأردن. والثانية في فبراير/شباط الماضي للمشاركة في قمّّة الحكومات العالمية في دبي. وفيما يتعلق بالموقف الغربي، يمكن تصنيفه أيضا ضمن خانة المترقّّب والمشــكك. فقد اســتمرت العديد من الدول الأوروبية في دعم نظام الأســد من خلال المضي قدمــا في عملية تطبيع سياســية وأمنيّّة خلال الأعــوام الأخيرة. وعلى الرغم من أن الموقــف الأميركي لم يكــن مؤيدا للتطبيع من الناحية الشــكلية والعلنية، وفرضت واشنطن عقوبات على نظام الأسد، أشهرها العقوبات وفق قانون قيصر، فإن الولايات المتّّحــدة لم تكن تريد الإطاحة بنظام الأســد بقدر مــا كانت تريد توظيفه. وبما أن الإطاحة بالنظام أدّّت إلى إضعاف النفوذ الروســي في ســوريا، فقد كان ذلك بمثابة حافــز للولايات المتّّحــدة والاتحاد الأوروبي للنظر إلى الوضــع بمنظور مختلف. ورغم المؤشــرات الإيجابية التي صدرت عن عــدد من الدول الغربية فور الإطاحة بنظام الأسد، فإن هذه الدول لم تنفتح تماما على التغيير، وإنما قام بعضها بتخفيف العقوبات على ســوريا لاختبار الإدارة السورية الجديدة. كما انخرط مسؤولو بعض هذه الدول الغربية مع المســؤولين الجدد في ســوريا لاستكشــاف رؤيتهم واختبار موقفهم ومحاولة التأثير على مســار إعادة تشــكيل ســوريا بما يأخذ بعين الاعتبار المصالح الغربية.
| 26
أمّّا إســرائيل، فقد كانت تراهن على بقاء الأســد ضعيفا، إذ يمكّّنها ذلك من فرض أجندتها دون الحاجة إلى تدخل ذاتي سياسي أو عسكري. وعلى الرغم من أن الفضل في بقاء نظام الأسد خلال الثورة السورية يعود إلى إيران وروسيا، فإن سياسات دول أخرى ســاهمت بشــكل قوي أيضا في إبقائه، لاسيما السياسات التي تم اتباعها من قبل إســرائيل والولايات المتّّحدة. رغبة الرئيــس الأميركي باراك أوباما في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران جعله يغض النظر عن سياسات طهران في سوريا ليضمن )، ولذلك 32 موافقتها. أمّّا إسرائيل، فقد كانت ترى أن بقاء الأسد أفضل من رحيله( حصل تقاطع مصالح غير مباشر بين رغبة إسرائيل في تحقيق ذلك وبين قيام حزب الله وإيران بدعم نظام الأسد. كما أن تدخّّل حزب الله وإيران في سوريا استنزفهما وســمح في النهاية لإســرائيل بخرقهما واستغلال نقاط ضعفهما واقتصر دورها على احتواء دورهما في ســوريا. وبالرغم من أن نظام الأســد حاول التماهي مع الدور الإسرائيلي المراد له أن يلعبه، لاسيما خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، والحرب ضد حزب الله في لبنان؛ من خلال عزل نفسه عن الأحداث، وعدم الانخراط فيها، وفتح ِِه جبهة ضد المعارضة في إدلب، فإنّّه لم يستطع في نهاية المطاف الصمود بعدما قررت المعارضة استغلال الظرف لإطلاق عملية عسكرية ضدّّه. وعلى الرغم من أن الإطاحة بنظام الأســد قد تكون خدمت إســرائيل لناحية إنهاء نفوذ إيران وقطع الإمدادات العســكرية عن حزب الله في لبنان وإخراج ســوريا من محور إيران الإقليمي، فإنّّها خلقت مشكلة أكبر لها بانتصار المعارضة السورية ذات العمق العربي-الإسلامي، والمقرّّبة من تركيا. علاوة على ذلك، فإن ســوريا مستقرّّة وموح ّّدة ســيفتح الباب أمام تعظيم النفوذ التركي في المنطقة بشــكل كبير، مما من شــأنه أن يخل بموازين القوى الإقليمية القائمة منذ عقود بشــكل غير مسبوق، وقد يســتقطب ذلك العديد من الدول فتصبح ســوريا بمثابة قاطرة عربية أو نواة لتحالف إقليمــي يضم دولا مع تركيا، الأمر الذي يتعارض مع المصالح الإســرائيلية. ولعل تقاطع المصالح القطرية-الســعودية مع تركيا في ســوريا، بالإضافة إلى ســعي أنقرة لتشكيل تحالف خماسي من الدول المحيطة بسوريا (لبنان، الأردن، العراق، وتركيا) .) 33 لدعم دمشق؛ يعزز التخوّّف الإسرائيلي(
27 |
رابعا: الأمن الإقليمي وإعادة رسم التحالفات القائمة أدى ســقوط نظام الأسد إلى إحداث تحولات في تحالفات سابقة، وإنهاء تحالفات قائمة، وتمتين تحالفات ناشئة، وتعزيز الفرص لقيام تحالفات جديدة. ولعل من أبرز نتائج إخراج نظام الأســد من المشــهد في ســوريا والإقليم، إنهاء التحالف الأطول والأكثر اســتمرارية واســتقرارا في الشــرق الأوســط لما يقارب النصف قرن، وهو ). لقد استطاع هذا التحالف، على مر العقود، تجاوز 34 التحالف بين إيران وسوريا( العديد من العقبات والأزمات، كما استطاع تحمّّل الضغوط الإقليمية والدولية لاسيما من قبل دول الخليج والولايات المتّّحدة، لكن مع رحيل نظام الأسد وصعود إدارة سورية جديدة تتبنى نظرة سلبية تجاه إيران باعتبارها سببا رئيسيا في تدمير البلاد وبقاء النظام في السلطة لأكثر من عقد، أصبح هذا التحالف في حكم المنتهي. أســفرت الإطاحة بنظام الأســد كذلك عن تقويض إســتراتيجية إيران في المنطقة، المعروفة بعقيدة الدفاع المتقدم، حيث كانت سوريا تمثل منصة انطلاق رئيسية لنفوذ إيران، خاصة تجاه لبنان وشرق البحر المتوسط، وتمكنت إيران من خلاله من دعم حــزب اللــه، الذي اعتُُبر في مرحلة من المراحل أحد أكبر إنجازات إيران الإقليمية. ومع انهيار نظام الأســد والضربة التي تلقاها حزب الله في لبنان من قبل إســرائيل، يكون المحور الشــيعي بقيادة إيران والذي يضم العراق وســوريا ولبنان واليمن، قد تفكّّك بشكل كبير على المستوى الجغرافي والسياسي والمالي والعسكري، مما يدفع باتجاه إعادة تشكيل العلاقات بين هذه الدول على أسس جديدة تتماشى مع تراجع دور ونفوذ وقوة إيران الإقليمية. وبموازاة ذلك، يبدو أن التحالف الإيراني-الروســي الذي كان قائما في ســوريا قد تفكك مع اتجاه موسكو إلى اعتماد إستراتيجية مختلفة خلال المرحلة الحالية، تحاول من خلالها الحفاظ على ما تبقى لها من نفوذ في سوريا عبر الاعتراف بالوضع القائم، ومحاولة بناء الجسور مع الحكومة السورية الجديدة، وعرض إمكانية المساعدة بناء على المصالح المشــتركة، وهو ما قد يتوافق مع طريقة تعامل الحكومة الجديدة مع موســكو بالمقارنة مع طريقة تعاملها مــع طهران والتي بدت أكثر حدّّة وحزما لعدة أسباب.
| 28
ينظر الســوريون بشكل ســلبي كبير تجاه إيران ودورها في سوريا، سواء تعلق الأمر باتهامها بمساعدة النظام على البقاء، أو المشاركة في جرائم ضد الشعب السوري، أو في نقل الصراع الطائفي والأجندة الطائفية بشكل حاد إلى سوريا ذات الغالبية السنية، فضلا عن أن إيران هي من دعت موســكو إلى التدخل عســكريا في سوريا باعتراف ). ويبدو أيضا أن مكانة روسيا كقوة دولية ودولة 35 المســؤولين الإيرانيين أنفســهم( عضــو دائــم في مجلس الأمن، مهمة لدى القيادة الجديدة في دمشــق، أملا في أن تلعب موسكو دورا موازنا في حال انقلاب المعسكر الغربي ضد الحكومة السورية أو حاولوا ابتزازها لاحقاًً. وتأمل روسيا من خلال بناء علاقات مع الحكومة الجديدة؛ أن تحافظ على ما تبقى من نفوذها، بالإضافة إلى إمكانية بناء جسور أو تفاهمات مع الولايات المتّّحدة حول سوريا الجديدة، وفي حال فشل هذا الخيار فبإمكان موسكو العودة دوما إلى اتّّباع سياسات أكثر انحيازا إلى المنظور الإيراني. وبموازاة ذلك، فقد أدّّى سقوط نظام الأسد إلى تعزيز التحالف القائم عمليا بين تركيا ، والذي يعتبر حاليا من التحالفات الأكثر اســتقرارا ومتانة في 2014 وقطر منذ العام ). فعدا عن التكامل في الأدوار الإقليمية، 36 الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين( فإن عودة سوريا إلى العمق العربي ترفع من احتمال توسيع دائرة هذا التحالف تبعا لتقاطع المصالح مع الدول الأخرى المعنيّّة، لاسيما السعودية. فقد أدّّى انهيار نظام الأســد إلى زيادة الشــرخ الذي حصل بين التحالف الذي كان قائما بين الســعودية والإمارات ومصر إبّّان فترة الثورات العربية، والذي كان يُُعرف باسم محور الثورات التي 2021 المضادة. تفكك هذا المحور إلى حد كبير بعيد المصالحة الخليجية عام تم تدشينها باتفاق سعودي-قطري أدى فيما بعد إلى اتجاه أعضاء هذا التحالف إلى تفضيل أولويات مختلفة على الصعيد الإقليمي، مع الإبقاء على موقفهم المشترك فيما يتعلق بالتطبيع مع نظام الأســد في ســوريا. لكن مع الإطاحة بنظام الأســد، انتقلت الســعودية بشكل سريع من التطبيع إلى الاعتراف بالنظام الجديد وتبنيه ودعمه، مما يجعل الرياض في هذا الســياق أقرب إلى تركيا وقطر. في المقابل، تبنت الإمارات ومصــر موقفا حذرا من التغيير ومترقّّباًً، وهو يجعلها أقرب إلى المواقف الغربية في المرحلة الحالية. هذا التشكّّل في المواقف بين التحالفات الإقليمية القديمة والجديدة إزاء الوضع في سوريا وما يصاحبه من تحوّّل في موازين القوى؛ يعني أن الكفّّة بدأت تميل لصالح
29 |
الدول التي توصف بأنّّها تمثّّل الثقل الإسلامي- السنّّي في المنطقة (هكذا يُُنظر إليها غربيا وإن لم تصف نفســها بهذا الأمر). يفتح هذا التحوّّل في التحالفات وموازين القوى الباب أمام إمكانية حصول تقاطع مصالح علني أو سرّّي بين الدول التي تمثّّل الاتجاهات الأقلّّوية في المنطقة، ســواء الطائفية أو الدينية أو العرقية، على مســتوى الدول كإيران أو إســرائيل، أو على مستوى الجماعات. السوابق والشواهد التاريخية للتقاطع في المصالح بين إيران وإسرائيل سواء في حقبة الشاه أو في حقبة المرشد الأعلى والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لاســيما إبّّان الحرب ضد العراق، تعزّّز من .) 37 إمكانية حصول مثل هذا الأمر( وفقــا لعدد من التصريحات الصادرة عن مســؤولين فــي كلا البلدين، بالإضافة إلى النقاشــات الداخليــة التي تجري، فإن إمكانية حصول مثل هــذا التلاقي فيما يتعلق بالموقف من سوريا الجديدة عال وإن لم يشر أي من الطرفين علنا إلى الطرف الآخر كحليــف محتمــل. الهدف من ذلك هو إعادة التوازن فــي موازين القوى الإقليمية، بالإضافة إلى خدمة مصالح وأولويات الطرفين، لا سيما فيما يتعلق بتقويض الصعود التركي أو الاســتفادة التركية من الوضع الســوري، وتقويض إمكانية صعود ســوريا كدولــة عربية موح ّّــدة، قوية، قادرة، ومزدهرة، وأخيــرا البحث عن منافذ أو فرص محتملة لاســتعادة النفوذ وتعزيزه. وبهذا المعنى، فإن التلاقي بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي قد يتم عبر السعي إلى تحقيق نفس الهدف، وهو تقويض الوضع القائم، أو من خلال دعم نفس المليشيات، أو من خلال تبني نفس السياسات. على المســتوى الدولي، هناك رغبة لدى الدول الغربية بشــكل عام في ملء الفراغ الذي أحدثه سقوط الأسد، بالإضافة إلى الرغبة في إعادة تشكيل سوريا الجديدة بما يتماشــى مع التوجهات الغربية، أو على الأقل بما لا يتناقض معها. تاريخياًً، كانت علاقات سوريا بالمعسكر الشرقي قوية، لا سيما في عهد حزب البعث، وقد استمر الوضع على هذا الحاله بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث اهتم نظام الأسد بتمتين ، 2011 علاقاته مع روسيا والصين وكوريا الشمالية. وبعد اندلاع الثورة السورية عام أصبحت علاقات ســوريا مع روســيا والصين وكوريا الشمالية أكثر أهمّّية، خصوصا على المستوى السياسي والأمني. ومع الإطاحة بنظام الأسد، سعت العديد من الدول التي تقف على طرفي نقيض مع كل من طهران وموســكو وبكين، وبيونغ يانغ، إلى إيجاد موطئ قدم لها في ســوريا
| 30
الجديدة من خلال نسج علاقات دبلوماسية مع الحكومة الجديدة، أو إنشاء علاقات جديدة. ومن أبرز هذه الدول: أذربيجان، وأوكرانيا، واليابان، وكوريا الجنوبية. خامسا: سيناريوهات مستقبلية (أ) سوريا مستقرة نسبيًّّا في سيناريو سوريا مستقرة نسبيًّّا وتتقدّّم على المسار الصحيح، فإن معظم التحوّّلات التي تمّّت مناقشــتها في النص سابقا ستتعزّّز. يفترض هذا السيناريو أنّّه سيتم تجاوز معظم التحدّّيات الرئيســية التي تواجه البلاد والحكومة الجديدة بنجاح، وهذا يعني أنّّه ســيتم التصدّّي للوضع الاقتصادي الملح للحكومة والشــعب السوري من خلال المساعدات التي ستتلقّّاها سوريا من الدول الحليفة والصديقة بالدرجة الأولى، ومن خلال إطلاق عملية إعادة الإعمار وبناء مؤسســات الدولة، وأخيرا من خلال تحرير موارد البلاد الاقتصادية والاستفادة منها في إعادة بناء الاقتصاد. على المســتوى السياسي، يفترض السيناريو أن المرحلة الانتقالية ستسير في الاتجاه الصحيح بشــكل يســاهم في إعادة بناء مؤسســات الدولة، مع الحرص على تفادي الصراع مع الأقليات أو المكوّّنات المختلفة في إطار سياســة احتواء، تمهيدا لإعادة إشراك المكونات السورية بشكل فعّّال في الشأن العام السوري. أمّّا على المســتوى الأمني، فيفترض السيناريو أن تحسّّن الوضع الاقتصادي والتقدّّم على المستوى السياسي سيساعدان في تحقيق استقرار أمني وضبط السلاح المنفلت إلى حد كبير، خاصة مع تعزيز الاتفاقات التي تمّّت بخصوص حل فصائل المعارضة المســلّّحة وجمع الــسلاح وبناء جيش وطنــي محترف وحــل التنظيمات الأخرى قوات ســوريا " المســلّّحة بناء على الاتفاقات التي تمّّت معها، ومن بينها الاتفاق مع -الفرع الســوري من حزب العمال " واي بي جي " التي يشــكّّل تنظيم " الديمقراطية الكردستاني- عمودها الفقري. انعكاسات هذا السيناريو على وضع سوريا الداخلي والإقليمي، وعلى موازين القوى، والتحالفات الإقليمية والدولية، ســيكون بمثابة اســتكمال للخط الحالي. إعادة بناء ســوريا ومؤسساتها تفتح الباب واسعا أمام عودة سوريا إلى العمق العربي. تاريخياًً، فإن ســوريا قوّّية تعزّّز من العمق الجيوسياسي والاقتصادي لكل من مصر والأردن، وكلتاهما تعزّّز من عمق الخليج الجغرافي والأمني والدفاعي.
31 |
وبالنظر إلى خصوصية تركيا في الوضع الســوري، فإن ســوريا مســتقرّّة نسبيًّّا تخدم مصالح أنقرة بشــكل مثالي من الناحية السياســية والاقتصادية والأمنيّّة، كما تشــك ّّل الجسر البرّّي الذي يصل تركيا بالأردن ومنه إلى السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، وهو -ممر بخلاف الممر العراقي- صار خاليا تماما من أي نفوذ إيراني. تعظّّم هذه المعطيات من قدرات تركيا كقوّّة إقليمية في الشرق الأوسط، كما تعزز من موقع ودور دول مجلس التعاون الخليجي، وتقوّّض في نفس الوقت من نفوذ إيران وإســرائيل، ولذلك فإن احتمال نشــوء تقاطع مصالح بين الطرفين سواء لمنع صعود سوريا أو لتقويض موقع ودور تركيا أو للحد من التفاعل الخليجي مع دمشق؛ سيكون ). آليات إيران وإسرائيل في تحقيق هذه الأهداف 38 عالياًً، كما هو عليه الحال الآن( )، لا 39 قد تكون مشــابهة إلى حد بعيد، وهي تعتمد بشــكل أساسي على التخريب( ســيما فيما يتعلق بتبني ودعم أقليات طائفية (علوية، درزية)، أو عرقية (كردية)، مع أفضلية لصالح الجانب الإسرائيلي في هذا السيناريو نظرا للعامل الجغرافي من جهة، والقدرات العسكرية من جهة أخرى. لكن مع تعزيز المصالحات الداخلية في ســوريا والتوافق مع الأقليات ســيصبح من الأصعــب على إيران وإســرائيل اســتغلال الأقليات وتوظيفهــا، وإن لم يكن ذلك مســتحيلاًً. لكن هذا المُُعطى يطرح تســاؤلا حول الكيفية التي ســيتم بها تقويض الوضــع، وقد يتضمن ذلــك حالات اغتيال، بما فيها اغتيال رئيس الجمهورية أحمد الشرع، أو تشجيع انقلاب داخلي، أو تكثيف عمليات التحريض على الفتنة والاقتتال الداخلي، أو استكمال لعمليات الضم والقضم والاحتلال في الحالة الإسرائيلية، على أمل أن يؤدي ذلك إلى ولادة شرخ داخلي بين من يريدون التركيز على بناء الدولة الســورية ومؤسســاتها واقتصادها، وعلى من يريدون إعطاء الأولوية لتحرير الأرض الســورية المحتلة أو مقاومة إســرائيل. والمفارقة أنّّه إذا ما قامت إسرائيل بالمبالغة في استخدام الخيار الثاني، فهذا الأمر قد يفتح نافذة لإيران مستقبلا للنفاذ منها إلى الداخل الســوري وإنشاء أو دعم جماعات مســلّّحة بحج ّّة مقاومة إسرائيل، لتحوّّل ســوريا مع الوقت إلى ما كان عليه حال لبنان تحت ســيطرة حزب الله حتى نهاية . 2024 العام على المســتوى الدولي، يفترض هذا الســيناريو أن الدول الغربية توص ّّلت إلى حد أدنى من التفاهم مع القيادة الجديدة، مما سمح برفع العقوبات وإطلاق عملية إعادة
| 32
بناء المؤسســات السورية وإعادة إعمار البلاد، مقابل تعزيز مصالحها وتوجهاتها، لا ســيما من الناحية السياســية والاقتصادية والأمنيّّة. وهذا يعنــي أن المصالح الغربية ستطغى على مصالح روسيا والصين في سوريا المستقرة، لكن محاولة عزل الدولتين الكبريين، خاصة روسيا، قد تدفعها إلى معسكر تقاطع المصالح مع إيران وإسرائيل على المســتوى الإقليمي. ولذلك، فإن دواعي الاســتقرار ستتطلب نوعا من التوازن في العلاقات بين روسيا والصين وبين الغرب، أو على الأقل إبقاء العلاقة قائمة مع الدولتين بمستوى جيد لاستغلالها لاحقا في إحداث توازن مع المعسكر الغربي. (ب) سوريا دولة فاشلة في سيناريو آخر، تفشل الحكومة السورية الجديدة في الانتقال بشكل صحيح بالبلاد إلى مســتوى يؤمّّن الاستقرار النسبي، وذلك لعوامل داخلية و/أو خارجية. من أبرز هذه العوامل في هذا الســيناريو عدم القدرة علــى تأمين الوضع الاقتصادي المُُلح، وعدم توافر الموارد اللازمة لصرف رواتب موظفي الدولة، وارتفاع التضخم، وعدم قــدرة الدول الحليفة والصديقة على تحويل وعودها إلى واقع، وبقاء العقوبات إلى حد كبير واســتخدامها كأداة ابتزاز لإعادة تشــكيل الوضع السوري غربياًً، بالإضافة إلى استمرار التحريض الطائفي والعرقي من قبل إيران وإسرائيل والولايات المتحدة وروســيا ودعوة الأقليات في الشــمال والجنوب (العلويــة والكردية والدرزية) إلى الاســتقلال عن السلطة المركزية، وعدم قدرة الأخيرة على بسط سلطتها على كامل الأراضي الســورية نظرا لهذه العوامل، بالإضافة إلى اســتمرار إســرائيل في قصف القدرات العسكرية السورية للتأكد من عدم قدرة الحكومة على السيطرة على كامل الأراضي السورية. وينعكــس الوضــع الاقتصادي المتردّّي وعدم قدرة الحكومة على بســط ســيطرتها ومقاومة التدخلات الخارجية؛ على الوضع السياسي، وتاليا على الوضع الأمني في البلاد، بحيث يصبح من الصعب السيطرة على الأوضاع الأمنيّّة، لا سيما في مناطق الأطــراف، مع تزايــد المطالب المتعلقة باقتطاع ثروات من مــوارد البلاد للأقليات الطائفية والإثنية، فيؤدي استفزاز الأقلّّية المدعومة من الخارج إلى استنفار الأغلبية، مما يُُطلق موجات من العنف والتطرف.
33 |
يؤدي هذا السيناريو إلى تحوّّل في موازين القوى الإقليمية في الاتجاه المعاكس لما هو حاصل حالياًً، إذ يعزز الانقســام الداخلي والمحاصصة السياســية ويفتت البلاد إلــى كانتونــات طائفية أو عرقية بدعم خارجي إقليمــي ودولي. ويفتح هذا الوضع الباب واســعا أمام التدخلات الخارجية وإمكانية عودة النفوذ الإيراني وزيادة النفوذ الإســرائيلي في البلاد، كما يفتح الباب على الصــراع بين القوى الإقليمية والدولية لتحديــد مناطــق نفوذها ونطاق مصالحها. تتدخ ّّل القوى الكبرى لضمان موطئ قدم لها في ســوريا بدعوى حماية الأقليات ومحاربــة الإرهاب والتطرف وملء الفراغ، فالولايات المتّّحدة ســتتدخل لحماية حزب العمّّال الكردســتاني الذي سيعيد تنظيم صفوفه في ســوريا لاقتطاع الشــمال الشــرقي ككيان أمر واقع، وإسرائيل ستتدخل لـ ّة، وقد تقضم المزيد من � بدعــوى حماية الدروز على الحدود من فلســطين المحت الأراضي أو تعطي الجنســية الإســرائيلية لعدد من الدروز مقابل امتيازات يتم منحها لهم، وإيران ستتدخل بدعوى حماية الشيعة والعلويين، وبما أنّّهم لن يكونوا قادرين على الســيطرة على كامل سوريا فســيطالبون بانفصال أو إدارة مستقلة وفيدرالية في أحسن الأحوال، وفرنسا والاتحاد الأوروبي سيتدخلان لحماية المسيحيّّين. في هذا الســيناريو يبني الجانب الإيراني شــرعية تدخ ّّله على ســردية حماية الأقلية الشيعية والعلوية، ويحاول أن يجعل أجندته منسجمة مع الاتجاه الغربي والدولي في محاربة الإرهاب والتطرف ليحصل على شــرعية للتدخل، وسيتجاهل إسرائيل تماما كي لا يستعجل مواجهة مبكّّرة أو فيتو على نشاطاته في سوريا. وبموازاة العمل على تنظيم ودعم الطائفة الشيعية والعلوية، يبدي الجانب الإيراني انفتاحه على مفاوضات حول برنامجه النووي و/أو قضايا أخرى تتعلق بترسانة صواريخه وسياساته الخارجية لكسب الوقت وإعادة وصل ما انقطع في الساحة اللبنانية، من خلال إعادة بناء قدرات حزب الله وتاليا باقي المليشيات الشيعية في سوريا والعراق واليمن. وتتحول سوريا في هذا السيناريو من فرصة ومصلحة تركيّّة إلى أعظم تحد لأنقرة من الناحية الأمنيّّة والاقتصادية. ويترك مثل هذا السيناريو تداعياته على الوضع السياسي التركي الداخلي وعلى مســتقبل تركيا، ويجبر أنقرة على التدخل عســكريا خوفا من اســتغلال الوضع القائم لإنشــاء دويلات على حدودها الجنوبية، أو تعزيز تمركزها العســكري الموجود فــي البلاد، مما يفتح المجال أمــام إمكانية حصول صدام مع المليشيات المدعومة من الخارج أو مع الدول الراعية لها داخل سوريا.
Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200Made with FlippingBook Online newsletter