87 |
مقدمة مثََّل ســقوط نظام الأســد في ســوريا لحظة فارقة في تاريخ الشــعب السوري، بعد تجربة قاســية ودموية في مواجهة منظومــة قمعية أوغلت في دماء وأعراض وأموال الســوريين وانتهكت أبســط حقوقهم وحرياتهم. وبمجرد انهيار النظام بدأ الحديث وضرورة تفعيل المحاســبة للمتورطين " العدالة الانتقالية " عــن الانتصاف للضحايا و في ارتكاب الجرائم والانتهاكات الجسيمة. وربما يكون ملف تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا في ســوريا الجديدة من أصعب الملفات وأكثرها تعقيدًًا وتشابكًًا، يعود ذلك لجملة من الأسباب تتلخص في العدد الهائــل من الضحايــا ومدى القدرة علــى الإنصاف وجبر الضــرر، وتنوع أصناف الانتهاكات والجرائم الجســيمة المرتكبة، وطول فترة الانتهاكات التي تعود لعشرات السنوات، وامتداد الانتهاكات والجرائم على طول وعرض الجغرافيا السورية، وكثرة عدد المتورطين وفرار كبار المســؤولين عن الانتهاكات الجســيمة، وكشف الحقيقة والإثبــات وكفــاءة وأهليــة أجهزة إنفاذ القانــون للتعاطي مع هــذا الملف الضخم والقيام بالإجراءات الواجبة بموضوعية وشفافية، وإرادة الصفح المقبول والمصالحة مع الماضي في ســبيل السلم الأهلي والتنمية؛ مما يبين أهمية الموضوع والإشكالية التنفيذية المتعلقة به. نستعرض في هذا البحث مفاهيم قانونية تتعلق بالعدالة الانتقالية وتجارب لها والعدالة الجنائية على أساس المسؤولية الجنائية الشخصية، ونبيِِّن مفهوم الانتصاف للضحايا وسيادة القانون ومنع الإفلات من العقاب على مستوى القضاء الوطني بالتكامل مع القضــاء الدولي عن الجرائم الجســيمة والانتهــاكات الممنهجة المرتكبة على نطاق واســع في ســوريا والتحديات التي تواجهها، فحتى الآن لم يُُقر نظام قانوني نستطيع معه محاكمة نظام سياســي عن جرائم ارتُُكبت في عهده وتبقى المســؤولية الجنائية مســؤولية شــخصية باعتبار أن الممارسات يقوم فيها أفراد سواء من تلقاء أنفسهم أم بناء على توجيهات وأوامر من مرؤوسيهم والمسؤولين عنهم. قبل ذلك نتحدث بعجالة عن انطلاق الثورة السورية من ثورات الربيع العربي بمواجهة الطغيان لنظام شمولي مستبد توارث السلطة في دولة نظام الحكم فيها جمهوري من
Made with FlippingBook Online newsletter