تغطية الجزيرة للحرب الروسية الأوكرانية

ذلك، خاصة حينما تصاحبها عواصف ورياح وثلوج كثيفة كانت تجعل الشخص الواقف أمام الكاميرا يتسمَّر رغم كل طبقات المالبس التي يرتديها. كنت أحيانا أصل إلى حد عدم الشعور بوجهي الذي كان يبدو كأنه أصيب بالشلل من شدة البــرد. أذكر يوما، وأنا في ضواحي مدينــة ماريوبول، أني اضطررت إلى إعادة تســجيل الوقفة أمام الكاميرا نحو عشــرين مرة، إذ لم أكن أقوى على أن أُطبق الفك العلوي على الفك السفلي، أو أن أنطق مخارج الحروف على نحو سليم من شدّة البرد الزمهرير. وهكذا كان الحال في خاركيف بشمال شرق أوكرانيا، التي دخلتها وهي خاوية على عروشــها تحت قصف صاروخي ومدفعي شديد، ووسط عاصفة ثلجية أعاقت تحركنا. كان الدخــول إلى مدينــة خاركيف يتطلب كثيرا من الجرأة واالســتعداد والتحضير المسبق، فضال عن التغلب على خوف المساعد والسائق األوكرانييْن اللذين رفضا بادئ األمر التوجه إلى هذه المدينة المنكوبة. توجهنا يومها من مدينة دينبرو شماال إلى خاركيف، وال أبالغ إن قلت إننا كنا وحدنا من يســلك الطريق إلى الشــمال صوب خاركيف بينما كانت الجهة المقابلة للطريق الرئيســي نحو دينبرو جنوبا تزدحم بسيارات وحافالت الفارين منها بسبب الحرب الدائرة هناك. أن تدرك أنك تزج بنفسك في ميدان المعركة بينما يهرع اآلخرون هربا وخوفا على حياتهم هو بحد ذاته مبعث خوف. عندما دخلنا إلى خاركيف واجتزنا أول حاجز عســكري كان مشهد الدمار هو الطاغي.. شــوارع فارغة تماما من المارة إال من بعض األفراد هنا وهناك. أينما وليت نظرك تجد محال تجارية مدمرة ومنازل اشتعلت فيها النيران. هل هذه هي خاركيف التي دخلتها قبل الحرب ببضعة أيام وكانت تضج بالحياة والناس وصخب السيارات؟ أرى أمامي مدينة أشباح، رائحة الموت والنار تنبعث من كل مكان.. ســيارات متفحمة على قارعة الطريق، زجاج نوافذ متناثر في كل حدب وصوب، مياه متجمدة في أنابيب أصابها القصف. بالنســبة لي كان الوصول إلى خاركيف بحد ذاته إنجازا صحفيا كبيرا في أيــام الحــرب األولى، لذلك لم أفكر كثيرا في الخوف أو الموت، بل في كيفية الظهور سريعا على الهواء لنقل أهوال ما كانت عيناي تراه إلى العالم كله. لقد

10

Made with FlippingBook Online newsletter