توجه رتل روســي كبير إلى باشتنكا، فتركه الجيش األوكراني يعبر الجسر المؤدي إلى المدينة ثم أوقعه في كمين دمر العديد من آلياته ومعداته العسكرية، وبقي بعض هذه القوات في المدينة ال يدري ماذا يفعل، في حين توجه -أو إن شــئت الدقة فقل هرب- بعض آخر إلى القرى المحيطة. أقول هرب ألنه ليس من المتصور أن تكون تلك القرى الفقيرة النائية غير االســتراتيجية ذات الطرق الوعرة هدفا للجيش الروسي يستحق السيطرة عليه. لقد شــاهدنا آثار اآلليات الروســية المدمرة، ورأينا الخنادق التي حفرها الجنود لحماية أنفسهم من القصف األوكراني، وعاينا ما تركوه خلفهم من أمتعة وأطعمة وجثث لم يتمكنوا من دفنها فقام القرويون بدفنها قرب آلياتهم المدمرة. وعند انسحابهم، بعد نحو أسبوعين من القتال، أخبرنا القرويون عن مشاهدتهم لكثير من الجنود الروس وهم يبكون، ويشــتمون قادتهم، ويتهمونهم بتزويدهم بأسلحة قديمة، وبأنهم دفعوهم إلى المعركة من دون خطة، كما تحدث القرويون األوكرانيون إلينا عن جنود روس آخرين سرقوا سيارات هؤالء القرويين ليهربوا بها بعد أن دُمّرت عرباتهم. كانت مشاهد مؤلمة ومؤثرة ومعبرة. هو يوم عودتنا إلى إسطنبول. 2022 كان الســابع عشــر من أبريل/نيســان وللمفارقــة، كان طريق عودتنا ســهال مقارنة بما كان عليــه الحال يوم قدومنا، فتحركنا من أوديســا إلى المعبر الذي قدمنا منه، وكان الطريق شبه فارغ، حيث اختفت طوابير ســيارات الهاربين التي كنا قد شــاهدناها، وفي المعبر لم يكن أمامنا ســوى نحو ســبعة أشخاص، وبعد أقل من عشــرين دقيقة كنا قد اجتزنا الحــدود الملدوفية، ولــم نُضطر إلى التوجه إلى رومانيــا، فقد فتحت ملدوفيا مجالها الجوي، وخالل ساعتين ونصف كنا في مطار عاصمتها كيشيناو. لقد عدت من هذه الرحلة وهذا السؤال يدور في ذهني: تُرى هل فوجئت روســيا فقط بحجم المقاومــة األوكرانية التي تصدت لهــا؟ أم أن األوكرانيين أنفسهم فوجئوا بأنفسهم، وبما أظهروه من بسالة وما أبدوه من شجاعة؟
44
Made with FlippingBook Online newsletter