الديار.. هي الحسرة نفسها.. أما األطفال ففرحتهم ال توصف، يظنون أنهم في رحلة أو نزهة خارج الديار.. مندهشــون وسعداء، وال يفقهون من الحرب شيئا سوى السفر والترحال، وهو متعة لكل األطفال منذ نعومة أظفارهم. فارق كبير بيــن الجد والحفيد، األول حزين وبائس وقلــق من هذه الرحلة التي يخوضها والثاني ال تفارقه الفرحة. اقترب موعد مداخلتي األولى، بدأ المصور لف وتغطية الكاميرا بالبالستيك حماية لها من المطر الذي لم يهدأ طوال الليل. قبل المداخالت بدقائق، وكما هي العادة، تم التأكد من الصورة والصوت وجاهزيــة األمــور الفنية.. اتفقت مع مصوري اإلســباني على أن أتحرك ليرى المشــاهد الموقع ونقــرب الصورة أكثر، وبالفعل تحركت لكن الشــبكة كانت أضعــف من المطلــوب، لكوننا على الحدود، فكانت جودة الصورة أقل.. لكن علــى كل حــال توالت المداخــ ت طوال اليوم، وكان ظهوري على الشاشــة بحســب التطورات وما تستدعيه الحاجة وبالتشاور مع غرفة األخبار. وأذكر أن المطر في ذلك ما فتئ ينهمر، وأن البرد كان قارسا لدرجة لم أتحملها، خاصة أنني ممن يحبون الصيف والشــمس. كنت أرتدي ما يكفي من المالبس، لكني أثناء بقائي في المعبر ســاعات، شــعرت بأني بحاجة إلى المزيد منها، وهذا ما بــدأت أفعلــه في األيام التالية، ارتديت قفازين وطاقية وجوربين أو ثالثة... كل ذلك ألبقى دافئة وأســتطيع التركيز في أفكاري ومعلوماتي؛ فالبرد بالنســبة لي يجمد كل شيء حتى األفكار. أثناء عملي غطيت حاالت لجوء ونزوح كثيرة سواء في العراق أو سوريا، غير أن ما شــاهدته مــن لجوء األوكرانيين إلى بولنــدا كان مختلفا. لقد كانت إجراءات وصولهم إلى بولندا يســيرة، والتعامــل الذي قوبلوا به هناك رحيما.. رأيت ذلك وقارنته بالتعامل الذي لقيه الالجئون العراقيون والسوريون من أغلب الدول التي استجاروا بها فشعرت بغصة في الحلق وتساءلت: أليسوا جميعا بشرا؟ الســلطات البولندية ومنذ أول أيام الحرب الروســية على أوكرانيا فتحت جميع حدودها ومنافذها أمام األوكرانيين حتى بدون جواز ســفر، واســتنفرت
57
Made with FlippingBook Online newsletter