من كل ذاك التعب. إنه الحب. نعم الحب الذي كان الســمة الظاهرة عند معبر ميديكا، حب اإلنســان، ومحبة تقديم المساعدة إليه دون مقابل كان ملفتا جدا. أتذكر ســيدة مســنّة متطوعة كانت تســتقبلني بوجبة إفطار، وسيدة أخرى كانت تقدم لي وردة عندما تراني أنتظر موعد مداخلتي، وال أنســى فتاة كانت تأتيني بفنجان قهوة أو شــوكوالتة ســاخنة، وأخرى تدعونــي للجلوس والتدفئة قليال تحت كشكها الذي تقدم فيه بعض المساعدات، وعندما يرى شخص أننا نعاني من مشــكلة في تدبر مكان لحماية الكاميرا أو جهاز البث أثناء اشتداد األمطار، يحاول مساعدتنا بحمل المظلة أو الحقائب... ربما ال أكون مبالغة إن قلت إن ما كان يحدث من تعاطف إنساني عند ذلك المعبر يذكرنا بما قرأناه عن المدينة الفاضلــة.. الكل كان للكل هنا، ولقد شــعرت وهلة أنــي ضمن عائلة واحدة. إن هذا الحس اإلنســاني المكثف كان يخفف بشــكل جلي من إرهاقي وتعبي، ســاعة في العمل 16 حتى إنني في بعض األيام كنت أنســى أني قضيت نحو ، على " ميديكا الفاضلة " المتواصــل.. حقا ال أجد وصفا لهذا المكان أقرب من غرار المدينة الفاضلة التي كانت أحد أحالم الفيلســوف أفالطون، والتي تخيل أن يجــد فيها المواطن والمقيم والزائر أرقى وأكمل أنواع الخدمات بأســلوب حضاري وبإنسانية ال تنسى. ودعت المكان وأنا آمل توســع هذه المدينة الفاضلة أكثر لتشــمل العالم بأسره. في يومي األخير وجبت علي العودة إلى وارســو لبدء رحلة العودة إلى الديار، وكان البد لي من جولة أخيرة وســريعة في تلك المدينة العريقة الغنية بتاريخها وتراثها، مدينة العنقاء كما تُلقَّب، لشدة ما شهدته من حروب. المدينة من مبانيها، مثال الصمود في وجه % 80 الصامدة التي بنت نفسها رغم تدمير نحو الحروب والدمار. وارســو اليوم حاضنة، وبر أمان لألوكرانيين الذين يخوضون حربا ال يعرف أحد متى تنتهي وال كيف سيحل محلها السالم مجددا.
61
Made with FlippingBook Online newsletter