كان الهجوم قد باغتني أنا شخصيًّا؛ إذ كنت في القطار حينها متوجها من كييف إلى ماريوبول مساء الثالث والعشرين من فبراير/شباط، و كان من المفترض أن يصل القطار عند الســاعة الثامنة أو التاسعة صباحا إلى ماريوبول، لكن الهجوم بدأ فجر الرابع والعشرين... استيقظت على طنين الهاتف الذي كان ال يتوقف، وكنــت أظــن أنني بين الصحو والنوم، ثم رأيت القطار يتحرك جيئة مرة وذهابا مــرة أخرى، وما إن اتضح الخبر حتى اســتقر رأي قائــد القطار على أن يعود أدراجــه إلى نقطة أبعد من ماريوبول تبعد عنهــا أربعين كيلومترًا. هنالك قررنا مغادرة القطار في مكان ال نعرف جغرافيته، وال نتحدث لغته، وليس معنا أحد. ، نسق لنا " ساشا " فقد كان االتفاق أن يســتقبلنا منتج محلي من ماريوبول اســمه مكان اإلقامة ووسيلة للتنقل، وكنت أتواصل معه وأنا في القطار لمعرفة ما لذي يحدث هناك وما إذا كانت ماريوبول، كما أظهرت الصور الحقا، تُدك برًّا وبحرًا وجوًّا. وقد حاولت القوات الروســية بشــتى الوسائل إجراء عمليات إنزال دون جدوى؛ كيف ال وقد كان في المدينة عشــرة آالف من مقاتلي ما يعرف بلواء آزوف الذين قاتلوا فعليًّا، كما تبين الحقا، حتى آخر رجل، وفيها اثنا عشر ألفا من مشاة البحرية األوكرانية، عدا المتطوعين في وحدات الدفاع الشعبي. تلك الساعات االثنتان والسبعون كانت ملحمية في تغطيتي بكل المقاييس، وإن كنت سأشــير اختصارا إلى بعض ما وقع فيها فإن التفاصيل ســأوردها في رواية أعكف عليها حاليًّا؛ أتحدث فيها عن يومياتي بوصفي صحفيا وإنسانا غطى الحرب في أوكرانيا. كمــا قلــت؛ نزلنا في مكان ال نتحدث لغتــه وال نعرف فيه صديقا، وكان تواصلي مع ساشــا محدودا؛ أطمئن عليه ســاعة، ويعطيني أخبارا عما يشاهده ساعة أخرى. ورغم أن المسافة كانت بعيدة فإنني كنت أسمع بوضوح أصوات االنفجارات التي لم تتوقف قادمة من ماريوبول؛ أسمعها بكل وضوح من هاتفي وأنا أتحدث مع ساشــا الذي كان ذلك آخر عهد لي به، وال أعرف حتى اآلن هل ال يزال على قيد الحياة أم أنه قتل مع من قتلوا! كنا نعوِّل عن مرافقنا األمني الذي شاء الله أال يسمح له بأن يستقل القطار معنــا ألنــه لم يتلق أي جرعة لقاح ضد فايــروس كورونا، واضطر إلى ركوب
85
Made with FlippingBook Online newsletter