بردًا وجوعًا وسط الغابة. كان هؤالء النشــطاء قد شــكلوا شبكة من السكان المحليين الذين يعرفون مداخل الغابة ومخارجها ينتظمون في ما يشــبه الدوريات بحثًا عن التائهين من الالجئين. والتيه في الغابة شتاء كما هو في الصحراء صيفًا يعني هالكا محققًا. كان حظ الالجئَيْن الســوريين طيّبًا فعثر عليهما أحد الســكان وهما على وشك الموت. تضمنت الرســالة التي توصلت بها خريطة تحــدد بدقة موقع العثور على الالجئين، وهو يبعد عن موقعنا مســير ســاعتين بالســيارة. كان علي أن أغالب التعــب بعــد يوم طويل، وأصعــب من ذلك، كان علي أيضــا أن أختار أفضل العبارات ألخبر زميلي المصور سمير بعد أن دخل غرفته متعبًا أن يومنا لم ينته بعد، وأن ليلة طويلة تنتظرنا. في الحقيقة لم أجد منه إال الترحاب رغم تعبه. ســقنا الســيارة ســاعتين، لنجد أنفســنا في مواجهة مشــهد مخيف. كان الشابان وأحسب أنهما في نهاية العشرينيات أو بداية الثالثينيات يرتجفان بردًا وتعلو وجهيهما زرقة مخيفة رغم الغطاء الذي تدثرا به. كان يحيط بهما نشــطاء وصحافيون ولم نلبث غير قليل حتى وصلت سيارة اإلسعاف ومعها سيارة حرس. بسرعة تمت اإلسعافات األولية، وكان البد من حملهما إلى المستشفى أم ًل في إنقاذهما. وهنا طلب النشطاء من الصحافيين مرافقتهما إلى المستشفى، فهم ال يأمنون الحرس وال الشرطة، وال يعلمون ماذا سيفعالن بالشابين إذا استفردا بهما. كانــت تلــك واحدة من قصص اللجــوء الحزينة، لكنها لــم تكن األكثر مأســاوية. فقد دُعينا في اليوم التالي لحضور صالة الجنازة على الجئ ســوري اســمه أحمد الحسن، في التاســعة عشرة من عمره، توفي غرقًا وهو يهم بعبور النهر الذي يفصل بين بيالروسيا وبولندا. وقد دُفن بعد أيام من وفاته في مسجد في قرية بوهوموكو المسلمة على حدود بولندا وبيالروسيا. ولتلك البلدة قصة تســتحق أن تروى، فأصولها المســلمة تعود إلى التتار
95
Made with FlippingBook Online newsletter