رؤية حول الأمن القومي الفلسطيني

رؤيـــــــة حــــــول

األمن القومي الفلسطيني المفهوم .. التحديات .. الفرص .. سبل التعزيز

عالء جمال النجار

أ

المحتويات بين يدي الكتاب ................................ ................................ .......................... أ مقدمة: ................................ ................................ .................................. 1 الفصل األول: األمن القومي الفلسطينيّ؛ مقاربة نظريّة مفاهيميّة ................................ .......... 7 1 . مقدمة ................................ ................................ ....................... 8 2 . األمن القومي: تعريفاته، مقارباته، مفاهيمه ................................ .................. 9 2 . 1 . مفهوم اﻷمن القومي ................................ ................................. 9 2 . 2 . اﻷمن القومي والمقاربات النظرية اﻷمنية ................................ ............ 10 2 . 3 . خصائص اﻷمن القومي ................................ ............................ 17 2 . 4 . أبعاد اﻷمن القومي ................................ ................................ 17 2 . 5 . مس تويات اﻷمن ................................ .................................... 18 2 . 6 . الفرق بين "اﻷمن القومي" و"اﻷمن الوطني" ................................ .......... 20 2 . 7 . المصالح القوميّة واﻷهداف القوميّة ................................ .................. 21 2 . 8 . التحدّيات والفُرَص اﻷمنيّة ................................ .......................... 22 2 . 9 . مقاربات الدول الص غرى لتحقيق أمنها القومي ................................ ........ 23 3 . األمن القومي الفلسطيني؛ مفاهيمه، ومرتكازته، وأبعاده .................................... 26 3 . 1 . الواقع الجيوسياسي الفلسطيني ................................ ...................... 26 3 . 2 . مارحل ت طور العمل اﻷمني الفلسطيني ................................ .............. 28 3.3 . مدى انطباق مفهوم اﻷمن القومي على الواقع الفلسطيني ............................. 28 3 . 4 . خصوصيات الواقع الفلسطيني ................................ ...................... 30 3 . 5 . الوِحدة المرجعِيّة لألمن الفلسطيني: اﻷمن لِمَن؟ ..................................... 32 3 . 6 . مفهوم اﻷمن القومي الفلسطيني ................................ ..................... 32 3 . 7 . المصالح الفلسطينية العليا ................................ .......................... 36 3 . 8 . مرتكازت اﻷمن القومي الفلسطيني ................................ .................. 38 3 . 9 . أبعاد اﻷمن القومي الفلسطيني ................................ ...................... 38 3 . 10 . تحقيق الدولة المستقلة هو جوهر اﻷمن القومي الفلسطيني ........................... 39 3 . 11 . فهم ا ﻷمن القومي الفلسطيني في ظل المقاربات اﻷمنية .............................. 40 3 . 12 . البيئة االستارتيجية الفلسطينية ................................ ....................... 41 4 . الخُالصة ................................ ................................ .................. 43 الفصل الثاني: تحدّيات األمْن القَومي الفلسطيني في الدائرتَيْنِ: الفلسطينيّة و"اإلسارئيليّة" ................ 49 1 . مقدمة ................................ ................................ ..................... 50 2 . تحدّيات األمن القومي الفلسطيني في الدائرة الفلسطينية .................................... 50 2 . 1 . االنقسام الفلسطيني وأزمة المشروع الوطني ................................ .......... 51

هشاشة النظام السياسي الفلسطيني ................................ ................. 52 الدور الوظيفي الذي تمارسه السلطة الفلسطينية حسب اتفاقيات أوسلو ................ 54 أزمة الهوية الوطنية الفلسطينية ................................ ..................... 55 غياب العقيدة اﻷمنية الوطنية الموحّدة ................................ .............. 56 الفساد في المؤسسات الفلسطينية ................................ ................... 57 الهشاشة االقتصادية وتردّي اﻷوضاع اإلنسانية ..................................... 58 التجزئة الجغارفية القسريّة للشعب الفلسطيني ................................ ........ 59 مشكلة العمالة والجاسوسية ................................ ......................... 59 فوضى السالح و"االنفالت اﻷمني" ................................ ................. 60

2 . 2 . 2 . 3 . 2 . 4 . 2 . 5 . 2 . 6 . 2 . 7 . 2 . 8 . 2 . 9 .

10.2 . 2 . 11 .

تحديات أخر ................................ ................................ ...... 62 3 . تحدّيات األمن القومي الفلسطيني في الدائرة "اإلسارئيلية" ................................... 63 3 . 1 . نظرية اﻷمن القومي "اإلسارئيلي": الهجوم وإخضاع اآلخرين ......................... 63 3 . 2 . التوسّع "اإلسارئيلي" المستمر لخدمة اﻷمن ................................ .......... 63 3.3 . السيطرة "اإلسارئيلية" على اﻷرض الفلسطينية ................................ ....... 65 4.3 . االختالل المفرط في ميازن القوة لصالح "إسارئيل" .................................... 67 5.3 . العنف "اإلسارئيلي" ضد اإلنسان الفلسطيني ................................ ......... 68 6.3 . الحصار الخانق لقطاع غزة وللتجمّعات الفلسطينية في الضفة الغربية ................ 68 3 . 7 . الهيمنة "اإلسارئيلية" على االقتصاد الفلسطيني ................................ ....... 69 8.3 . سياسات السيطرة االستعمارية ضد فلسطينيي الداخل المحتل ......................... 70 9.3 . السياسات "اإلسارئيلية" لتهويد مدينة القدس ................................ .......... 72 3 . 10 . التطوّر التكنلوجي الهائل لدى "إسارئيل" ................................ ............. 73 4 . الخُالصة ................................ ................................ ................... 75 الفصـــل الثالث: تحدّيات األمْن القَومي الفلسطيني في الدائرتَيْنِ: اإلقليميّة والدوليّة ....................... 83 1 . مقدمة ................................ ................................ ...................... 84 2 . تحدّيات األمن القومي الفلسطيني في الدائرة اإلقليمية ................................ ....... 85 2 . 1 . حول التركيب الجيوسياسي إلقليم الشرق اﻷوسط .................................... 87 2.2 . تفكك اﻷمن القومي العربي، وتحوله نحو اﻷمن القُطري .............................. 88 2 . 3 . التطبيع مع "إسارئيل" ................................ .............................. 89 2 . 4 . التعاون اﻷمني العربي مع "إسارئيل" ضد المقاومة الفلسطينية ........................ 90 5.2 . التدخالت اإلقليمية في الشأن الفلسطيني ................................ ............ 92 6.2 . غياب اﻷمن اإلنساني للفلسطينيين في الدول العربية ................................ 93 2 . 7 . ظاهرة الفكر المتطرّف ................................ ............................. 95 3 . تحدّيات األمن القومي الفلسطيني في الدائرة الدولية ................................ ........ 97 1.3 . الستارتيجي للفلسطينيين غياب الحليف الدولي ا ................................ ...... 97 3 . 2 . التحالف االستارتيجي بين "إسارئيل" والواليات المتحدة اﻷمريكية ...................... 98

التدخالت الدوليّة في القضية الفلسطينية ................................ ............ 99 تحديات ناشئة من طبيعة النظام الدولي ................................ ............ 102 تحديات ناجمة عن العولمة ................................ ........................ 105

3 . 3 . 3 . 4 . 3 . 5 . 3 . 6 .

التغير المناخي ................................ ................................... 107 4 . الخُالصة ................................ ................................ ................. 109 الفصـــل ال اربع: فُرَص األَمْن القَومي الفلسطيني ................................ ........................ 117 1 . مقدمة ................................ ................................ .................... 118 2 . فرص األمن القومي الفلسطيني في الدائرة الفلسطينية ..................................... 118 2 . 1 . العامل الديمُغارفي ................................ ................................. 119 2 . 2 . المقاومة الفلسطينية بأشكالها المتنوّعة ................................ .............. 121 2 . 3 . الشتات الفلسطيني، باعتباره فُرصة ................................ ................. 123 2 . 4 . الضعف، باعتباره فرصة ................................ .......................... 124 3 . فرص األمن القومي الفلسطيني في الدائرة "اإلسارئيلية" .................................... 125 3 . 1 . فشل "إسارئيل" في إنهاء وجود الفلسطينيين ................................ ......... 125 3 . 2 . عقدة الشرعية لدى "إسارئيل" ................................ ....................... 127 3.3 . معضلة "إسارئيل" الجيوستارتيجية ................................ .................. 127 3 . 4 . مأزق العقيدة العسكرية "اإلسارئيلية" ................................ ................ 128 3 . 5 . محدودية القدارت العسكرية "اإلسارئيلية" في المواجهات غير المتماثلة ................ 130 3 . 6 . تارجع دافعية المجتمع "اإلسارئيلي" للتضحية ................................ ........ 130 7.3 . التباينات والفجوات التي تعصف بالمجتمع في "إسارئيل" ............................. 131 3 . 8 . إلس ارئيلي" غياب االستقارر السياسي "ا ................................ .............. 133 4 . فرص األمن القومي الفلسطيني في الدائرة اإلقليمية ................................ ....... 134 4 . 1 . إلسالمي عمق استارتيجي كامن العالم العربي وا ..................................... 134 4 . 2 . العوائق في وجه التطبيع مع "إسارئيل" ................................ .............. 135 4 . 3 . الدعم اإليارني للمقاومة الفلسطينية ................................ ................. 135 5 . فرص األمن القومي الفلسطيني في الدائرة الدولية ................................ ......... 137 5 . 1 . البُعد الديني والقومي للقضية الفلسطينية ................................ ............ 137 5 . 2 . اتجاه النظام الدولي إلى نظام متعدد القوى ................................ ......... 138 3.5 . تارجع مكانة "إسارئيل" في الساحة اﻷمريكية ................................ ........ 141 5 . 4 . الحضور الدائم للقضية الفلسطينية في اﻷمم المتحدة ................................ 142 5 . 5 . تنامي حركة التضامن الدولي مع فلسطين ................................ .......... 144 6.5 . تداعيات الحرب الروسية – اﻷوك ارنية ................................ .............. 146 5 . 7 . آفاق العولمة ................................ ................................ ...... 147 6 . الخالصة ................................ ................................ ................. 149 الفصـــل الخامس: مبادئ مُوجِّهة وسُبُل مُقترَحة لتَعزيز األمن القومي الفلسطيني ........................ 157

1 . مقدمة ................................ ................................ .................... 158 2 . مبادئ أساسية موجِّهة لألمن القومي الفلسطيني ................................ ......... 159 1.2 . العتماد على الذات المبدأ اﻷول: ا ................................ ................. 159 2 . 2 . المبدأ الثاني: موازنة القوة خارجيًّا وداخليًّا ................................ .......... 160 2 . 3 . المبدأ الثالث: أولوية مقاومة االحتالل "اإلسارئيلي" .................................. 163 2 . 4 . المبدأ الاربع: المقاومة الشاملة ................................ ..................... 165 2 . 5 . المبدأ الخامس: إعداد "الدولة" للدفاع ................................ ............... 168 6.2 . إلنسانيّ المبدأ السادس: الموازنة بين متطلّبات اﻷمن الجمعي واﻷمن ا ............... 170 2 . 7 . المبدأ السابع: الوحدة الوطنية ................................ ...................... 173 2 . 8 . المبدأ الثامن: العمق االست ارتيجي الخارجي ................................ ......... 174 2 . 9 . المبدأ التاسع: الدبلوماسية في خدمة اﻷمن القومي .................................. 176 3 . سُبُل مُقترحة لتعزيز األمن القومي الفلسطيني ................................ ............ 179 3 . 1 . سبل التعزيز في الدائرة الفلسطينية: ................................ ................ 179 3 . 2 . إلس ارئيلية" سبل التعزيز في الدائرة "ا ................................ ................ 186 3 . 3 . سبل التعزيز في الدائرة اإلقليمية ................................ ................... 187 3 . 4 . سبل التعزيز في الدائرة الدولية ................................ .................... 189 4 . مسؤولية تطبيق هذه المقترحات ................................ .......................... 191 5 . الخُالصة ................................ ................................ ................. 192 الخاتمة: النتائج وال توصيات ................................ ................................ .......... 197 الم الحق ................................ ................................ ............................. 204 المصادر والمارجع ................................ ................................ .................... 210 المصادر والمارجع العربية ................................ ................................ 211 المصادر والمارجع اﻷجنبية ................................ ............................... 231 فهرس المحتويات ................................ ................................ ....................... ج فهرس الجداول ................................ ................................ .......................... ز فهرس األشكال التوضيحية ................................ ................................ .............. ز

فهرس الجداول جدول ( 1 . 1 ): مقارنة المفاهيم اﻷمنية بين بعض أهم المقاربات النقدية اﻷمنية ..................... 15 جدول ( 1 . 2 ): مقارنة المفاهيم اﻷمنية بين بعض النظريات والمقاربات اﻷمنية ..................... 17 جدول ( 1 . 3 ): الفرق بين المصالح القومية، واﻷهداف القومية .................................... 21 جدول ( 1 . 4 ): المقارنة بين أنواع المشكالت اﻷمنية ................................ .............. 22 جدول ( 1 . 5 ): تشتت الشعب الفلسطيني (أرضًا وشعبًا) ................................ ........... 27 فهرس األشكال التوضيحية شكل ( 1 . 1 ): توسيع وتعميق مفهوم اﻷمن في مدرسة كوبنهاجن ................................... 14 شكل ( 1 . 2 ): مستويات اﻷمن ................................ ................................... 19 شكل ( 1 . 3 ): الدوائر الجيوسياسية المؤثّرة على اﻷمن القومي الفلسطيني ........................... 42 شكل ( 3 . 1 ): إقليم الشرق اﻷوسط ................................ ............................... 85 شكل ( 3 . 2 ): خارطة العالم وفق نظريتي قلب اﻷرض، وحافة اﻷرض" ............................ 86 شكل ( 4 . 1 ): الدول التي تعترف "بدولة فلسطين" ................................ ................ 142

*

*

*

بيــن يــدي الكتــاب

اﻷُخَر الت شاءت اﻷقدار اإللهيّة أن أضع اللّمسات والتعدي لهذا الكتاب، وأن أكتب مقدّمتَه، ثم أدفع به ل لنشر؛ وأنا أعيش في ظروف غاية في الصعوبة، في غمار معركة "طوفان اﻷقصى"، حيث هدير الطائارت الصّهيونية، ودوي القصف المدفعي الغاشم، وأزيز الشظايا المتطايرة من حولي، وارئحة أشالء الشهداء المُنبعثة مِن بين رُكام البيوت المُدّمرة، وقد انقطعَت خدمات الكهرباء واالتصاالت واالنترنت عن الشعب المُحاصَر، وقد نَهَش التجويع أمعاءنا. وقد تردّدت بعض الشيء في نشره في هذا التوقيت، إِذ إنّها لمغامرة أن تكتب أو تنشر في خِضَم معركةٍ، لم تَظهر خاتمتُها بعدُ، ولم تُعرف تأثي ارتُها النهائيّة على فلسطين وأمنِها القوميّ، لكن ما شجّعني أمارن: األولُ : متعلّق بالكتاب ؛ فهو يدرس موضوعًا است ارتيجيًّا، مِن الصعب أن يتغيّر تغي ًاّر جوهريّا بين عشيّة وضُحاها؛ ولذلك مهما تكُن نتائج هذه المعركة كبيرة ومُؤثرة في البيئة االستارتيجيّة الفلسطينيّة؛ إال أنّني أتوقع أال يُقلّل ه ذا من القيمة العلميّة للكتاب، وأنه لن يبتعد عن الواقع الفلسطيني كثيًار. واألمر اآلخر: شخصيّ؛ فالعُمر غير مَضْمون، والموت في ظروف الحرب أقرب لإلنسان من حبل الوريد، فلسْت أدري هل سأحيَى ﻷِرَى هذا الكتاب خارجًا إلى النّور، مطبوعًا منشوًار لمن يه مه اﻷ مر مِن الق ّاُرء، أو قد يُمزّقني صاروخ صهيوني غادر قبلها، ويدفنني تحت الرّكام، كعشارت آالف الشهداء اﻷبارر من أبناء شعبنا الفلسطيني المظلوم؛ ويبقى اﻷمل في وجه هللا وحده، أن يكتب لي الخير حيث كان. وما كان يتسنّى لي أن أُنجز هذا العمل؛ دون مساعدة وإسناد من العديد من اﻷعّازء، طوال فترة البحث والكتابة التي استغرقت نحو سنتين؛ لذا؛ وامتثاال لقول هللا تعالى ﴿ وَمَن يشۡكُر فَإِنَّمَا يشۡكُر ۖلِنَفۡسِهۦ ﴾ ، وعمال بحديث النبي الكريم ﷺ " ال يَشكُر هللا م ن ال يَشكُر النَّاس "، واعتارفًا لذوي الفضل بفضلهم، ال يسعني إال أن أتقدم بوافر الشكر، وعميق التقدير، إلى كل من ساعدني في إتمام هذا العمل المتواضع.

أ

و أبدأ بأستاذي الكريم، اﻷستاذ الدكتور وليد المدلّل (أستاذ العلوم السياسة بالجامعة اإلسالمية بغزة)؛ الذي تف ضّل مشكوًار باإلشارف على هذا الكتاب - حين كان في طور رسالة علميّة للماجستير – ، ولما أسداه لي من توجيهات مفيدة وقتها، و لم يبخل علي من فيض علمه الغزير؛ فأسأل هللا أن يبارك له في صحته وعلمه. كما أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لعضوي لجنة المناقشة؛ اﻷستاذ الدكتور زكريا السنوار (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر ب في آلداب كلية ا بغزة إلسالمية الجامعة ا )، والدكتور هشام المغاري ( اﻷستاذ المساعد في الدارسات اﻷمنيّة واالستارتيجية، و عميد كلية العودة للعلوم اﻷمنية بغزة)؛ اللذَيْن تفضّال بمناقشة الرسالة، وإثارئها ب مالحظاتهما القيّمة، وقد أجزال عليها الثناء، وأوصيا بنشرها في أقرب وقت، والشكر لجامعتي؛ الجامعة اإلسالمية بغزة، أعادها هللا منارة للعلم والعلماء، من بعد ما دمّرها القصف الصهيوني الغاشم. وشكري الخاص إل ى عائلتي وإلى ا لجنود المجهولين الذين ساهموا في إخارج هذا العمل في أفضل صورة.

المؤلف: ال ع ء جمال النجار

اﻷربعاء 21 مارس 2024 م الموافق 11 رمضان 1445 هـ اليوم ( 168 ) من الحرب على غزة مخيم جباليا - غزة – فلسطين

مقدمة

شغلت مسألة "اﻷمن" فكر اإلنسان منذ أقدم العصور، وعدّها إحدى حاجياته الضرورية للبقاء، و أخذ يكافح من أجل تحقيقها، و مع تطوّر المجتمعات البشرية شيئا فشيئ ا؛ بدأ يدرك أن أمنه الفردي لن يتحقق إال بتحقق أمن المجتمع، ومن ثم أمن الدولة ككل. وبعد ظهور الدول الحديثة – عقب توقيع اتفاقية "ويستفاليا" سنة ( 1648 ) )*( - بدأت تبرز أهمية دارسات اﻷمن القومي؛ نتيجة لتازيد قلق الدول على سيادتها؛ خوفا من التهديدات العسكرية الخارجية، في ظل النظام الدولي الذي يتصف بالفو ضوية وتصادم المصالح. وأصبحت الدولة هي محور مفهوم اﻷمن القومي، و الهدف هو حماية سيادتها ومصالحها ونظام حكمها. وفي الحالة الفلسطينية؛ وعلى الرغم من غ ياب سيادة الفلسطينيين على أرضهم، ووجودهم في خضم مرحلة تحرر وطني ، إال أن ذلك ال يعني عدم وجود "أمن قومي فلسطيني"، إذ إن الشعب الفلسطيني ككل شعوب اﻷرض؛ له مصالح ه الع ليا التي يكافح لحمايتها، وغايات ه العليا التي يسعى لتحقيقها؛ وعلى أرسها الحفاظ على بقائه، و تحرير أرضه، وإقامة دولته المستقلة، إلنسان الفلسطيني ، وقيمه، وحماية ا ومصالحه. وتتسم البيئة االستارتيجية الفلسطينية بأنها شديدة التعقيد، نتيجة للتدخالت الخارجية في القضية الفلسطينية ومسا ارتها . إن هذه التدخالت بدأت في وقت مبكر من عمر القضية الفلسطينية، بل إنها موجودة قبل بدء االحتالل "اإلسارئيلي" )†( سنة ( 1948 م)؛ حتى صار الفاعلون الخارجيّون أكثر تأثيًار في القضيّة – إلى حد ما- من الشعب الفلسطيني نفسه. * * )*( صُلح ويستفاليا ( Peace of Westphalia :) يُطلق على معاهدت ي السالم اللتين دارت مفاوضاتهما في منطقة ويستفاليا بألمانيا، سنة ( 1648 )؛ وأنهت عقودًا من الحروب الدينية بين اإلمبارطورية الرومانية، وفرنسا، وإسبانيا، والسويد، وهولندا، والدويالت اﻷلمانية المتناحرة، وهي أول اتفاقية دبلوماسية دولية في العصر الحديث. لالست ازدة: بن عامر، "معاهدة ويستفاليا 1648 ،" الموسوعة السياسيّة، 19 / 8 / 2017 . )†( " إسرائيل ": هي الكيان االستعماري الذي أقامته الحركة الصهيونية بالقوة في أرض " " النتدابية فلسطين ا ، وأعلنت عنه في 14 / 5 / 1948 ، * وأصبحت "دولة إسارئيل" عضوا في اﻷمم المتحدة. انظر: الكيالي وآخرون، موسوعة السياسة ، ص 5 / 313 . علمًا أن المؤلف يستخدم مصطلح "إ سارئيل" في هذا الكتاب للداللة على هذا الكيان، مع التأكيد على رفضه لشرعية وجوده على ا ﻷرض الفلسطينية المُحتلّة.

لقد عَرَف الفلسطينيون الممارسة اﻷمنية منذ مارحل مبكّرة من كفاحهم الوطني للتحرر، ولهم أجهزتهم اﻷمنية والعسكرية المتعددة؛ التي تمارس أعمالها في ظل غياب ا لعقيدة اﻷمنية القومية ا لموحّدة؛ مما يزيد غموض مفهوم اﻷمن القومي الفلسطيني، ويترك الكثير من ال ه. الت حول تساؤ وقد الحظت في فترة دارستي ب مرحلة الماجستير في الدارسات اإلقليمية والدولية بالجامعة اإلسالمية بغزة؛ وتحديدًا خالل دارسة مساق "دارسات في اﻷمن القومي" – أن الدارسات اﻷمنية واالست ارتيجية الفلسطينية لم تُول القدر الكافي من االهتمام لموضوع اﻷمن القومي الفلسطيني، دارسة وتنظيًار وتطويًار؛ مما أبقاه مشكلة بحثيّة جديرة بمزيد من الدارسة والمناقشة. لذا، يحاول هذا الكتاب استكشاف جوانب الموضوع ، باإلجابة عن السؤال الرئيس التالي: ما مفهوم األمن القومي الفلسطيني، وما واقعه؟ و ما التحديات التي يواجهها؟ وما الفرص المتاحة أمامه؟ وما ال سبل العملية لتعزيزه في ظل هذه التحديات والفرص؟ وللوصول إلى إجابات شافية عن هذا السؤال الكبير، وما يتبعه من تساؤالت فرعية، فقد انطلقت من تصوّر عام لمفهوم اﻷمن القومي الفلسطيني؛ يرى بأنّه حماية الشعب الفلسطيني ومصالحه - في داخل فلسطين وخارجها -، وبما يشمل السياسات واإلج ارءات التي تهدف إلى ضمان بقاء وسالمة الشعب، وتحرير أرضه وحمايتها، وصون كيانه السياسي، وحماية مصالحه القومية، وتوظيف كافّة موارده ل تحقيق أهدافه العليا، وعلى أرسها إقامة دولته المستقلة، ويعد الشعب الفلسطيني بكل مكوّناته، وقيادته، فاعلي ن أساسيين فيه. وقد استخدمت في دارسة الموضوع المنهج الوصفي التحليلي ، وهو من أساليب التحليل العلمي؛ التي ترتكز على جمع معلومات كافية ودقيقة عن ظاهرة أو موضوع محدد، خالل فترة زمنية معلومة، من أجل الوصول إلى نتائج عملية، وتفسيرها بطريقة موضوعية. ( 1 ) كما اعتمدتُ أسلوب " دَاِرسة الحالة ،" وهو من أساليب البحث العلميّ؛ الذي يهدف إلى التعرف على مضمون حالة أو ظاهرة واحدة بصورة مفصلة ودقيقة، فهو مناسب لدارسة ظاهرة معاصِ رة، إذ أنه يهتم يها الل تحليل العوامل المؤثرة عل بالموقف الكلي لها، من خ بصورة ديناميكية، تأخذ في اعتبارها تأثير البيئة الداخلية والخارجية على الحالة موضوع االهتمام. ( 2 ) لذا ذهبت إلى مارجعة المعلومات والنظريات المتعلقة بموضوع اﻷمن القومي بشكل عام، ومن ثم جمعت البيانات المتعلقة بموضوع "اﻷمن القومي الفلسطيني" بشكل خاص؛ من مصادرها العلميّ ة الموثوقة؛ بما في ذلك المعلومات عن واقع القضية الفلسطينية، وآخر تطوارتها، واﻷحداث المهمة المؤثرة عليها في الساحات الداخلية والخارجية، خالل الفترة التي يغطّيها الكتاب.

ومن ثم قُمت بتبويبها تبعًا للدائرة الجيوسياسية )*( التي تنتمي إليها ، وبدأت ب قارءتها قارءة نقديّ ة، وتحليلها تحليال كيفيًّا، والخروج بتفسيارت لها ولتداعياتها، ثم صياغتها في فصول بحثية ل رسم صورة شاملة عن موضوع الكتاب (اﻷمن القومي الفلسطيني)، ت جلّي تحدياته وتأثيارتها، وفرصه الواعدة وإمكانات االستفادة منها، وخلُصت في الفصل اﻷخير إلى تسعة مبادئ، أقترحُها لتكوّن أساسيّة وم وجِّهة لعقيدة اﻷمن القومي الفلسطيني، ثم أتبعتها بأ هم السبل المقترحة و المناسبة لتعزيزه وتحصينه. وقد اعتمدت في جمع ا لبيانات على المصادر والمارجع المنشورة ؛ التي تشمل: الوثائق والتقارير الرسمية؛ الصادرة عن جهات حكومية ومنظمات دولية، وأبحاث المج الت العلمية المحكَّ مة، وتقارير الماركز البحثية، والكتب والرسائل العلمية المتعلقة بموضوع الكتاب، ومقابالت منشورة مع الخبارء و صنّاع القارر، وحرصت على التنويع فيها بين المصادر والم ارجع: الفلسطينية، والعربية، واﻷجنبية. كما اعتمدت على المالحظة ، وهي تقنية أصيلة في البحث العلميّ، تقوم على مارقبة الظاهرة المُ ستهدفة بالد ارسة، وسلوكها ومشك تها وأحداثها، ال ومكوناتها المادية والبيئية، ومتابعة سيرها واتجاهاتها وعالقاتها، بأسلوب علمي هادف. ( 3 ) وقد ساعدني في هذا وجودي في قلب الظاهرة موضع الدارسة؛ كوني ابن فلسطين، والجئ في أحد مخيماتها، و ناشط في قضيّتها، وباحث متابع لتطو ارتها عن كثب ، وقريب من بعض دوائر صنع القارر فيها. اإل وركّزت – في طار الزمني - على نحو عَقْدَيْن من عُمُر القضية الفلسطينية؛ ابتداء من سنة ( 2000 م)؛ التي شهدت رسميًّا تعثر مسيرة التسوية السياسية، واندالع انتفاضة اﻷقصى، وما تبعها من تداعيات في الواقع الفلسطيني، ثم فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المج لس التشريعي الفلسطيني وتشكيلها للحكومة العاشرة، وحدوث االنقسام الفلسطيني وتعم قه على شكل حكومتَيْن فلسطينيّتَيْن في غزة والضفة، وتضاعف االستيطان "اإلس ارئيلي" في الضفة الغربية والقدس، وفرْض الحصار االستارتيجي على قطاع غزة؛ تعرض خاللها لخمسة حروب "إسارئي لية" وعشارت الجوالت من العدوان العسكري ال إلى نهاية ، وصو سنة ( 2023 م) ؛ التي انتهت بحرب "طوفان اﻷقصى"، التي كان لها تداعيات بالغة الخطورة على القضية الفلسطينية. * * * )*( الجيوسياسية، أو الجغرافية السياسية: علمٌ يدرس تأثير الظروف الجغارفية على الدولة، وفي ضوئه توضع القارارت السياسية واالقتصادية واالجتماعية، ويشمل: تأثير اﻷرض (كالموقع، والمساحة، و الحدود)، وتأثير السكان (ك التركيب السكاني واالقتصادي والمواصالت، وأنماط السكن)، و تأثير العالقة بين اﻷرض وا . إلنسان رياض، اﻷصول العامة في الجغرافية السياسية والجيوبوليتكا ، ص 15 - 16 ، 42 - 43 .

وقد استفدت من الكثير من اﻷدبيات السابقة المتعلقة بالموضوع؛ سواء كانت فلسطينية، أو عربية، أو أجنبية، لكنّي الحظت أن غالبية األدبيات الفلسطينية التي تناولت موضوع اﻷمن القومي الفلسطيني، ركّزت على جوانب مخصصة منه؛ منها على سبيل المثال: دور العمل السياسي في تعزيز اﻷمن، وواقع مجلس اﻷمن القومي الفلسطيني، ودور خبارء اﻷمن القو مي في بناء استارتيجية وطنية، وتأثيارت اﻷمن القومي "اإلسارئيلي" على اﻷمن الفلسطيني. أمّا الكتب اﻷربعة اﻷكثر أهمية، التي تناولت الموضوع بشكل مباشر وموسّع، فإنها لم تخل ف الت منهجية، من مشك كتاب خالد شعبان وآخرون، بعنوان: "ا ألمن القومي الفلسطيني: مرتكزات " وتحديات ؛ الذي نشره مركز اﻷبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، سنة ( 2016 )، يتضمّن ثالث مشكالت جوهرية، األولى: عند تعريفه لألمن القومي الفلسطيني، فإنه ي حصر المرجعية التحليلية لألمن ومسؤولية الممارسة اﻷمنية - في إطار منظمة التحرير الفلسطينية فقط، و يهمل الفاع لين الفلسطينيين خارجها، رغم ثقلهم العسكري واﻷمني الذي يفوق تأثير المنظمة في المجال الدفاعي (العسكري واﻷمني) الحالي. والثانية: معالجة الموضوع بلغة تميل إلى الجانب السياسي واالجتماعي والقانوني، وعدم االهتمام الكافي باﻷبعاد الدفاعية اﻷمنية والعسكرية، رغم أن القوة الصلبة هي محور الدارسات اﻷمنية. والثالثة: التركيز على التحديات فقط، وعدم تبيان الفرص والبدائل الممكنة أو المحتملة الت أ ، باإلضافة إلشكا خر. أما كتاب اللواء مصباح صقر (مؤسس وقائد سابق ل جهاز اﻷمن الوقائي)، بعنوان: "ا نكشاف " األمن القومي الفلسطيني ؛ الصادر سنة ( 2011 ) ، فركّز على دارسة الموضوع من خالل ثالثة مفاهيم؛ هي: التهديدات الداخلية، وتغييب العقيدة اﻷمنية، ومشكلة التخابر مع العدو ؛ وبذلك يكون قد تناول الموضوع في مستوى "اﻷمن الداخلي"، الذي يناقش التحديات داخل الدائرة الفلسطينية، وبعضًا من التحديات "اإلسارئيلية"؛ لكنه ال يهتم بالتحديات اإلقليمية والدولية بشكل كاف - رغم أهميتها - ، كما ال يتطرّق ﻷي من الفرص والبدائل ، في الوقت الذي توسّع فيه في دارسة مشاكل مجتمعية وأسرية وتربوية، وغيرها من المشاكل التي ال ترق العتبارها تحديات أمن قومي. ويؤخذ على كتاب د. محمد المصري وآخرين، بعنوان: "األ من القومي الفلسطيني: الرؤية " والبناء المؤسسي ؛ الصادر سنة ( 2008 - ) مساواته بين اﻷمن القومي الفلسطيني وأمن السلطة الفلسطينية، واعتبار غاية اﻷمن هي حماية السلطة نفسها؛ مما يتجاهل مكوّنات فلسطينية مهمة؛ مكانية: كفلسطينيي الشتات، و الداخل المحتل )*( ؛ الذين ال تحكمهم السلطة الفلسطينية، وسياسية: كقوى المقاومة الفلسطينية وأجهزتها العسكرية واﻷمنية، كما يؤخذ على الكتاب التركيز على الساحة )*( يستخدم المؤلف في هذا الكتاب مصطلح " فلسطينيي الداخل المحتل ؛" لإلشارة إلى الفلسطينيين وأبنائهم، ال ذين بقوا في قارهم وبلداتهم بعد حرب ( 1948 )، فأصبحوا يعيشون داخل حدود خط الهدنة، وفُرض عليهم حمل إلس ارئيلية". الجنسية "ا

، كما لم

واف إلقليمية والدولية بشكل

الداخلية الفلسطينية، وعدم مناقشة التحديات اإلسارئيلية وا

يناقش الفُرص.

أمّا كتاب حسين أغا وأحمد سامح الخالدي، بعنوان: " " إطار لعقيدة أمن قومي فلسطيني ؛ الصادر سنة ( 2006 )، ف رغم قيمته اﻷكاديمية، حيث ارتكز المؤلفان - وهما خبيارن أمنيّيان - على مفاهيم أمنية دولية؛ إال أنه صُمم ليناقش واقعًا افتارضيًّا بع يدًا عن الواقع الحالي؛ إذ يبني نظريته اﻷمنية على افتارض نجاح ما يُعرف بحل الدولتين، و وجود دولة فلسطينية مستقلة ، تعيش بعالقات حسن جوار بجانب "إسارئيل"، ومن ثم يقترح أن يقوم اﻷمن الفلسطيني – في أحد مرتك ازته- ال على عالقات تعاون إقليمي، بما فيه مع "إسارئيل"، و شك أن هذا االفتارض لم يعد يناسب واقعنا المعاصر، وبالتالي فإن ما بُني عليه من أفكار لم يَعُد مالئمًا. ال كما ي ح ظ أن جميع اﻷدبيات المذكورة لم تناقش أيًّا من النظريات اﻷمنية الدولية، وما تلك السيما يمكن تطبيقه منها على الحالة الفلسطينية، المتعلّقة ب تجارب الدول الصغرى، أو دول العالم الثالث التي عانت من االستعمار؛ التي تتشابه مع واقع فلسطين في كثير من جوانبها. أما األدبيات العربية ، فلم تعالج الحالة الفلسطينية، وإنما ركّزت على: مفاهيم اﻷمن القومي بشكل عامّ، ومنهجية تحليل بيئته االستارتيجية، ومناقشة النظريات اﻷمنية الدولية، والنظريات اﻷمنية للدول الصغرى بشكل خاص ، باإلضافة لبعضها التي تناولت موضوع اﻷمن القومي العربي، أو القُطري لواحدة من دوله. ومثلها كانت األدبيات األجنبيّة ، فلم تدرس حالة اﻷمن القومي الفلسطيني بشكل خاص، بل ركز بعضها على جوانب محد دة من الواقع الفلسطيني وتحدياته، من وجهة نظر أوروبية، أو أمريكية، أو "إسارئيلية"؛ بهدف تقديمها لصن اع القارر هناك. ال ال وإجما ، يوجد – على حد علمي – د ارسة أو كتابٌ، ي جمع كل ما يتعلق ب موضوع اﻷمن القومي الفلسطيني، والمفاهيم والنظريات اﻷمنيّة المرتبطة به، و تحدياته، وفرصه، وسبل تعزيزه؛ وهو ما يعالجه هذا الكتاب بفضل تعالى. هللا * * * الهوامش:

( 1 ) عبيدات وآخرون، منهجية البحث العلمي ، ط 2 ، (عمّان: دار وائل للطباعة والنشر، 1999 )، ص 45 - 48 . ( 2 ) المرجع نفسه. ( 3 ) المرجع نفسه، ص 73 .

الفصل ا ألول األمن القومي الفلسطيني؛ مقاربة نظرية مفاهيمية

1 . مقدمة: إن الخطوة اﻷولى لفهم واقع اﻷمن القومي لدولة تخضع لالحت – الل كفلسطين – يبدأ من إدارك مفهوم اﻷمن القومي للدول بشكل عام، والتعرّف على المفاهيم المرتبطة به، والنظريات اﻷمنية العالمية، ثم محاولة قياس هذه المفاهيم والنظريات على واقع فلسطين، مع اﻷخذ بعين االعتبار الخصوصيات الكثيرة التي يتسم بها الواقع الفلسطيني المعقّد؛ وهو ما يتناوله هذا الفصل، حيث يدرس م وضوعي ن رئ يس ي ن: أوالً: اﻷمن القومي: تعريفه، و مقارباته، ومفاهيمه. ويُعرِّف مفهوم اﻷمن القومي لغة الحًا، واصط ويوضح كيفية ظهوره وتطوّره حتى أصبح فرعا جديد ا في العلوم السياسية، ثم يستعرض أهم النظريات والمقاربات التي ساهمت في تطوير مفهومه، وتوسيعه من إطار المفهوم الضيق الدفاعي لألمن، إلى مفهوم اﻷمن الموسّع، متعدد اﻷبعاد والمستويات. ثم يو ضح بعض المفاهيم المتعلقة باﻷمن، مثل خصائصه، وأبعاده، ومستوي اته، والفرق بين اﻷمن القومي و الوطني، والمصالح القومية واﻷهداف القومية، ويُعرّف التحديات والفرص اﻷمنية، ويعطي لمحة موجزة عن مقاربات الدول الصغرى ل لحفاظ على بقائها و حماية أمنها القومي. وثانيا: اﻷمن القومي الفلسطيني، والمفاهيم المرتبطة به، ويمهّد له باستعارض الواقع الجيوسياسي الفلسطيني، موضحا الواقع الجغارفي والديموغارفي لفلسطين، والواقع السياسي للقضية الفلسطينية، ومارحل تطوّر العمل اﻷمني الفلسطيني، ثم يتطرّق ل عن إلجابة التساؤل حول إمكانية تطبيق مفاهيم اﻷمن القومي على الواقع الفلسطيني، و توضيح جوانب خصوصيته، وتحديد الوحدة المرجعيّة له باعن إلجابة سؤال: اﻷمن لمن؟، ويناقش مفهوم اﻷمن القومي الفلسطيني ، ويضع تعريفًا إجارئيًّا له. ثم يعرّج إلى كيفيّة فهمه في ضوء النظريات اﻷمنية العالمية، ويستعرض المفاهيم اﻷمنية الفلسطينية؛ مثل المصالح العليا ومرتكازت اﻷمن الفلسطيني، وأبعاده المختلفة، ويختم بتسليط الضوء على البيئة االستارتيجية الفلسطينية، ويقسّمها إلى دوائر جيوسياسية أربعة؛ لتسهيل عملية تحليلها ودارسة تحدياتها وفرصها.

*

*

*

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

8

2 . األمن القومي : تعريفاته، مقارباته، مفاهيمه: يحظى اﻷمن القومي باهتمام بالغ لدى الدول، وصنّاع القارر، وماركز اﻷبحاث؛ لذا يحاول هذا المبحث تجلية حقيقته، ومارحل تطوّره، والمفاهيم المرتبطة به. 2 . 1 . : ألمن القومي مفهوم ا األمن ( Security :) اﻷَمْن لغة مشتق من اﻷمان واﻷمانة، وَاﻷَْمْنُ: ضِد الْخَوْف، و"أمن" أي حق ق اﻷمان ( 1 ) ، ومنه قول ﷻ: ﴿ هللا ٱلَّذِي مِن جُوع أَطۡ عَمَهُم ٍِ مِن خَوۡف وَءَامَنَهُم ﴾ ( 2 ) . واصط : الحًا يحمل "اﻷمن" مفهومًا واسعًا، يدور حول مفاهيم "السالم والطمأنينة، وديمومة مظاهر الحياة، واستمارر مقوماتها وشروطها، بعيدا عن عوامل التهديد ومصادر الخطر". ( 3 ) القومية ( Nationalism :) تُ شتق من الجذر اللغوي "ق و م"، والقَوْم: هم الجَمَاعَة من الرِّجَال والنِّساء جميعا. وجمع ها أقوام، والفعل الثالثي لها هو قام، والرباعي أقام، والمُقام والمُقامةُ: الموضع الذي تُقيم فيه ( 4 ) ، وهكذا نرى أن اللفظ يشير إلى جماعة ترتبط بمكان ما وتقيم فيه. وهي في الدارسات االجتماعية - وفقا للموسوعة البريطانية-: " ارتباط الناس بأرضهم، ووالئهم وانتمائهم إليها، وإلى عادات و تقاليد أجدادهم، وتقديم مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية". ( 5 ) أما األمن القومي ( National Security :) فلَه الكثير من التعريفات المختلفة؛ إال أنها تدور حول فكرة مركزيّة، منها تعريف شامل للدكتور علي مارد، يعرّفه بأنه: "القيم النظرية والسياسات واﻷهداف العملية المتعلقة بضمان وجود الدولة، وسالمة أركانها، وديمومة مقومات استم اررها وشروط استقر ارها، وتلبية احتياجاتها، وتأمين مصالحها، وتحقيق أهدافها، وحمايتها من اﻷخطار القائمة والمحتملة داخليا وخارجيا، مع مارعاة المتغيارت الداخلية واإلقليمية والدولية". ( 6 ) إن مفهوم اﻷمن القومي يقترب من مفهوم اإلدارة العليا للدولة، وتعود تطبيقاته إلى قرون سابقة، وصاحبت االمب ارطوريات التاريخية، ومارسها أغلب القادة االست ارتيجيين المؤثرين في التاريخ - مع االختالف في الطريقة التي مارسوها بها - وكان على أرسهم رسول ﷺ. هللا محمد ( 7 ) غير أن والدة المفهوم الحديث لألمن القومي ( National Security ) جاءت عقب معاهدة الصلح التاريخية في ويستفاليا سنة ( 1648 م)، التي أسست لظهور الدولة القومية الحديثة، أو "الدّولة اﻷمّة" ( Nation-State ) )*( ، وأرست نظامًا جديدًا قائمًا على مبدأ احتارم سيادة الدول. ( 8 ) )*( األمّة: مجموعة من الناس، يشتركون في اللغة، أو الدين، أو الثقافة، أو التجربة التاريخية المشتركة، أو عدّة عناصر معًا. أمّا " الدولة األمة " أو الدولة القومية : فهي أمّة من الناس، لها دولة ذات سيادة خاصة بها، ومثال عليها: كل من أيسلندا، واليابان، حيث الغالبية العظمى من سكانهما يشتركون في النسب والثقافة ، وال يزيد عدد هذا النوع عن ( 20 ) دولة، من أصل ( 193 ) تعترف بها اﻷمم المتحدة. Nimni, “Stateless nations in a world of nation - states”, 55; Rosenberg, “Differences Between a Country, State, and Nation”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

9

وكان أول استخدام رسمي لل مصطلح (سنة 1947 ،) عقب تأسيس "مجلس اﻷمن القومي اﻷمريكي"، الذي أُنيطت به مهمة بحث كل القضايا التي تمس كيان "اﻷمة" اﻷمريكية، وتهدد أمنها، ثم بدأت تظهر ماركز اﻷبحاث المهتمة بدارسات ا ﻷمن القومي، [ واستمر استخدام المصطلح لدى ا لدول، بغض النظر عن كونها دُوال قوميّة أو غير ذلك]. ( 9 ) وهكذا أصبح اﻷمن القومي فرعًا من العلوم؛ يتأرجح ما بين الد ارسات االست ارتيجية و العالقات الدولية، فهو ليس علما منفصال بذاته، بل تكوين فكري استارتيجي، يستخدم كل العلوم لتحقيق أعلى مستويات أمن الدولة ، ويرتبط بعلوم: الجغ ارفيا والتاريخ، والسياسة واﻷمن واإلدارة، وغيرها. ( 10 ) 2 . 2 . األمن القومي والمقاربات النظرية ا : ألمنية تُصنَّف المقاربات ) * ( اﻷمنية ضمن اتجاهَين رئيسينِ؛ األول: تقليديّ؛ تُهيمن عليه النظرية الواقعية التي تركز على "تضييق" مفهوم اﻷمن، ليتمحور حول الدولة والقوة العسكرية. والثاني: تَوسّعيّ؛ يتكون من المقاربات النقدّية، التي تُوسّع المفهوم ليشمل أبعادًا أخر غير عسكرية، ومستويات متعددة (غير الدولة).

وتستعرض السطور اآلتية أبرز مقوالت هذه المقاربات، على النحو اآلتي: 2 . 2 . 1 . النظريات التقليدية؛ وتركيزها على المفهوم العسكري ل : ألمن سادت النظريات الوضعية إبان فترة الحرب الباردة، وكان من أهمها: 2 . 2 . 1 . 1 النظرية الواقعية ( Realism Theory :)

حصرت الواقعية مفهوم اﻷمن في "حماية الدولة من العدوان العسكري الخارجي"، وبالتالي فإن الدولة هي الموضوع المرجعيّ، والتهديد خارجي المصدر دائمًا، والبُعد العسكري هو مركز التحليل، ومستوى اﻷمن مرهون بالقدرة العسكرية للدولة؛ لذلك أكثر مُنظّروها من استخدام مصطلحات: الردع النووي، والدفاع الوقائي، وإدارة النازع، وتوازن ال قوى، والنظريات الجيوسياسية، وغيرها من أفكار القوة الصلبة. ( 11 ) وانعكست هذه اﻷفكار على صياغاتهم في تعريفهم لألمن، ومن أبرزها: )*( النظرية ( theory :) هي بناء فكري يربط بين عدد كبير من الظواهر والقوانين، وتقدّم تفسيارت وتنبؤات حول الظاهرة االجتماعية أو السياسية، أما المقاربة ( approach :) فهي الطريقة أو اﻷساس النظري الذي يعالِج به الباحث الظاهرةَ، وتفتقر إلى القدرة على التفسير أو التنبؤ أو تقديم تعميمات متاربطة، لذلك ال ترقى إلى درجة النظرية ، لكنّها تمثّل نقطة البداية في بناء النظريات. هلل عطا وب اربح، "المقاربة الجتماعية "، ص في العلوم ا 30 - 31 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

10

- وولتر ليبمان ( Walter Lippmann ) )*( : "الدولة تكون آمنة، عندما ال تضطر للتضحية بقيمها (مصالحها) لكي تتجنب الحرب، وفي حال تحدّيها تكون قادرة على حماية تلك القيم من خالل االنتصار في الحرب". ( 12 ) - أرنولد وولفرز ( Arnold Wolfers :) " اﻷمن هو غياب التهديد ضد القيم المركزية للدولة"، وبصيغة أخرى هو : "حماية القيم، التي سبق اكتسابها. وهو يزيد وينقص حسب قدرة الدولة على ردع الهجوم، أو التغلب عليه". ( 13 ) - الموسوعة الدولية للعلوم االجتماعية: "جهود الحكومة لحماية الدولة من التهديدات الخارجية والداخلية"، فاﻷمن هو الدفاع". ( 14 ) - هنري كيسنجر ( Henry Kissinger :) "اﻷمن هو التصرفات، التي يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء". ( 15 ) - تريجر وكروننبرج ( Trager & Kronenberg :) "ذلك الجزء من سياسة الحكومة، الذي يستهدف إيجاد شروط سياسية دولية ووطنية مالئمة، لحماية، أو توسع القيم الحيوية ضد اﻷعداء الحاليين، أو المحتملين". ( 16 ) ويرى الواقعيّون أن النظام العالمي فوضوي ( Anarchy )، يسوده الخوف والريبة وعدم اليقين والشك في النوايا بين الدول؛ وهي حالة يسميها هربرت باترفيلد ( Herbert Butterfield ) بـ " الخوف الهوبزي"؛ نسبة لمقوالت توماس هوبز ( Thomas Hobbes ؛) الذي يجادل بأن غياب وجود سُلطة عُليا تُسيطر على تصرفات اﻷفارد، يُدخلهم في ورطة أمنيّة؛ نتيجة صارعهم على البقاءِ، وعلى السلطة؛ وبالتالي فالحالة الطبيعية السائدة بينهم هي حرب الكل ضد الكل، وهو ما يُمكن إسقاطُه على سلوك الدول في النظام الدولي. ( 17 ) ويؤكد كينيث والتز ( Kenneth Waltz ) على هذه اﻷفكار، ويضيف إليها بأن على الدولة أن تعتمد على قوت ها فقط؛ لحفظ أمنها، ضمن ما يُسمّيه مبدأ "المساعدة الذاتية" ( Self- Help .) ( 18 ) وطوّرت "الواقعية الجديدة" اﻷفكار الواقعية ، وصارت تُسمّى (الب نيوية)، وأضافت أن البُنية الفوضوية للنظام الدولي - ال سيما في ظل غياب سلطة مركزية تنظّمه - ال تدع مجاال أمام الدول إال السعي لماركمة القوة لحفظ بقائها، و تحدث هذه الماركمة ب تحقيق "التوازن"؛ داخليا: عبر تطوير قدارت الدولة العسكرية واالقتصادية وغيرها، وخارجيًّا: من خالل بناء التحالفات مع دول أُخَر. ( 19 )

)*( يكتُب المؤلف أسماء ال مفكرين باللغة اإلنجليزية عند أول ذكر لهم، تفادي ا للنطق الخاطئ ﻷسمائهم؛ وفي حال وجود اسم أجنبي في هذا الكتاب مكتوب ب العربية فقط، فهذا يعني أنه سبق ت كتابتُه باللغة اإلنجليزية في أول موضع لوروده.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

11

لكن هيرز ( John Herz ) حذّر من أن ماركمة القوّة ليس هو الحل النهائي، إذ أنّه سيقود إلى ما يسمّيه بـ "المعضلة اﻷمنية" ( Security Dilemma )؛ و تعني أن قيام دولة ما بتطوير قدارتها العسكرية لتحقيق أمنها، سيثير قلق جيارنها، وسيدفعهم لتطوير قدارتهم العسكرية أيضًا؛ مما سيدخلهم في سباق تسلّحٍ، يعود بمعضلة أمنية جديدة على الدولة. ( 20 ) ومن أنصار الواقعية اﻷمنية من الخبارء العرب د. حامد ربيع )*( ؛ الذي يرفض توسيع مفهوم اﻷمن، ويرى أنه مفهوم عسكري، ينبع من خصائص اﻷوضاع الدفاعية لإلقليم القومي، ويهدف إلى حماية حدود الدولة وأوضاعها اال ست ارتيجية الجيوبوليتكية )†( . ( 21 ) 2 . 2 . 1 . 2 النظرية الليبارلية ( Liberalism Theory :) أما رواد النظرية الليب ارلية القتصاد والتنمية، و أروا أن ، فقد ربطوا اﻷمن با أمن الدول يتحقق بالتعاون الدولي ، وأنّه كلّما ازد االعتماد االقتصادي المتبادل بين الدول؛ كلّما قلّت قابليتهم للعداء والحرب، الرتباط مصالحهم ببعضهم البعض، وأن أصل العالقة بين الدول قائمة على السِّلم ال الحرب والتنافس؛ داعين لبناء مجتمع دولي تعاوني، يقوم على احتارم المؤسسات الدولية واالعتماد االقتصادي المتبادل؛ مع محافظتهم على الدولة مرجعا للتحليل اﻷمني، و على مركزية القوة العسكرية كأصل للحماية إذا اضطرت للدفاع. ( 22 ) ومن أبرز تعريفاتهم لألمن: - روبرت ماكنماار ( Robert McNamara :) " اﻷمن هو التنمية، و بدون التنمية ال يمكن أن يوجد أمن. وإ ن الدول التي ال تنمو في الواقع، ال يمكن ببساطة، أن تظل آمنة". ( 23 ) - لورنس كروز وجوزيف ناى ( Lawrence Kranse & J. Nye :) "اﻷمن هو غياب التهديد بالحرمان الشديد، من الرفاهية االقتصادية". ( 24 ) 2 . 2 . 1 . 3 النظرية البنائية ( Constructivism Theory :) وعلى نقيض النظريّتين السابقتين اللّتين ركزتا على عوامل موضوعية مثل "القوة العسكرية" (لدى الواقعيين)، أو "الثارء االقتصادي" (لدى الليبارليين)؛ جاءت " البنائية " لتقول إن بُنية النظام الدولي ليست "ماديّة" صرفة؛ بل هي "اجتماعية" أيضًا؛ وبالتالي ركّزت على دور الهوية والقيم والمعتقدات في أمن الدول. ( 25 ) )*( د. حامد ربيع: ( 1924 - 1989 )، من أعالم الفكر السياسي العربي، عمل مستشا ًار للرؤساء جمال عبد الناصر، ثم صدام حسين، ورئيسًا لقسم ا لعلوم السياسية ب جامعة القاهرة، وله ( 45 ) كتابًا ومئات الدارسات بالعربية، واإلنجليزية، والفرنسية، واإليطالية، والالتينية. )†( الجيوب وليتيك ( Geopolitics :) هو علمٌ سياسي أساسًا، يستمد جذوره من الجغ ارفيا وحقائقها، ويعمل على اإلفادة منها لخدمة خطط سياسية معينة، بهدف تحقيق السيطرة على العالم أو اإلقليم أو جزء منه، ويرسم تصوًار لما يجب أن تكون عليه الدولة في المستقبل، وهو مفتاح السياسة القومية للدولة. رياض، اﻷصول العامة في الجغرافية السياسية والجيوبوليتكا ، ص 51 - 52 ، 82 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

12

و أرت أن أفكار الفاعلين الدوليين (كالدين، والثقافة، والتارث، والتاريخ) هي التي تشكّل هوياتهم، ومن ثم تُحدد مصالحهم بناء عليها، ولذا فإن طبيعة العالقات بين الدول ليست فوضوية دائمًا وال سلميّة دائمًا، بل تتغير تبعا لتغيّر اﻷفكار والهويات والقيم السائدة لدى ال فاعلين الدوليين، الذين رفضت حصرهم في الدول، بل عدّت اﻷفارد، والمنظمات غير الحكومية، والجماعات العابرة للدول – فاعلين مؤثرين أيضا. وبذلك مهّدت (البنائية) الطريق لظهور المقاربات النقدية. ( 26 ) 2 . 2 . 2 . المقاربات النقدية، : أل وتوسيع مفهوم ا من سطع نجم المقاربات النقدي ة اﻷمنية في بداية تسعينيات القرن العشرين ، وقدّمت نقدًا الذعًا للنظريات التقليدية، فنادت باالهتمام بأمن الفرد بدال من "أمن الدولة"، وأرت أن أغلب التهديدات ﻷمن ا لشعوب ال تَصْدُر بالضرورة من جيوش دول الجوار، بل تأتي غالبيتها من مهددات أُخَر غير عسكرية [كا لفقر، والمرض، والجور السياسي و االقتصادي داخل الدولة، وغيرها] ( 27 ) ، وقد برز من بينها ثالث مدارس: مدرسة كوبنهاجن (وهي اﻷشهر)، ومدرستا أ برستويث (ويلز) التها على النحو اآلتي: وباريس، باإلضافة إلى المقاربة ما بعد االستعمارية، وكانت مقو 2 . 2 . 2 . 1 مدرسة كوبنهاجن، ارئدة توسيع وتعميق مفهوم ا : ألمن نشطت مدرسة كوبنهاجن ( Copenhagen ) في فترة ( 1985 - 2004 )، وساهمت بفعالية في حقل الدارسات اﻷمنية، بفضل ارئدها العالم البريطاني "باري بوازن" ( Barry buzan ) وزمالئه. ( 28 ) وقد عمّقت المدرسة "مستويات اﻷمن" الذي كان ينحصر في "أمن الدولة"، فأصبح يشمل مكونات أُخَر ، هي: أمن النظام الدولي، واﻷنظمة التحتية (اإلقليمية)، والوحدات (مثل: الدول، الشركات متعددة الجنسيات)، والوحدات التحتية (الفواعل غير الدوالنية مثل: الجماعات المسلحة، و اللوبيات، و اإلثنيّات، و القبائل)، باإلضافة إلى اﻷفارد. وابتكر مفكّروها مفهوم "مركب اﻷمن ا قليمي"، إل الذي يشير إلى مجموعة الدول التي يجمعها إقليم واحد، ومصالح أمنية مشتركة، حيث يصبح أمن الدولة ا لواحدة مرتبط بأمن إقليمها كلّه؛ مما يدفعها إلى التعاون اﻷمني اإلقليمي لحماية نفسها. ( 29 ) كما دعوا إلى توسيع القطاعات اﻷمنية (أو اﻷبعاد اﻷمنيّة)؛ لتشمل قطاعات أُخَر غير عسكرية، يعالج كل منها تهديدات وانكشافات مختلفة متعلّقة بطبيعته، وهي: قطاع اﻷمن السياسي، ، القتصادي، والبيئي والعسكري، وا أما الخامس وهو أهمها " اﻷمن المجتمعي". ( 30 ) (ا نظر شكل: 1.1 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

13

تــوســيـــع قــطـــــاعـــــات / أبـــعـــــــــــاد األمــــــن

ا مــــن أل

مجتمعي عسكري سياسي اقتصادي

بيئي

الوحدات تحت الدوالنية ( المجتمع، جماعات مسلحة، لوبيات، )... الوحــــــــــــــــدات الدولـيــــة ( دول، شركات متعددة جنسيات، منظمات دولية ) األنظمة اإلقليمية النظـــــــــام الـــــدولــــي تعميق مستويات التحليل

األفـــــــــــــــــــــــــــ ارد

ألمن في مدرسة كوبنهاجن توسيع وتعميق مفهوم ا

شكل ( 1 . 1 :)

وابتكر ويفر ( Ole Waever ) فكرة " اﻷمننة" ( securitization ؛) التي تعني إضفاء النخَب السياسية في الدولة للطابع اﻷمني على قضية ليست ذات صبغة أمنية في أصلها، و تصويرها على أنها تهديد وجودي للدولة، لتسهيل لجوء الحكومة إلى تدابير استثنائية لمواجهة هذا التهديد؛ إلى أن ينتهي التهديد ويتحقق اﻷمن؛ وعندها تُنزع " اﻷمننة" أي ت نزع الصِّفة اﻷمنية عن ال قضية المُؤمننة، و يُعاد التعامل معها بالطرق غير اﻷمنيّة، كالطرق السياسية، أو الفكرية، أو الصحية، أو غيرها. ( 31 ) ال و يُ حظ كثرة استخدام الدول لألمننة مؤخًار، فقد حوّلت قضايا عديدة، مثل: التغير المناخي، والهجرة غير الشرعية، و"اإلرهاب"، وجائحة كوفيد ( 19 - ) إلى مسائل تخص اﻷمن ا لقومي.

2 . 2 . 2 . 2 األمن هو "االنعتاق" وفقا لمدرسة ويلز ( Wales :)

عرّفت مدرسة ويلز ببريطانيا، بقيادة ريتشارد وين جونز ( Richard Wyn Jones )، وكين بوث ( Kein Booth - ) اﻷمن بأنه "االنعتاق" ( Emancipation )، أي تحرر الفرد من كل اإلكارهات المادية واإلنسانية التي تعوقه عن فعل ما يختاره. ( 32 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

14

وأرت المدرسة أن الفرد هو ال وحدة ال مرجعية ل ؛ ألمن أي أنّه المُستهدف من عمليّة التأمين المطلوبة؛ و ليس الدولة؛ بل إن الدولة قد تكون هي سبب التهديد ﻷف اردها؛ نتيجة دخولها الحروب ال وما تجرّه من وي ت عليهم، أو نتيجة ممارستها القمع تجاه شعبها، أو حتى نتيجة فشلها البنيوي وسوء إدارتها وعُقم ممارسة الحوكمة. ولهذا اهتمت المدرسة بـ "الحقائق اﻷمنية" مثل: حقوق اإلنسان، واضطهاد اﻷقليات، والفقر، والبطالة، والعنف الجسدي، والجو ر السياسي... الخ. ( 33 ) وقد شك ال لت مقو تها قاعدة نظرية مهمّة؛ أسست لمفهوم "اﻷمن اإلنساني"، الذي ظهر مفهومه ﻷول مرة، في تقرير برنامج اﻷمم المتحدة للتنمية اإلنمائي ( UNDP ) سنة ( 1994 )، و دعا إلى وضع اﻷف ارد مرك ًاز لألجندة اﻷمني ة بدال من الدولة، واالنتقال إلى اﻷمن اإلنساني بدال من النووي". ( 34 ) 2 . 2 . 2 . 3 مدرسة باريس ( Paris )، ومقاربة األمن ال ﱡشرطي: يُعتبر بيقو ( Didier Bigo ) من أبرز باحثي هذه المدرسة، و اعتبرت اﻷمن تقنية حكوميّة، تقوم على ممارسات اﻷعمال الشرَطِيّة، واهتمت ب المستويات الد نيا ل : ألمن كالجريمة، ، الختطاف وا والتهديدات المرتكزة على اﻷمن المجتمعي، وموجات الشغب، والعنف، ، الحتجاج وا ولم تحرص ال على وضع إطار نظري متكامل لمفاهيم اﻷمن؛ بقدر ما بحثت عن حلول عملية للمشك ت اﻷمنية. ( 35 ) وفيما يلي مقارنة مُجدولة توضّح مفاهيم اﻷمن في أبرز المقاربات النقدية الغربية المذكورة سابقًا:

أل ): مقارنة المفاهيم ا منية بين بعض أهم المقاربات النقدية األمنية ( 36 )

جدول ( 1 . 1

مدرسة باريس

مدرسة ويلز اﻷمن كانعتاق

مدرسة كوبنهاجن اﻷمن كفعل خطابي

وجه المقارنة

اﻷمن تقنية حكومية الجماعة السياسية

مرجعية مفهمة األمن موضوع التهديد القيم المهﱠددة من يقوم باألمننة؟

الفرد

المجتمع

النظم المجتمعية

حق اﻷمن لألفارد

الهوية المجتمعيّة النخبة السياسية

اﻷجهزة اﻷمنية المختصة تكثيف تقنيات المارقبة وإدارة المخاطر

المحلل اﻷمني

التحرر من العمل تحت اإلك ارهات

نزع اﻷمننة

كيف يتحقق األمن؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

15

2 . 2 . 2 . 4 مقاربة ما بعد االستعمارية ( Post-colonialism :) ظهرت اﻷفكار ما بعد االستعمارية إبان موجة االستقالل التي اجتاحت دول العالم الثالث )*( في ستينات وسبعينات القرن العشرين، ومن أبرز مفكّريها فارنز فانون ( Frantz Fanon ) )†( ، وإدوارد سعيد )‡( ، واهتمّت بدارسة االستعمار وأثره على الدول التي كانت أو ما ازلت مستعمَرة. ويرى مفكّروها أن النظريات اﻷمنية الغربية، صِيغت لتلبّي أهداف القوى االستعماريّة العظمي، وأن النظام الدولي الحالي، يُكرّس الهيمنة الغربيّة الستعمارية"، فهو ي همّش و"االستماررية ا المستضعفين، وال يعطي شرعي ة لحركات التحرر الوطني، بل يَصِمُها باإلرهاب ، ويحاربها. ( 37 ) فالدول الغربية تحارب حركات المقاومة الفلسطينية، وتسارع لدعم كل حرب ضدّها، باعتبارها "إرهابيّة" وخارجة عن القانون الدوليّ، لكنّها في الوقت نفسه ال تبذل جهودًا حقيقية لمنع "إسارئيل" من التوسّع االستيطاني؛ المُحرّم وفق القانون الدولي نفسه، بل تتحالف معها؛ مما يعني ال أن المنظور ا ستعماري ما ازل هو الم هيمن على التفكير اﻷمني الغربيّ. كما تبذل الدول الغربية ومؤسسات النظام الدولي جهودها الحثيثة لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل "أفقيًّا"، بحجّة حماية اﻷمن الدوليّ، وتفرض لذلك قيودًا أمنية ورقابة مشد دة على دول الشرق والجنوب العالمي؛ لكنّها في الوقت نفسه، ال تبالي باالنتشار "العمودي" لهذه اﻷسلحة، وتستمر الدول النووية بتطوير عدد ونوعية رؤوسها التدميريّة ، دون أي حسيب أو رقيب. ( 38 ) ومن جانب آخر، يؤكّد هؤالء المفكّرون - الستعمار أن ا وإن كان قد رحل عن غالبيّة دول الجنوب العالمي - إال أنه ترك خلفه "بصمة استعماريّة" ما ازل تأثيرها طاغيًا على حاضر هذه الدول؛ لذا فإن النظريّات الغربية أعجز من أن تتنبأ بحلول لمشاكل دول العالم الثالث؛ فطبيعة مشاكلها مغايرة عنها في دول الغرب، فهي ليست عسكرية، بقدر ما هي إن سانية؛ تُهدّد الغذاء والصحة، وسياسية؛ تتمحور حول مشكالت النظام السياسي، والحريّات، و مجتمعيّة؛ تهدد الثقافة والهوية والقيم واﻷخ . الق ( 39 ) ﻷجل ذلك، تمثّل مقاربة " ما بعد االستعمار" قاعدة فكرية جيدة؛ لبناء منظور أمني لدول العالم الثالث؛ الذي تنتمي له فلسطين. )*( العالم الثالث: مجموعة الدول التي خضعت سابقًا لالستعمار اﻷوروبي، و تعاني غا لبيتها من مشاكل سياسية واقتصادية، وتُسمى أحيانا بدول الجنوب، لتركزها في أفريقيا وأمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، والدول العربية جزء منها، ويقصد مُطلقو هذه التسمية تمييز هذه الدول عن العالمَيْن: اﻷول الأرسمالي، والثاني: الشيوعي. د. م.، معجم المصطلحات السياسية ، ص 47 ؛ و العجيلي، معجم المصطلحات والمفاهيم الجغرافية ، ص 2 / 164 . )†( فارنز فانون: ( 1925 - 1961 ) ، طبيب وفيلسوف فرنسي، ومناضل مع جبهة التحرير الجازئرية، انتشرت كتاباته ضد العنصرية، ومن أهمها كتابه "معذبو اﻷرض" الذي دعا فيه إلى العنف الثوري طريقًا وحيدًا لحرية الج ازئريين. )‡( إدوارد سعيد: ( 1935 - 2003 )، مفكر وناقد، فلسطيني أمريكي، كان غزير العلم، مدافعا عن القضية الفلسطينية، استقال من المجلس الوطني الفلسطيني، بعد نقده لسياسات عرفات، وخاصة اتفاقية أوسلو. له عدة كتب، أشهرها "االستشارق".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

16

Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200

Made with FlippingBook Online newsletter