لحظات لا تُنسى
لحظات لا تُنسى مذيعة في قناة الجزيرة الإخبارية | ليلى الشيخلي
جسدي، إذ أدركت عظم اللحظة التاريخية، وأن عالمنا العربي بعدها لن يكون كما كان قبل ذلك، وأن علي أن أنقل خبر هروب بن علي بطريقة تليق بذلك الحدث الجلل. واجهت الكاميرا بكل ثبات، رغم أن كل جسمي كان يرتعش، وقلت: «أعلنت مصادر للجزيرة أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي غادر البلاد». ما زلت حتى اليوم أقابلُ أشخاصاً يذكرون تفاصيل تلك الليلة ويعيدون على مسامعي تلك الجملة بالحرف الواحد، بل إن بعضهم يذكرني بالسترة التي كنت أرتديها، مما جعلني أحرص على الاحتفاظ بها رغم مرور عقد من الزمان.
لكنني فوجئت بالجملة الوحيدة التي قالها لي رئيس التحرير: «كوني جريئة واطرحي عليه الأسئلة التي ينبغي أن تطرح». عرفت يومها أحد أسرار الجزيرة: الثقة. تلك الثقة التي يضعها الفريق في المذيع ليطرح بحرية ما قد يجول بخاطر المشاهد. تكرر الأمر بعد أشهر قليلة حين كُلِفتُ بلقاءٍ مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ثم مع ضيوف آخرين فيما بعد. يومها تيقنت أن سقف الحرية حين يكون عالياً تتألق السلطة الرابعة. لا أنكر أنني أشعر بمتعة وأنا أروي هذه القصص لمن يسألني «هل ُلونَ عليكم الأسئلة؟» وأرى الدهشة في عيونهم كل مرة. لعل اللحظة الفارقة التي لن أنساها أبداً في مسيرتي المهنية حدثت دقائق قليلة قبل التاسعة من مساء الرابع عشر من يناير عام ، وهي اللحظة التي أعلنتُ فيها مغادرة الرئيس التونسي 2011 زين العابدين بن علي بلاده بعد شهر من المظاهرات. ليلتها، كانت الجزيرة القناة الوحيدة التي تنقل الخبر. لم يكن أحد يتوقع ذلك الحدث الكبير، هروب رئيس عربي كان قد تربع على عرش الرئاسة ثلاثين عاماً وحكم البلاد بقبضة من حديد. ما زلت حتى اليوم أذكر صوت المنتج يأتيني مرتعشا وهو يقول: «تأكد الخبر.. بن علي غادر البلاد.» لحظتها سرت قشعريرة في
منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها قناة الجزيرة الإخبارية في أدركت عِظم المسؤولية الناجمة عن الظهور 2006 أغسطس عام على هذه الشاشة التي ترقبها العيون، حيث الكلمة بحساب والالتفاتة بحساب والخطأ بألف حساب. في استوديو أخبار الجزيرة، ورغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً في هذه المهنة، ما زلت مع كل نشرة إخبارية متحفزة ومتوثبة لأنني أعرف أننا قد ننتقل في أي لحظة لتغطية حدث كبير أو أزمة متفجرة تعصف بالعالم، سواء كانت مواجهات عسكرية بين دولتين أو تصريحات نارية لمسؤول كبير أو انفجار بركان أو إعصارا في مكان ما. لحظات كثيرة لا تنسى ستبقى في ذاكرتي، لكل منها طعم خاص، فليس سهلا أن تنقل خبر مجزرة ترتكب أو قرية تقصف. عليك أن تكون رابط الجأش في لحظات الحزن ومهنيا في لحظات الفرح، لأن مصداقية الجزيرة بين يديك، وهي مسؤولية كبيرة والمشاهد لك بالمرصاد. اللقاءات الأولى لا تُنسى. أذكر جيداً اللقاء الخاص الأول الذي أجريته في الجزيرة، ولم يكن قد مر على التحاقي بالشبكة سوى أشهر قليلة. كان الضيف رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز. توقعت أن تكون هناك سلسلة طويلة من التوجيهات والتحذيرات والملاحظات بخصوص طبيعة الأسئلة وفحواها والمحاور التي ينبغي التطرق إليها،
105
104
Made with FlippingBook Online newsletter