رحلة أخرى إلى بلد الأحجيات
«أول مراسل إخباري عربي يُجري لقاء صحفيا مع مسؤول رفيع المستوى في كوريا الشمالية وتحظى معه القناة التي يعمل بها على ذلك السبق الصحفي»، عواجل أسرعت في إرسالها عبر الهاتف للزملاء في قسم التخطيط بالدوحة، لنبدأ بعد ذلك في التحضير للحدث. بعد البشارة العظيمة من “باك”، تشجعت وطلبت منه الخروج إلى أحد أحياء العاصمة للوقوف على حياة الناس اليومية. هز “باك” رأسه مبتسما وأجل الموضوع لنيل الموافقة من الجهات المعنية. في اليوم التالي أخبرني “باك” أن موعد إجراء المقابلة مع نائب وزير الخارجية سيكون في الساعة العاشرة صباحا، في إحدى قاعات الفندق الذي نسكن فيه.
رحلة أخرى إلى بلد الأحجيات مدير مكتب الجزيرة في الصين | ناصر عبد الحق
، وصلنا إلى مطار بيونغ يانغ 2017 الأربعاء، الثاني عشر من إبريل قادمين من العاصمة الصينية بيجين قبيل الغروب. بعد استكمال الإجراءات لدخول كوريا الشمالية، خرجنا لنستقل الحافلات المخصصة لتقلنا وباقي الصحفيين إلى الفندق. وبينما كُنّا نبتعد عن المطار نحو المدينة، أطفئت الأنوار في كل صالاته، ثم أَقفلت بواباته. مشهد، يجعل المرء يشعر كما لو أنه دخل مكانا لا يعلم متى سيخرج منه. تكاد الهواجس مما يتداوله الناس عن هذه الدولة ونظامها، تصور لك بلدا «الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود»، رغم أنها كانت المرة الثانية التي أزور فيها كوريا الشمالية. كان يرافقنا في الزيارة مبعوث وزارة الخارجية ويدعى «باك»، يتقن اللغة العربية ويمتلك ثقة بالنفس، كان رجلا جادا وصارما في توجيهاته. في اليوم التالي، وبعد انتهاء تغطيتنا لاحتفالات البلاد بذكرى ميلاد الزعيم الجدّ «كيم إيل سونغ»، وبينما كنا في طريقنا عائدين إلى موقف الحافلات سيرا على الأقدام، استوقفني كُشك على أحد الأرصفة، يبيع مأكولات بسيطة ومشروبات. فأخذت «بوظة»، وطلبت مني البائعة خمسة قروش من العملة المحلية ثمنا لها. لحسن حظي أن مَن باعتني بسكويتا في السوق الحرة داخل المطار،
كانت قد أعادت لي الباقي عملة محلية، وإلاّ لم يكن بمقدوري شراء أي شيء من ذلك الكشك الصغير بعملة أجنبية. كانت تلك أولى تجاربي في الحديث مع العامة في بيونغ يانغ، كانت تلك الفتاة في الكشك الصغير بسيطة جدا ولم تظهر أي ارتباك خلال التحدث إلى رجل أجنبي في وضح النهار. عدنا إلى الفندق مساء، وفجأة تذكرت استفسارا سابقا من الزميل أحمد الشرقاوي، من قسم التخطيط في غرفة الأخبار، عن إمكانية إجراء لقاء مع مسؤول رفيع المستوى في كوريا الشمالية للحديث عن موقف بلاده تجاه التصعيد الأمريكي في شبه الجزيرة. قبل مغادرة «باك» للفندق، أمسكت بيده وبدأت وإياه المسير ببطء نحو أحد الممرات. قلت له إن الجزيرة هي القناة العربية الوحيدة التي تنقل إلى العرب صورةً خاليةً من تهويل الغرب عن الأوضاع في بلاده، وعرضت عليه الأمر، فتبسم “باك” ووعدني بأن ينقل فكرتي إلى وزارة الخارجية. بعد اليوم الثاني في «بلد الأحجيات»، أخبرني «باك» أنه رتب لقاء مع نائب وزير الخارجية الكوري تشين هون تشول، وسيتم تحديد موعد المقابلة بعد تزويدهم بالأسئلة التي سنطرحها.
121
120
Made with FlippingBook Online newsletter