AJ 25th Book.

انهار البرج.. انهار البرج!

انهار البرج.. انهار البرج! مراسل الجزيرة في غزة | وائل الدحدوح

بقيت على اتصال معهما عبر الهاتف منذ دخلا إلى البرج وصعدا إلى الطابق الأخير، حيث المكتب وبدأا عملية البحث عن المفتاحين. «هنا، لا، هنا.. لا، لم نجدهما، ابحثا جيدا قلت لهما. قالا: الأشياء مبعثرة في المكان، ووصفت لهما المفاتيح، ولعبة الأعصاب تفعل فعلها بنا، إلى أن عثرا على المفاتيح. بسرعة صعدا إلى الأعلى حيث غرفة المكتب. قلت لهما ستجدان حقيبة لونها أحمر وأخرى لونها بني. قالا: نعم وجدنا الحقيبة الحمراء، ويوجد أكثر من حقيبة لونها بني، قلت أوصافها كذا وكذا، تأكدا من أنها هي وتأكدا من وجود هذه الأشياء. صحيح، صحيح، هي وجدناها. قلت: تمام خذا الكومبيوتر وافتحا الدرج الأول في المكتب تجدان حقيبة يد، خذاها واخرجا بسرعة، وأبقيا الاتصال مفتوحا معي.

قلت: وماذا عن المعدات؟ أجابني: استطعنا أن نأخذ القليل منها، فالوضع صعب ومتوتر كما تعلم. عاجلته بالقول: والأغراض التي في غرفة مكتبي؟ قال: لم نأخذ منها شيئاً، ومفتاح الغرفة ليس معنا. قلت له: المفتاح على مكتبي، وكذلك مفتاح سيارتي وهي في الموقف تحت البرج، أرسل أحدا إلى المكتب. فقال لي: أشياؤك في الخزانة والخزانة مغلقة؟ أجبته وكأنني وجدت ضالتي: «لا، أغراضي موجودة في شنطتين خارج الخزنة». أحسست حينها وكأن الله ألهمني بوضع جميع الأوراق والمستندات الثبوتية وبعض النقود في حقيبتين بعد قصف أول برج في القطاع، وهو برج هنادي. أكثر من ذلك وأهم أنني وضعت مفاتيح الغرفة ومفتاح سيارتي الشخصية على «ديسك الأخبار» وأنا ذاهب للتغطية في منطقة جباليا، تحسبا لأي طارئ. وفعلا عاد إلى المكتب شقيقي إياد، وهو يعمل مصورا معنا، والسائق محمد أبو دقة، وفتحت اتصالا مباشرا معهما في طريق عودتنا إلى المكتب في لحظات لا يمكن وصفها. فقد كنت وقتها بين نارين، الأولى أن نخسر هذه الأوراق والمستندات، والثانية -وهي أسوأ بكثير- أن تبدأ قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقصف، بينما إياد ومحمد داخل المكتب.

«انهار البرج.. انهار البرج.. انهار البرج!»، كانت كلمات عفوية وتلقائية عبرت عن الواقع الصعب، في لحظة فارقة واستثنائية ومشحونة بكثير من المشاعر المتناقضة والمتأججة. كنت قبلها بقليل في بث مباشر من منطقة خطيرة مشرفة على الحدود الشمالية لقطاع غزة، حيث دمرت الغارات الإسرائيلية مسجدا وعددا من المنازل هناك. كنت أستمع إلى مشاهدات رجال الدفاع المدني، وإذا بالمذيعة في الاستديو تبلغني بأنه تم إبلاغ مكتب قناة الجزيرة في غزة بضرورة إخلاء المكان لأن البرج سوف يقصف. شعرت حينها بأن شيئا قد انفجر داخلي. اضطررت إلى أن أتحدث بكلمات معدودة، وطلبت قطع المقابلة حتى أتمكن من العودة إلى المكتب، وسط سيل من التساؤلات التي لا أملك إجابة عليها، هل هذا الخبر حقيقي فعلا؟ ما الذي جرى للطاقم الموجود في المكتب؟ ماذا فعلوا وكيف تصرفوا؟ وأنا أعلم أن الطاقم الموجود في المكتب لا يتجاوز أربعة أشخاص، لأن البقية موزعون بين عمل ميداني، وآخرين ذهبوا لاستراق لحظات من الراحة بعد ليلة مليئة بالأحداث والقصف. قطعت هذه التساؤلات لأتصل بمنتج الأخبار المناوب في المكتب، الزميل خالد لبد، الذي أكد لي الخبر. سألته: هل أخليتم المكتب؟ قال: نعم.

165

164

Made with FlippingBook Online newsletter