الجزيرة وترمب
الرئاسية أبواب البيت الأبيض في وجهه صار كمن فقد عزيزاً لا يقوى على فراقه. بين تنصيبين تتبعت وكاميرا الجزيرة ترمب من اليابان إلى كوريا الجنوبية والصين وفيتنام والفليبين، عندما رافقناه في واحدة من أطول الجولات الرئاسية الأمريكية في آسيا. وفي سنغافورة، كنا على الهواء مباشرة من قاعة المؤتمر الصحفي في ختام القمة التاريخية. من باحة البيت الأبيض وثقنا انتقاله في الطوافة الرئاسية إلى مستشفى والتر ريد العسكري جراء إصابته بفيروس كورونا.
الجزيرة وترمب مراسل الجزيرة في واشنطن | فادي منصور
بدأنا نجري هائمين على وجوهنا في رطوبة سنغافورة وحرها الخانق، نتصبب عرقاً في ملابسنا الرسمية، حاملين عتادنا الصحفي. كنا الأسرع، فالصحفيون التلفزيونيون يتنافسون دائماً على أفضل موقع يطل على الحدث، ويغريهم سماسرة العقارات بتعويذتهم الشهيرة «اللوكيشن»!. هكذا ولجنا بالمئات القاعة المخصصة للمؤتمر الصحفي الذي قرر أن يعقده الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في ختام قمته التاريخية مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، في منتجع كابيلا في سنغافورة. مؤتمر لم يعلن عنه سابقاً، وترتيباته أنجزت في اللحظات الأخيرة والانتقال إليه في حافلات خصصت للصحفيين تطلب منا الوقوف لساعتين في طوابير طويلة، زاد من طولها سوء التدبير والفوضى. الآن، وأنا أتذكر الأعوام الأربعة الماضية خلال إدارة ترمب، أدرك أنها ؛ فوضى 2018 كانت تشبه ذلك اليوم في الثاني عشر من يونيو عام ومفاجآت وجري خلف ترمب وأخباره. الجزيرة «فتنت» بالرئيس ترمب كما فتنت به صحافة العالم. كيف لا وهو «مالئ الدنيا وشاغل الناس»، بتغريداته يقيل ويعين، ويشن حروباً تجارية ويعقد معاهدات سلام، ويثير احتجاجات شعبية ويجمع حشوداً انتخابية. وعلى وقع تغريداته ترتفع أسهم البورصة أو تهوي، وتتواصل التغطيات الإعلامية على مدار الساعة.
غير ترمب العمل الصحفي التلفزيوني. حول الخبر الأمريكي المحلي إلى شأن دولي وقضية ذات اهتمام عربي، وجعله خلطة لا تقاوم من الترفيه السياسي والدهشة من مآلات الرئاسة الأمريكية ومواقف شخصية تهشم المقبول والمعتاد. ورغم أن ترمب حكم على الصحفيين بأنهم «أعداء الشعب»، ظللنا نجري خلفه كأننا في سباق حواجز زالت فيه الحدود بين الإعلام الأمريكي والعالمي والعربي. غطيت للجزيرة حدث تنصيبه من منصة تطل على الكونغرس، ونقلت على الهواء مشهد رحيله بالطوافة الرئاسية من منصة تشرف على البيت الأبيض؛ رئاسة كانت تستنزف دقائقها الأخيرة على شاشات التلفزة وتحت أنظار أمة تحبس أنفاسها ويؤرقها سؤال واحد، هل يمر التسلم والتسليم على خير، وهل تؤول مقاليد الحكم إلى جو بايدن، الذي ينتظر على الجانب الآخر من جادة بنسلفانيا تنصيبه. حامت الطوافة فوق البيت الأبيض، وابتعدت إلى الكونغرس، ثم عادت لتحلق فوقنا قبل أن تختفي بعيداً في الأفق. تلك كانت جولة ترمب الوداعية فوق واشنطن، عاصمة وصفها بالمستنقع، وبدا خلال أربع سنوات كمن لا يطيق انتظار مغادرتها إلى ملاعب الغولف ومنتجعه في فلوريدا. وعندما أغلقت الانتخابات
177
176
Made with FlippingBook Online newsletter