“قرصنة زيتونة” وصحافة النضال
“قرصنة زيتونة” وصحافة النضال مراسلة الجزيرة في لندن | مينة حربلو
على بعد ثلاثين ميلا تقريبا، وفي الليلة الأخيرة قبل الوصول إلى القطاع، بدت لنا أبنية ومنشآت صناعية في الأفق. أشارت السبعينية الأمريكية «آن رايت» قائدة فريق زيتونة، بأصبعها باتجاه المنطقة المظلمة وقالت «إنها غزة التي تغرق في الظلام، بينما تستنزف إسرائيل وقودها ومواردها الطبيعية». وفجأة تعالى صوت من قمرة القيادة، كان صوت قبطان من البحرية الإسرائيلية يأمر قبطان زيتونة بتحويل مسارها إلى ميناء أشدود. رفضت القبطان تنفيذ الأوامر، وأجمع النسوة على المقاومة والتحدي ورفض إغراءات قوات الاحتلال بمساعدتهن على دخول غزة عبر البر، فالهدف بالنسبة لهن كان هو كسر الحصار البحري.
وكدت أسقط في البحر، لكنني تمسكت بالحبل وعدت إلى السطح بينما كان صوت الرعد والبرق يثير الرهبة في النفوس. ورغم ذلك كنا نواجه كل هذه التحديات بضحكات وتعليقات تستخف بجبروت البحر وتهون من هول المنظر. لكن، فجأة سمعنا صوتا يصرخ «القارب يغرق!» «إننا نغرق!», فقد كان صوت القبطان مادلين حبيب، التي هرعت لتشغيل المحرك بعدما كسرت الرياح القوية الشراع. كادت المياه تغمر القارب، ولم يعد بإمكانها التحكم فيه، فقررت تحويل وجهتها إلى المياه الدولية قرب اليونان لتلقي الإمدادات وإصلاح العطل. لم أكن، لا أنا ولا زميلتي هدى، نخشى الغرق- كما لو كنا من أمهر السباحين - رغم أن التقني الذي جاء لإصلاح العطب أبلغنا بأن القارب ليس آمنا بما يكفي لإكمال الرحلة في حال ساءت أحوال البحر مرة أخرى. هدى كانت تخشى من اعتراض جنود الاحتلال للقارب ومنعنا من مواصلة التغطية. لم يكن هذا همي صراحة، فقد كنت أشعر بمسؤولية أكبر تجاه أسطول الحرية والناشطات اللواتي وضعن ثقتهن في الجزيرة وطاقمها لمواصلة التغطية حتى النهاية، بعد إقصاء جميع القنوات الأخرى من الرحلة. كان هذا دافعاً حاسما من بين دوافع أخلاقية ومهنية أخرى جعلتنا نقرر استكمال الرحلة.
لم تكن تغطية عادية لحدث عادي، فقد كانت رحلة «زيتونة» رحلة بحرية لكسر الحصار على قطاع غزة. فكم 2016 خريف عام كنت أحلم بمثل هذه التغطيات التي تشد المشاهد ليلا ونهارا، ويزيد فيها حماس المراسل المتعطش لفضح الظلم والاستبداد وإعلاء صوت العدالة. لكن التغطية لا تكتمل إلا عندما يكون المراسل متناغما تماما مع المصور، مثلما كان الأمر بيني وزميلتي المصورة هدى رحمة. كانت الجزيرة النافذة الوحيدة التي يطلع منها العالم على مسار هذا القارب الخشبي المتواضع الذي يتحدى القوة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، وكانت كاميرا الجزيرة العدسة الوحيدة التي عزمت على تحدي كل الصعوبات من أجل توثيق رحلة الناشطات لرفع الحصار عن غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة. لكن هذا القارب المهترئ لم يكن في مستوى المهمة الضخمة. كان البحر متقلبا جدا. في الليلة الثانية من رحلة زيتونة، صعدت وزميلتي هدى إلى سطح القارب لتفقد معداتنا. كانت الأمواج العاتية تتقاذف القارب يمينا ويسارا بكل عنف وقوة. وبينما كنا نربط الحبل الذي كان يثبت جهاز البث على القارب انزلقت رجلي
185
184
Made with FlippingBook Online newsletter