“قرصنة زيتونة” وصحافة النضال
التي قضيناها في البحر، وكنت ما أزال في فقاعة «الطاقة الإيجابية» التي لفتني منذ صعود القارب. هل كانت تغطيتنا ناجحة؟ كان الجواب لدى الناشطين والمتضامنين مع فلسطين الذين وجدتهم في انتظاري في مطار هيثرو بباقات الورود والأعلام الفلسطينية. ربما لأنني لم أقم إلا بواجبي الصحفي، لكن الجزيرة وأطقمها أكدوا مرة أخرى وقوفهم مع الإنسان.
مكتب جانبي تجلس وراءه طبيبة شابة. قالت لي بالفرنسية إنها تريد الكشف عني، لمست من لهجتها أنها قد تكون مغربية بربرية. سألتها ما إذا كانت تعامل الفلسطينيين بهذا اللطف الذي تعاملني به، لكنها لم ترد. رفضت أن تكشف علي وانصرفت، لأجد أمامي أحدهم يحاول استنطاقي وإجباري على توقيع وثيقة أشهد فيها بأنني دخلت إسرائيل بطريقة غير شرعية. وبينما أنا أجادله، جاء آخر يرتدي الزي العسكري، واستعجله بإخلاء سبيلي. كانت سيارة «فان» في انتظاري بالخارج، وكانوا يعجلون بنقلي إلى مطار بن غوريون لترحيلي. ألقيت نظرة داخل السيارة ولم أجد زميلتي هدى فيها. فرفضت الصعود. كان السائق عربيا على ما يبدو، وحذرني من أن الجنود قد يطلقون الرصاص علي إذا لم ألتزم بالأوامر. لكنني لم أكن لأغادر المنطقة العسكرية إلا وزميلتي معي. وفعلا حضرت هدى ولم تكن تحمل كاميرتها ولا أي من معداتنا. رفضت مرة أخرى صعود السيارة قبل تسليمنا معداتنا. غضب السائق وقال لي إنني أعرض حياتنا وحياته للخطر. لكنه ذهب وعاد بالكاميرا بينما ظلت بقية المعدات معهم بما في ذلك الشريط الذي يوثق «قرصنة زيتونة». عادت زميلتي هدى إلى موسكو وعدت أنا إلى لندن. أثناء رحلة العودة لم أكن قادرة على استيعاب ما حدث خلال الأيام الثمانية
قضينا الليلة في ترقب وانتظار للسفن الحربية الإسرائيلية. وكنا نحن أيضا على استعداد لكل الاحتمالات. وفي فجر اليوم الأخير أطلت علينا بارجتان حربيتان من مكان غير بعيد، وبدأتا تشوشا على اتصالاتنا بالقناة وعلى اتصالات «زيتونة». كان مشهدا مثيرا للرعب. لقد اقتربت ساعة الحسم، ولم يعد هناك أمل في الوصول إلى القطاع. جلست آن رايت ومعها موريد ماغواير، السبعينية الإيرلندية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توصياننا بعدم الانصياع لاستفزازات الجنود الإسرائيليين، وعدم التوقيع على أي وثيقة، لأن ذلك في اعتقادها يعطي الشرعية لقوات الاحتلال. فقد كانت لهما تجارب سابقة لكسر الحصار ضمن أسطول الحرية في السنوات السابقة. في عصر ذلك اليوم المشهود، تسابقت زوارق البحرية الإسرائيلية في اتجاه القارب، وكما توقعت قائدة السفينة، استولى مجموعة من الجنود على «زيتونة» وأوقفوا محركها واقتادوها ونحن معها إلى ميناء أشدود. وقفت أنا وزميلتي فوق السطح بعيدا عن المناضلات، لكنهم طلبوا منا الابتعاد عن عدتنا والتوقف عن التصوير، هنا كان علينا أن نسلم بانتهاء مهمتنا. كان اللافت، لحظة وصولنا إلى الميناء، أن إحدى المجندات، قالت لي بلهجة مشرقية: «إيش هاذي التغطية الرايعة يا مينة، الله يعطيكي العافية اخذتينا معاك في رحلة شيقة!». لم أستغرب الأمر، فقد كانوا يتابعوننا لحظة بلحظة، حولتني إلى
187
186
Made with FlippingBook Online newsletter