AJ 25th Book.

ما معهم الحق، معهم القوة

في مرحلة ما بت أشعر أن لي في الحي بيتًا وعائلة دافئة. في لحظات التعب والإرهاق، كنت أستمد القوة من أصحاب البيوت. ليس ذلك شعارًا، إذ لن أنسى في أحد أيام التغطية، عندما جاءتني إحدى سيدات الحي وقالت: رأيتك على الهواء وتبدين متعبة وشاحبة، تعالي معي إلى البيت لترتاحي قلي ً، ولا تخجلي إن كنتِ لست صائمة، سأعد لك بعض الطعام. ولن أنسى سيدة أخرى كانت تطل علي يوميًا من بوابة منزلها وتقول: في بيتنا غرفة إضافية يمكننا تجهيزها لكِ لترتاحي قليً إن رغبتِ في ذلك. ولن أنسى شباب الحي الذين ما انفكوا يسألوننا باستمرار عن احتياجاتنا حتى التقنية. لن أنسى العم أبو السعيد، ذلك الأب الحنون، عندما اتصل ليطمئن بعد إصابتي بقنبلة صوت، وقال: نشتاق إليك يا نجوان، لكن لا تأتي قبل أن تصبحي بخير. نريدك أن تعودي إلينا قوية، فمعركتنا تحتاجكم، ومعركتنا معهم طويلة.

كانت تلك هي أولى ليالي تغطية متواصلة استمرت من داخل حي الشيخ جراح لعدة أسابيع، حرصت خلالها على زيارة أحد البيوت المهددة يوميا لأتعرف إلى أهله. بالفعل، تعرفت إلى معظم العائلات وحفظت أسماءهم واستمعت إلى قصص أبنائهم وقلقهم الدائم. في كل مرة كنت أتعمد أن أذكر خلال المداخلات الحية جانبًا ومثاً من تفاصيل حياتهم اليومية التي لم يكن بالإمكان فصلها عن معاناتهم الممتدة، بين أم تنام ليلها دون نزع حجابها خشية أن يقتحم المستوطنون بيتها في الليل، وبين أب مقهور لا ينام الليل ويمتنع عن الخروج من بيته حتى لزيارة الطبيب، وبين طفل يخشى اللعب في باحة بيته لأنه يخاف المستوطنين وأسلحتهم.

المحتجين على حصار الحي ومنعهم من الوصول إلى منطقة المنازل المهددة بالإخلاء، ثم سرعان ما بدأت قوات الاحتلال تستخدم الرصاص المطاطي وترش المياه العادمة لتفريقهم. وهكذا وجدت نفسي أنا ومراد ننتقل من مكان إلى أخر في حي الشيخ جراح وصو إلى منطقة باب الساهرة، ومن ثم إلى باب العامود، لكي نلاحق الحدث. خلال البث المباشر تمكنا من الدخول إلى شارع عثمان بن عفان المحاصر. عندما وصلنا لمحت عددًا من أفراد العائلات يجلسون عند مدخل منزل العم أبو السعيد. كنت أتحدث على الهواء وسمعت أحدهم يقول: هذه مراسلة الجزيرة، فرد أبو السعيد: هذه بنتنا، نجوان.

227

226

Made with FlippingBook Online newsletter