صديقي الذي أذعت نعيه
صديقي الذي أذعت نعيه منتج أولفي قناة الجزيرة مباشر | أحمد حمدان
أجري في المحطة بخطوات مثقلة كمن فقد طفله، أخاه، أباه، وأنا أعيد لذاكرتي كلمات أنس الأخيرة، وصوته الذي كان يحلق في مساحات الكون. «أعلم يا أنس بأنك لن تكلمني، أعلم بأن بقايا كلماتك ما زالت تشتعل في داخلي، وأعلم أيضاً بأن القدر في يد الله وحده، لكني أتمنّى من كُلِ قلبي أَن يعود الماضي ولو بأثر شحيح، ولو بلحظة واحدة تجمعني معك». تطور بثنا في نقل «الحدث» للمشاهد من كل بلدان العالم، وكان شعارنا دائما تحرّي الدقة والسرعة والابتكار على كافة منصاتنا 2.5 مليون متابع على فيسبوك و 15 الرقمية، تخطت الجزيرة مباشر مليون 5.5 ملايين مشترك على يوتيوب و 3 مليون على انستغرام و متابع على تويتر. وأخيراً.. أؤمن بأن الحياة سلسلة من الاختبارات التي تمتحن قدراتنا، لم تكن المعادلة سهلة، لكننا استطعنا كسب ثقة المشاهد، وحولنا الأحلام والمستحيل إلى واقع يفرض نفسه علينا جميعا بكل ما فيه من فرح ومآس.
تعرف باسم «حمص الملعب». أنس الطرشة، ابن العشرين ربيعا، كان مفعما بالحيوية والنشاط، ولم يكن يهاب الرصاص ولا صواريخ الموت، بل كان يغامر بنقل أي حدث في أي وقت ومن أي مكان على نفقته الخاصة. وفي أحد الأيام تلقيت منه اتصالا: هو: أستاذ أحمد السلام عليكم بدك تأخذني لايف بعد شوي. أنا: من وين يا أنس. هو: من منطقة قريبة من حمص الملعب قصفها النظام من شوي. أنا: انتبه على حالك ولا تغامر إذا لسه فيه قصف. انقطع الاتصال، انتظرت ليعاود الاتصال معي، كان انتظاري موتا بطيئاً وأنا أترقب خبراً منه، حاولت التواصل معه، لكنني لم أستطع الوصول إليه، كانت الهواجس السوداء تحوم بي، وتأخذني بين مد وجزر، وفعلاً لم تمر الدقائق حتى وردتني رسالة على فيسبوك، فتحتها ولم أصدق ما رأيت، صورة لأشلاء أنس بعد أن مزقها أحد صواريخ النظام هو وأحد زملائه. حتى اللحظة لم أستفق من هذا الكابوس الذي هبط عليّ في اليقظة، وزعزع كياني كإعصار هائل، كعيار ناري انطلق من فوهة بندقية صوبت باتجاهي سقط الهاتف من يدي، حملت نفسي وأخذت
أحاول دائمًا ألا أدع الذكريات الأليمة تنغص حاضري، ولكن لتغطية الأحداث في سوريا شأنا آخر، كان لها أن تبقى معي في كل وقت وكل حين، وكأنه مصير محتوم كُتب علينا أن نعيشه بأحيائه وأمواته. على منصات الجزيرة مباشر في مواقع 2010 وبحكم عملي منذ عام التواصل الاجتماعي، تردنا مواضيع وتغطيات كثيرة من مختلف أنحاء العالم، وأذكر أن إدارة القناة ارتأت أن نطلق فقرة باسم «شارك» هدفها تفعيل فكرة المواطن الصحفي، وبالفعل بدأنا في نشر حساب خاص بالقناة عبر سكايب للتواصل معنا ونجحت الفكرة ووصلتنا من خلاله مئات الفيديوهات لأحداث متفرقة يتم توثيقها والتأكد منها قبل إذاعتها على الشاشة. وفي حربهم القاسية مع إجرام القاتل، التي لم تمنعهم من نقل الصورة عبر شبكات المحمول، كان ذكاء وعبقرية الشباب السوري واضحين لنا جميعاً، كانوا مصرّين على حمل حريتهم المثقلة بالدماء، فهم يعلمون بأنهم معرضون للموت والخطف والتعذيب، ولكنهم كانوا أبطال الحدث بكل أهواله ورصاصه لصالح الحقيقة والمشهد. أكثر المواقف التي تركت أثرا في حياتي وعملي مع شبكة الجزيرة خسارتي لأحد الشباب السوريين الذي 2012 الإعلامية وقتها، في كان يقاتل من أجل نقل البث عبر هاتفه من منطقة في سوريا
237
236
Made with FlippingBook Online newsletter