يوم قيامة فيحلب
بعد دقائق من مغادرتي وجلوسي قريبا من المستشفى، حضر أبو عبد الله ومعه ممرضة، كنت أقول له: «حرام اتعالج.. هناك من يحتاجون لإنقاذ حياتهم»، أبلغتني الممرضة أن عليها أن توقف نزيف الدم فقط، ثم أنتقل للتصوير الشعاعي للتأكد من عدم وجود كسور، وبعدها يمكنني أن أذهب لأبحث عن العلاج في مكان آخر. هناك صور لا تنسى، وأشفق فعلا على من عاشوا أهوال الحرب في سوريا عموما، وحلب خصوصا لسنوات، لاسيما من زملائي في مهنة الصحافة. الوجوه التي ما زلت أحفظ تفاصيلها ما زالت تعيش معي، ساعات، -فترة 4 خاصة صورة ذلك الرجل الذي بقيت جثته لنحو مكوثي عند المستشفى- ملقاة تنتظر من يأخذها لدفنها. كانت الجثث تنقل للرصيف القريب من الباب لأن الثلاجات ممتلئة. كان أناس يحضرون ويأخذونها للدفن وسط مشاعر لا يمكن وصفها. كم كنت أشفق على من يأتون للتعرف على الجثث. لكن هذه الجثة ظلت مكانها. وقبل أن أغادر سألت الشخص الذي كان يشرف على عملية التسليم، فقال إنهم يقومون بدفن الجثث التي لا يحضر أهلها، وأجابني على سؤال عن أمثال صاحب هذه الجثة، فرد بأن هناك الكثير ممن يموتون دون أن نعرف هويتهم. تلك الأهوال التي أنقلها ببضع كلمات، عشتها بتفاصيلها ذلك اليوم: ) الذي بدأ فجرا بانتقالي للتغطية في حي 2012 أكتوبر 5( الخميس بستان الباشا، تنقلنا خلالها بحذر شديد في شوارع وأزقة الحي، ومررنا عبر بيوت فتحت أجزاء من أسوارها، كان بعضها من بيوت حلب القديمة، نوافير الماء، والشجر بكل أنواعه، كان لا يزال صامدا وسط كل تلك الأهوال.
يوم قيامةفيحلب منتج أولفي موقع الجزيرة نت | محمد النجار
ملخص المشهد، الذي ما زلت عاجزا عن لملمته ببضع كلمات بعد كل هذه السنوات، أن قراري الذاتي بأنني لا أحتاج للعلاج سببه كم الأهوال التي شاهدتها في ذلك المستشفى في ذلك اليوم. كانت ممرضة تطلب من زميلتها أن تسرع لمعالجة (الصحفي)، وكانت تقصدني. لكن مشهد من قطعت أوصالهم، والجرحى بكل أنواعهم من نساء وأطفال ورجال، جعلني أخجل من طلب العلاج رغم أنني كنت قد دقيقة كما أخبرني (أبو عبد الله) 20 أفقت من إغماءة استمرت لنحو الذي تولى نقلي للمستشفى.
كان النزيف يزداد عندما وصلت لما تبقى من مستشفى الشفاء في حلب. بصعوبة وبمساعدة اثنين ممن نقلوني للمستشفى تمكنت من النزول من الحافلة الصغيرة وصعود درجات قليلة. أجلستني ممرضة على كرسي قريب من الباب، لكنني بعد دقائق معدودة غادرت المكان، خرجت هائما على وجهي.. فعلاجي ليس أولوية رغم أن الدم لم ينقطع، والألم يزداد، والشعور بعودة الإغماء يقترب. سنوات 9 هذا المشهد الذي لا يغيب عن عقلي ووجداني بعد على إصابتي بشظايا قذيفة هاون فيما بت أسميه «أيام القيامة في حلب». عرفت فيه صورا لا تنسى لوجوه لا أزال أحفظ بعض تفاصيلها عن ظهر قلب.
هذا المشهد الذي لا يغيب عن عقلي سنوات على إصابتي 9 ووجداني بعد بشظايا قذيفة هاون فيما بت أسميه «أيام القيامة في حلب».
239
238
Made with FlippingBook Online newsletter