المنسيونفي الأرض
المنسيونفي الأرض مراسلة قناة الجزيرة الإنجليزية في أمريكا اللاتينية | لوسيا نيومان
لا يوجد بالدار من يساعدهم على قضاء حوائجهم، مما جعل رائحة المكان في هذا القيظ أشبه برائحة الجيفة. جميعهم يعانون من علل بدنية بخلاف الخرف. يوجد بالدار فقط عامل تنظيف وطاه وحيد من التاسعة صباحاً حتى الرابعة عصراً. ولا يتذكر أحد متى زار الطبيب هذا المكان أو متى تلقى أي منهم أي علاج للضغط أو السكري أو خلافه. تُوفي ثلاثة من نزلاء الدار مؤخراً للأسباب التي ذكرتها، ليتقلص نزلاؤها إلى نحو عشرين مُسناً. فنزويلا التي تعاني نسبة التضخم الأعلى في العالم هوت إلى الحضيض، حيث بلغت أسعار المواد الغذائية والدواء والوقود أرقاماً فلكية. عاماً، وتوسل 76 ، تعلق بسترتي أحد النزلاء يدعى أنتونيو روزاليس للحديث معي. انهمرت دموع أنتونيو الذي لم يستطع تغيير ملابسه المتسخة منذ فترة. طلب مساعدتي بعد أن أجبره أحد أقاربه قبل ثلاث سنوات على المكوث في الدار حين كان يقوى على السير والرؤية بوضوح. أما الآن، فبات أنتونيو حبيس الكرسي المتحرك وأوشك على العمى التام.
عملتُ مراسلةً أجنبية لأكثر من ثلاثين عاماً، قضيت جُلها في تغطية الحروب والنزاعات المسلحة وجرائم عصابات تهريب المخدرات والانتفاضات الشعبية والثورات والكوارث الطبيعية في بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي. ولا أخجل حين أقول إنني ذرفت الدموع في مرات عديدة خلال تلك السنوات، فقد شاهدت بأُم عيني فظائع ومآسي تفطر القلوب. وفي كل مرة أجفف فيها دموعي، أدعو الله أن أكون سبباً في تغير الواقع الذي أراه، أو على أقل تقدير تخفيف معاناة اليائسين الذين شهدتهم. ومن هذا المخزون الكبير من التغطيات، أذكر حادثةً ظلت عالقةً في ذهني. ففي إحدى المرات التقيت بمجموعة من الرجال قرب قرية تبعد ثلاث ساعات عن (سان كريستوبال) عاصمة ولاية (تاتشيرا) في فنزويلا. في إحدى الهضاب المعزولة عثرنا على دار كولينا دي اسبيرازا (هضبة الأمل) لرعاية المسنين. لم نجد أي حراس لتلك الدار. فتح لنا الباب الشخص الوحيد القادر على السير من بين نزلاء الدار، كان يُدعى عاماً. أما النظر إلى بقية نزلاء 97 فليتشانو روخا ويبلغ من العمر الدار فهو بحق يُدمي القلوب.
263
262
Made with FlippingBook Online newsletter