المنسيونفي الأرض
يساعد النزلاء بعضهم بعضا، ترى كسيحاً يساعد كفيفاً. جلسوا في هدوء قاتل لتناول حساء الماء المغلي بدقيق الذرة، قبل أن يغادر الطاهي وعامل التنظيف، تاركا النزلاء بلا حارس أو مُعين. مع حلول الظلام، غطى الدار ظلامٌ دامس، فلم يتبق أي مصباح صالح في المبنى. قيل لي إنهم ينامون مبكراً ليس بسبب الظلام الدامس بعد غروب الشمس، ولكن ليتناسوا آلام الجوع. في البلدان التي تعاني أزمة اقتصادية طاحنة مثل فنزويلا، يكون الصغار والمسنون الفئة الأضعف. إلا أن الأطفال في الغالب يحظون باهتمام المنظمات الإنسانية أولاً، أما كبار السن أمثال هؤلاء فقد طواهم النسيان. عرضت الجزيرة قصة هؤلاء المنسيين، فانفطر قلب كل من شاهدها. تلقينا رسائل عدة من جمهور المشاهدين ومنهم من عرض تقديم المساعدة. ولكن كان من الصعب تحويل الأموال إلى فنزويلا بسبب العقوبات المفروضة من قبل الإدارة الأميركية على حكومة مادورو. فنزويلا اليوم «دولة منهارة»، تحولت إلى غابة يصارع فيها الجميع من أجل البقاء، وقصتي التي رويتها عن دار (هضبة الأمل) لرعاية المسنين ما هي إلا غيض من فيض.
لم يتوقف أنتونيو عن البكاء وطلب مني أن أحضر له بعض مسكنات الألم، ثم قال: «نعاني من الجوع بخلاف ما نعانيه من أمراض. لقد تخلت عنا الحكومة كما تخلى عنا أقرباؤنا.» انفطر قلبي واعتراني الغضب. فبدلاً من أن يقضي هؤلاء الرجال سنواتهم هذه في نعيم وكرامة، باتوا فريسةً للجوع والمرض، في بلد اعتاد قبل سنوات أن يستقبل المرضى من مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية للعلاج المجاني ضمن برنامج أطلقه الرئيس الراحل هوغو شافير ونظيره الكوبي فيدال كاسترو تحت مسمى «عملية المعجزة.» أخبرني عامل التنظيف بأن واحداً من النزلاء فقط يتلقى مساعدة مالية أو زيارة من أحد أقاربه، أما البقية فمنسيّون تماماً ليس من قبل ذويهم فحسب، بل من قبل حكومة بلدهم أيضـاً. أعد الطاهي لهم وجبة العشاء ولم تكن سوى حساء الماء المغلي مع دقيق الذرة. يستمر عمل دار المسنين هذه بفضل التبرعات الخيرية فقط، ولكن مع استفحال الأزمة الاقتصادية، لم يعد الوضع كما كان. ورغم أن القانون يُلزم الحكومة بتوفير الطعام والرعاية الصحية لهؤلاء النزلاء، فإنها لم ترسل لهم شيئاً منذ شهور.
265
264
Made with FlippingBook Online newsletter