أكثر من صورة
أكثر من صورة محرر أخبار في قناة الجزيرة الإخبارية | عبد القادر دعميش
أفغانيا يعبر جريا. ثم يسقط مغشيا عليه، بعد أن أمسكه «حراس الحدود الباكستانيون». المستضعفون يقعون دائما في قبضة الآخرين، فأوراقهم الثبوتية: فقر وآثار فقر وشيخوخة قبل الأوان. وجدت نفسي مراسلا في بلاد، لسان قومها باشتوني، ولا يعرفون من تلفزيونات العرب، سوى الجزيرة. كنت أسأل عن عمل الأطفال الأفغان في بيشاور، وكانوا يسألون إن كنت من الجزيرة. إن الميدان له أسراره عند المراسلين، حيث يحدث نوع من التضامن بينهم في أوقات صعبة، مع أن التنافس يستمر على أشدّه، بين غرف أخبارهم. هناك في ضاحية بيشاور، استُدعي مصوري إلى مركز القناة، وطُلب . أنجزت قصة عن عمل 2001 مني أن أبقى. كنا في نهاية عام الأطفال الأفغان، بكاميرا الجزيرة. كان شعوري استثنائيا، ممزوجا بين الواقع والحلم. شعرت بأنني أعمل في قناتين، في نفس الوقت. اليوم وبعد عشرين سنة تقريبا، لا بد أن أشكر مرة أخرى مصور الجزيرة رياض عبود، ومراسلها ماجد عبد الهادي. صرنا زملاء في .2004 الجزيرة منذ عام ، وخلال قهوة وسيجارة 2006 في هذا السياق، ذات يوم من عام بالطابق الأول في غرفة الأخبار القديمة للجزيرة، اقترح علي زميلي الأفغاني من قسم التخطيط، حشمت الله مصلح الذهاب إلى رواندا، .1994 البلد الإفريقي، ذي التلال التي سكنها الرعب، عام اقترح حشمت إنجاز ربورتاج عن دور المسلمين في رواندا، خلال حرب الإبادة. وكان حشمت قد قرأ مقالا نشرته جريدة أمريكية كبرى عن دور إيجابي للغاية حول تصرف المسلمين في رواندا،
يطرحون سؤالا واحداً: ما السبيل إلى عبور الحدود إلى أفغانستان؟ أمام متكأ المطعم، كان صحفيان آسيويان يقرعان كأسيهما، بين خبر وصورة، خفتت الأضواء.. وبدأت نشرة أخبار الجزيرة، قال المذيع: «ومعنا من كابل مراسلنا تيسير علوني ...».. خفتت الأصوات، بدأ مراسل الجزيرة تيسير علوني يتحدث عن أحداث يوم آخر في أفغانستان. في الخلفية، كان أطفال يلعبون كرة قدم تبدو متهالكة. قرع الآسيويان كأسيهما مرة أخرى، ضحك وصخب، حتى إن أحدهما تعب واستعان بخشب المتكأ، لإبقاء رأسه ضمن جسده.. مرافقهما.. رجل بلباس باشتوني.. يتابع المشهد في صمت. وعلى سطح الفندق، توسطت المجلس امرأة بلباس ملون، تقاسيم وجهها حادة، ولونها برّاق، حلّق حولها شابان، أحدهما بطبلةٍ والآخر بربابة.. لم ينم الآسيويان، كان عبور الحدود هاجسهما، ولم ينم الباشتوني، فهو ابن الليل في تلك التضاريس. كان صوتها، يصرف صداه في البرية الباردة، من على سطح الفندق. ثم لا أثر للآسيويين والباشتوني. طلع النهار، توجهت إلى المعبر الحدودي «طورخم» بين باكستان وأفغانستان، كانت أسلاك شائكة تفصل بين البلدين. ورأيت طفلا
في رواندا، كان مرافقي يردد بين دروب بلاده وتلالها: «اللهم أخرجني من هذه القرية الظالم أهلها». كان يردد عبارته أكثر، كلما اقتربنا من أماكن ما زالت تسكنها رائحة الموت. في لشبونة عاصمة البرتغال، بين شارع الحرية وأزقة حي آلفاما العربي، ظهرت بين جموع مريدي القديس أنطونيو سائحة هندية، سألتني: «من أي قناة أنتم؟» قلت: «نحن الجزيرة»، قالت: «يا لها من صدفة جميلة، تعجبني كرتكم حين تغطس في البحر، فتخرج ذهبا». ثم تناولنا السردين المشوي معاً. رأيت كثيراً من الوجوه والتعابير، في رواندا أو البرتغال أو مصر أو تونس، وأنا أحمل شعار الجزيرة، لكن لا أنسى كيف بكت «نيكول – مادينا أومورونغي» بكاء مرا، وهي تتذكر، بعد ثلاثة عشر عاما على حرب الإبادة في رواندا، مشهد مقتل أخيها الأصغر، على يد «عصابات الهوتو المتطرفة». لقد بكت «مادينا» بحرقة شديدة، وما زالت تبكيني كل مرة. ، ومن فندق 2001 ومن بيشاور، في شمال غرب باكستان، أكتوبر الكونتيننتال، وقد بدأ الليل منذ نحو ساعة، وأجنحة الظلام تتكثف على المدينة التي أصبحت محج صحفيين من مختلف الجنسيات،
267
266
Made with FlippingBook Online newsletter