أكثر من صورة
أرامل وأيتام، أرجوكم.. أرجوكم قولوا للعالم، بأننا نحتاجهم». رواندا، كما قال أحدهم: «عندما تريد أن تبّ بأصبعك موقعها على الخريطة، فإنك تخفيها».. لكن البلد الصغير. أمضى اليوم أشواطا من المصالحة والتقدم والرقي. في آخر اتصال، لم يقل مرافقي «اللهم أخرجني من هذه القرية الظالم أهلها»، قال: «إن ما أنجزته الجزيرة عن دور المسلمين في رواندا أصبح وثيقة لنا. لم نعد مجرد «قبيلة» رابعة، إننا قبلة التسامح والتصالح، لقد منحتنا الجزيرة وثيقة ثمينة». وتحولت ذاكرة الموت في رواندا إلى دروب واسعة للحياة.
مكثنا عشرين يوما تقريبا. سرنا في أنحاء رواندا. ما زالت آثار الرعب ، فقد كانت من أواخر حروب الإبادة في القرن 1994 الذي وقع عام العشرين. عندما أتخيل ربوع ذلك البلد الإفريقي، أشعر بأنني هناك أتنفس وأختنق. أتنفس جمالا لا حدود له، وأختنق عندما ألتفت إلى الذاكرة الرواندية. في ضاحية نياميرامبو بالعاصمة كيغالي، التقينا الفتاة «نيكول»، التي صار اسمها «مادينا»، كان الوقت ظهرا، بعد نحو ثلاثة عشر عاما على حرب الإبادة. كشفت «مادينا» عن ألمها للجزيرة: «جاءت الميليشيات تصفر وتزمجر. كنا مختبئين داخل كنيسة. سمعنا خطوات في الخارج تتسارع نحونا. لم يشفع لنا التزامنا الصمت والهدوء. بدأوا ينادون الأسماء. ساد الرعب. ضربوا الناس وساقوهم إلى حفر الموت. كانوا يركعوننا قبل القتل. كانوا يستخدمون السواطير والخناجر الكبيرة والعصي ذات المسامير ويطلقون الرصاص. لقد قُتلت والدتي في تلك الظروف. وأمسكوا أخي الصغير، وكان يصرخ.، حملوه من رجليه، وقطعوا رأسه بالساطور». وبكت مادينا بحرقة شديدة، وتنهدت ألما وحزنا، مسحت دموعها بخمارها الأخضر، رزقها الله السكينة، لقد توالت الأخبار عن مقتل نحو مليون شخص من التوتسي ومن تعاطف معهم، خلال مئة يوم. نقلت الجزيرة شهادات الناجين، إحداهم قالت: «نريد منكم أن تكونوا لسان خير، لدى من يمكنهم مساعدتنا، فدولتنا فقيرة، ولدينا
وكيف أن قيم الإسلام قادتهم إلى عدم الانخراط في حرب الإبادة. لا بل فتحوا مساجدهم لحماية المظلومين من التوتسي، في رواندا الكاثوليكية. تحمست للفكرة، وقمت بالبحث اللازم، وإجراء المراسلات الضرورية. ووجدت كل التسهيلات وقتها، من إدارة البرامج والإدارة العامة للجزيرة. ، مفتي المسلمين 2006 أول من تعرفت عليه في رواندا، في نوفمبر عام هناك، الشيخ صالح هابيمانا، استقبلنا شخصيا في مطار «كيغالي» عاصمة رواندا. كانت الجزيرة أول قناة عربية شاهدة على الجرح الرواندي، وكنا كالفاتحين، إذ بلغ الترحيب بفريق الجزيرة أننا دُعينا لإلقاء خطبة في أول جمعة من وصولنا، في أقدم مسجد بالعاصمة كيغالي. اتجهت أنظار المؤمنين إلينا، كنا في الصف الأول قبالة المحراب لكن، لم يكن زميلي المصور ولا أنا إمامين، لكن لا بد من قول شيء. وقفت خائفاً على المنبر. لم تخرج الكلمات في البداية. جلت بنظري بين الحاضرين. كانت قاعة الصلاة في الطابق الأول. كانت النوافذ مشرعة، يتراءى منها اخضرار وتَع ُها نسمات. ألهمني الله بقول السلام. والدعاء بالسلام. للعباد والبلاد. في تضاريس رواندا. ثم سلّمت الميكروفون لخطيب وإمام المسجد العتيق في كيغالي. المراسل الصحفي ليس إماماً.
269
268
Made with FlippingBook Online newsletter